fbpx
تقاريرسلايدرمقالات

نهال مجدي تكتب: الشيطان يعظ

 

 

نهال مجدي
نهال مجدي

“يا أيها الرجل الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ..هلَّا لِنَفْسِك كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ..عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمُ”

تلك الأبيات من قصيدة للشاعر العربي أبي الأسود الدؤلي أجدها تقفز لذهني وتلح على أفكاري عندما أتابع ما يصدر عن الغرب من توصيات وإملاءات بل وأوامر لدول الشرق عموماً ودول الشرق الأوسط على وجه الخصوص فيما يتعلق بحقوق الإنسان.

يمسك الغرب بهذا الملف ككارت أصفر في يده يرفعه في وجه أي دولة تجروء على الأختلاف معه أو تتقاطع سبل مصالحهما..فنجد الولايات المتحدة، على سبيل المثال لا الحصر، تختلف مع الصين تجاريًا وإقتصاديًا فترفع في وجهها ملف حقوق الإنسان وأقليات الإيجور المسلمة، تختلف مع روسيا حول مناطق نفوذ حلف الناتو مقابل نفوذ دول حلف وارسو السابق، فتضيف إلى الضغوط على موسكو التلويح بنفس الملف.

نفس السيناريو يتكرر مع السعودية، بالطبع عندما تظهر الخلافات الإقتصادية وتعارض المصالح في منظمة الأوبك، يطفو فجأة إلى السطح ملف الصحفي المعارض جمال خاشقجي، ومن قبله ملف هجمات 11 سبتمبر الإرهابية والتلويح بقانون “جاستا”، الذى سرعان ما اختفي بعد عقد صفقة سلاح مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قدرت وقتها بما يقرب من 750 مليار دولار.

وأعتقد أن البعض لايزال يذكر كيف واجهت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لألمانيا، بناءًا على دعوة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، معارضة قوية من البرلمان الألماني (البوندستاج) لنفس السبب..ملف حقوق الإنسان..وعندما أبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء زيارته للقاهرة بعض التفهم وأعلن أنه لا يحق لأي دولة “إعطاء دروس ومحاضرات” في هذا الشأن، سرعان ما تغيرت لهجته في لقاء لاحق بالرئيس السيسي وبدء في إعطاء محاضرات عن حرية الرأي والتعبير وقبول الأخر.

والأن نفس اللعبة القديمة تعاد مرة اخري بمؤتمر المناخ الذى تحاول مصر أن تكون نسخته هذه لها صدى على الأرض ولا تقتصر على البيانات والصور التذكارية وفتات الدعم الذى تقدمه الدول الغنية المسئولة عن الكارثة تفضلاً إلى الدول الفقيرة المضارة من رعونتهم وإفسادهم للمناخ، نجد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يعلن بمنتهى الصلف والغرور أنه سيناقش مع الرئيس السيسي ملف السجين علاء عبد الفتاح، بصفته حامل للجنسية البريطانية، كما وقع 15 شخص من حاملي جائزة نوبل على وثيقة للمطالبة بالإفراج عنه.

وهنا لم أستطع أن أستوعب على وجه الدقة مفهومهم عن “الشؤون الداخلية للدول” ولكن لدي بضع أسئلة للغرب المهتم “بحقوق الإنسان” كيف حافظتم على حقوق أطفال تموت جوعاً، فعلياً وليس مجازاً، فى اليمن وأفغانستان والصومال؟ أم تراهم أناس بلا حق في الحياة؟ ماذا عن الدمار الذي ألحقته كلاً من بريطانيا وأمريكا على حد سواء بالعراق بعد غزوهم الغاشم لبغداد زعمًا منهم إمتلاك نظام الرئيس الأسبق صدام حسين لأسلحة دمار شامل ثم تبين كذبهم وإدعاءهم بل وأعترف توني بلير رئيس الوزراء البريطاني وقت الغزو أن تلك المعلومات كانت مغلوطة..أليس للشعب العراقي حقوق؟ ألا يجب تعويضه عما أجريتوه في بلاده من دمار؟ ماذا عن معتقل جوانتانمو وأبو غريب..هل حافظتم علي حقوق نزلاءه؟ هل عوضتوهم عما إقترفتموه من جرائم بحقهم؟ ماذا إذا عن سوريا؟ ماذا عن المتاجرة التركية باللاجئين وأوضاع المخيمات على الحدود؟ ماذا عن التوغل التركي والإيراني في الشمال السوري؟ ماذا عن أفغانستان الذى إحتللتموه وإستبحتم أراضيه وإنتهكتم حرماته ثم قررتهم في ليلة تركه نهباً للجهل والفقر والعنف يمزق أوصاله دون أن يؤنبكم ضميركم الحي حول حقوق أهله؟.

وفي النهاية هل يعني هذا أننا راضون كل الرضى عن حال حقوق الإنسان بمصر وأنه ليس في الإمكان أفضل مما كان؟ الإجابة القاطعة هي بالطبع لا..ولذلك بالتحديد شكل البرلمان المصري لجنة للعفو الرئاسي، ولهذا أيضاً أطلقت مصر سبتمبر 2021 الإستراتيجية الوطنية الأولى لحقوق الإنسان، والتي تهدف لتعزيز الحقوق الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والثقافية.

قد تحدث تجاوزات هنا أو هناك، قد نعترض على بعض السياسات..ولكن في النهاية الأمة المصرية لديها من المخزون الحضاري والثقافي والوعي الذي يمكنها من تعديل المسار بنفسها ولا تحتاج دروس ومواعظ من أحد..فالدولة التي تأسست على قيم “ماعت” قبل آلاف السنين لا يمكن الأن أن تتعلم ماهية العدل والمساواة وحقوق الإنسان من دول قامت على القتل والإبادة العرقية قبل مئات السنين..فالأمة المصرية أتصور إنها لا تراهم إلا “شيطاناً يعظ”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى