fbpx
تقارير

مصريون وفلسطينيون وباكستانيون وسوريون وأفارقة.. مآسي مركب الـ٧٥٠ مهاجر التي كشفت عنها “واشنطن بوست”.. بعد تجاهلها مقارنة بغرق الغواصة تيتان

متابعة – أشرف التهامى

في واحد من التقارير الخطيرة التى لها عدة إسقاطات، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية تقريراً سلطت فيه الضوء على قصص أشخاص كانوا على متن القارب الذي ضم 750 مهاجرا غير شرعى، وصفته بطالبي لجوء، هرباً من قسوة الحياة، وانتهى بهم المطاف غرقى قبالة الشواطئ اليونانية في حين لم ينج من الركاب سوى عشرات وابتلع البحر الآخرين.

التقرير الأمريكى، لم يهتم بهؤلاء الابرياء إلا بعد الانتقادات التى وجهت للإعلام العالمى مع اختلاف التغطيات بين هذه الكارثة الإنسانية ، وغرق الغواصة السياحية تيتان التى كانت في زيارة للسفينة الشهيرة تيتانيك.

وتقول الصحيفة الأمريكية إن قصة كيفية وصول ما يقارب 750 طالب لجوء إلى متن سفينة صيد زرقاء متهالكة، قد تكون باتت معروفة للجميع لكنها بالنسبة للسوري ثائر خالد الرحال بدأت مع مرض السرطان.

البحث عن العلاج من السرطان يدفع أباً سورياً لركوب القارب الانتحاري

جاء تشخيص سرطان الدم لإبنه الأصغر، خالد البالغ من العمر 4 سنوات، في أوائل العام الماضي عندما كانت الأسرة تعيش في مخيم للاجئين في الأردن منذ عقد من الزمان، في انتظار إعادة التوطين الرسمية بعد الفرار من سوريا.

وقتئذ قال الأطباء إن وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة يمكن أن تساعد في تغطية تكاليف العلاج، لكن تمويل الوكالة تضاءل وتفاقمت حالة الطفل ، وقرر الأطباء أن خالداً بات بحاجة إلى عملية زرع نخاع عظمي.

قرر الأب أن انتظار الانتقال عبر القنوات الرسمية لم يعد خيارا، إذ كان بحاجة للوصول إلى أوروبا لكسب المال وإنقاذ ابنه.

قال ابن عمه، عبد الرحمن يوسف الرحال، في اتصال هاتفي مع الصحيفة من مخيم الزعتري للاجئين الأردنيين: “اعتقد ثائر أنه ليس لديه خيار”.

رحلة بحث عن حياة

وفي مصر، بدأت رحلة محمد عبد الناصر، 27 عاما، بإدراكه أن عمله في النجارة لا يمكن أن يكسب ما يكفي لإعالة زوجته وابنيه.

وبالنسبة لمطلوب حسين، 42 عاما، بدأ ذلك في اليوم الذي رُفض فيه تجديد إقامته في اليونان، وأعيد إلى باكستان، حيث كان يساعده دخله في توفير الطعام لعشرين فردا من أفراد الأسرة الممتدة وسط أزمة اقتصادية خانقة.

وقال شقيقه عادل حسين، في مقابلة في اليونان حيث كانا يعيشان معا “نحن لا نغادر لأننا نريد ذلك، ببساطة لا يوجد شيء لنا في باكستان”.

في رحلة مطلوب السابقة إلى أوروبا، كان خائفا جدا من الماء لدرجة أنه أبقى عينيه مغمضتين طوال الوقت، وفي هذه المرة وعده المهربون بأنهم سيأخذونه إلى إيطاليا وقالوا إنهم سيستخدمون “قاربا جيدا”.

البحر يبتلع طالبي اللجوء

غادرت سفينة الصيد من مدينة طبرق الساحلية الليبية في 8 يوينو، ووصل 104 ناجين فقط إلى البر الرئيسي اليوناني، وتم انتشال 82 جثة وابتلع البحر مئات الجثث.

ويعتقد أن ما يقرب من نصف الركاب كانوا من باكستان، إذ قال وزير الداخلية الباكستاني إن ما يقدر بنحو 350 باكستانيا كانوا على متن السفينة، وربما مات كثير منهم، ومن بين الناجين من القارب 47 سوريا و43 مصريا و12 باكستانيا وفلسطينيان.

كان بعض الأشخاص على متن سفينة الصيد فارين من أهوال الحرب، وكان كثير منهم معيلا للأسر، مما وضع حياتهم على المحك لمساعدة الآخرين في الوطن، وكان بعضهم من الأطفال.

وتحمل قائمة المفقودين في حادثة غرق القارب 43 اسما من مدينتين في دلتا النيل بمصر، ما يقرب من نصفهم تقل أعمارهم عن 18 عاما.

وقالت عائلة السوري رحال إنهم لا يعرفون كيف اتصل بالمهربين في ليبيا، لكن تذكروا معاناته خلال طلب الحصول على آلاف الدولارات المطلوبة للحصول على ممر آمن إلى إيطاليا.

وغادر ثلاثة عشر رجلا قريتهم جنوب القاهرة على أمل السفر. وعلى بعد عشرة أميال، قرية أخرى، غادر منها عبد الناصر المنزل كما كان يفعل عادةً في نوبته الثانية صباحا في المصنع، لكنه انضم إلى سيارة مكتظة إلى ليبيا بدلاً من ذلك، مع 29 شابا وصبيا آخر، وقال والده عمرو: “لم يخبرنا بشيء.. كنا سنوقفه”.

قالت العديد من العائلات: إن وسطاء محليين يعملون لصالح المهربين تواصلوا لاحقا مع أقارب المسافرين في مصر لجمع الأموال المطلوبة.

في قرية النعامنة المصرية، قال العديد من الأشخاص إن الرقم كان 4500 دولار للفرد – وهو مبلغ مرتفع بشكل مستحيل بالنسبة لمعظم الريفيين المصريين.

وقال عم عبد الناصر إن اثنين من المندوبين الذين وصلوا لتحصيل الأموال كانوا متنكرين في لباس نسائي.

وذكر ذوو بعض طالبي اللجوء أن الوقت الذي كان يقضيه أقرباؤهم في الانتظار في ليبيا كان أصعب مما توقعوه. أصبحت مدينة طبرق الساحلية مركزا لعبور الناس.

وأفاد طالبو اللجوء أن المهربين عاملوهم كبضائع يتم تداولها، في حين استأجر المحظوظون شققا ضيقة حيث يمكنهم الانتظار بالقرب من البحر.

في البداية نقل طالبو اللجوء إلى بنغازي في شاحنات ثلاجة كبيرة ووصف أحد الناجين منزلاً نقلوا إليه: “به فناء كبير وجدران كبيرة وأشخاص عند الباب مسلحون”.. كان المنزل مكتظاً لدرجة أن الناس ناموا في الفناء بالخارج.

وفي الداخل، حاول طالب لجوء باكستاني يبلغ من العمر 24 عاما يدعى بلال حسن، تهدئة الحالة المزاجية من خلال تلاوة الشعر البنجابي.. يبتسم في الفيديو الذي أرسله لعائلته، لكن الرجال الآخرين في الغرفة يبدون متوترين.

قال بعض طالبي اللجوء لأسرهم إنهم قلقون ولا يثقون في المهربين في حين أرسل آخرون رسائل موجزة للطمأنة والقول إنهم بخير.

وكان رحال يتحدث مع زوجته نرمين كل يوم إلى أن جاء وقت مكالمته الأخيرة لزوجته في يونيه وكان رجال من شبكة التهريب ، يصرخون على المهاجرين لحشرهم قدر الإمكان في زوارق مطاطية تنقلهم إلى سفينة الصيد الأكبر.

مطلوب حسين، الباكستاني الذي عاش في اليونان، اتصل بشقيقه من السفينة وروى أن القارب كان سيئا للغاية ، وقال إنهم حملوا الناس على القارب مثل الماشية، وقال إنه كان تحت سطح السفينة ، وإنه يفضل ذلك فلم يكن مضطرا إلى رؤية أنه محاط بالمياه.

عندما سأل عادل شقيق مطلوب لماذا لم يرفض شقيقه الصعود على متن السفينة المكتظة، أجاب أن شقيقه أخبره أن المهربين كانوا يحملون أسلحة وسكاكين.

حبس الأنفاس

ومع انطلاق السفينة بعد تكديسها بمئات طلاب اللجوء توقفت الاتصالات مع الأقارب من سفوح كشمير إلى قرى دلتا النيل مروراً بسوريا وحبست العائلات أنفاسها.

قال أحد الأقارب إنه شعر وكأنه فيلم توقف لتوه في منتصف الطريق.. في البلدات والقرى.. في انتظار الأخبار التي وردت في صباح 14 يونيه بأن القارب قد غرق في البحر.

وذكر التقرير الأولي لخفر السواحل أن 17 شخصا على الأقل قد غرقوا في حين أشار إلى أن أكثر من 100 قد أنقذوا في البر الرئيسي اليوناني.

انتظر الأقارب الأخبار تحت أشعة الشمس الحارقة خارج مركز استقبال طالبي اللجوء في اليونان، في حين اكتفى أقاربهم في المدن والقرى بالاحتفاظ بهواتفهم المحمولة موصولة بمقابس الطاقة حتى لا يخاطروا بفقدان مكالمة.

أقرباء الضحايا في مصر لم يعرفوا ماذا يفعلون.. ألقت الشرطة القبض على مهرب محلي لكنها لم تقدم أي تحديثات عن مكان وجود المفقودين وانتشرت الشائعات بأن معظمهم ماتوا.

وصفت والدة عمرو السيد البالغ من العمر 23 عاما حزنها الشديد لدرجة أنها شعرت وكأنها تحترق.

أما رئيس الجالية الباكستانية في اليونان، جاويد أسلم، فقال إنه كان على اتصال مباشر بأكثر من 200 أسرة تطلب أخبارا.

قال عادل شقيق مطلوب ربما كان الأمر جنونيا، لكن بطريقة ما لا يزال لديه أمل.

لقد سجل الحمض النووي الخاص به لدى السلطات المحلية وكان يتحدث إلى عائلات أخرى هناك كل يوم.. الآن هو لا يعرف ماذا يفعل بنفسه.. كانت عيناه حمراوين من البكاء. كان يحمل صوراً مجعدة لأخيه في جيبه.

في إحدى الصور، يقف مطلوب مع ابنته عرفة ذات العيون الداكنة البالغة من العمر 10 سنوات، أخبر عادل الفتاة أن والدها كان في المستشفى، لكن هذا الخيال كان يثقل كاهله أكثر يوما بعد يوم، إذ ظلت تسأل عن سبب عدم قدرتهما على الكلام.

كان خالد يسأل عن والده أيضا، لكن لا أحد يعرف كيف يجعل طفلا في الرابعة من عمره يفهم شيئا بالكاد يفهمه بنفسه.

قال أقارب نيرمين إنها كانت في حالة سيئة.. كان لديها جنازة من دون جثة. لكن في البداية كان عليها أن تأخذ خالد إلى المستشفى لأخذ خزعة، لتعرف إلى أي مدى انتشر السرطان.

مهما كانت الحياة ومهما كانت أهوالها…..إنما هي أقدار وخطى …..
“مشيناها خطى كتبت علينا .. ومن كتبت عليه خطى مشاها
ومن كانت منيته بأرض .. فليس يموت في أرض سواها !”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى