fbpx
معرفة

ضجّة (الرابع الإبتدائي).. في عيون أبٍّ مواطن

مدحت سليمان

انشغلت خلال الفترة الماضية بمتابعة السوشيال ميديا، وشكوى أولياء الأمور من صعوبة المناهج المطوّرة بالكتب المستحدثة في الصف الرابع الإبتدائي، وكانت أكثر الشكاوى من أمهات الطلاب.

وقبل الدخول إلى عالم الصف الرابع الجديد، تلاحظ لي أن السوشيال ميديا قد فرضت واقعًا جديدًا؛ فأصبحت ناقلًا لكل كبيرة وصغيرة تدور حولنا، ومُعبِّرة عما يتهامس به الجميع، حتي ولو كان عبر الـ”كيبورد” وشاشة الكمبيوتر.

قررت أن أخوض التجربة بنفسي كمواطن أولًا، وثانيًا كأب، لديّ أطفال يمرُّون بالتجارب نفسها، ويدرسون المناهج ذاتها؛ فطلبت من ابني الذي يدرس بالصف نفسه محل البحث، أن يحضر لي كُتُب الوزارة في المواد المختلفة، وبدأت رحلة البحث عن الحقيقة، وكما ذكرت فإن تلك الخطوة التي أقدمت عليها جاءت من موقعي كمواطن، وكرَبِّ أسرة، يهمه مايهم كل الأُسَر المصرية.

أول مالفت انتباهي بشدة، قبل تصفح الكُتُب، هو جودة تغليفها بشكل أنيق وجديد، عكس ماكان يتم إصداره سابقًا من مواد رديئة، تجعل الطالب يلجأ إلى الكتب الخارجية، فمن ناحية الشكل أصبحت الكتب ذات مستوى متطور وجذّاب، بل وتتجاوز الكتب الخارجية في أناقة وجمال الشكل الخارجي.

نأتي بعد ذلك إلى المضمون وما تحتويه الكُتُب، وكان أول ما وقعت عيناي عليه فيها هو كتاب (العُلُوم)؛ فبدأت في تصفحه، وتوقعت أنني سأجد تجارب ونظريات لأينشتين يعجز عقلي عن استيعابها.. قلّبت الصفحات بحذر، وأنا أتوجس خِيفة من أن تشاهدني زوجتي عاجزًا عن فك طلاسم هذا العِلْم الجديد!

ومع أول نظرة، لاحظت أنه مع كل موضوع توجد ثلاث أو أربع صفحات تحتوي علي فراغات ونِقاط؛ ليستطيع الطالب أن يطرح أفكاره في تلك المساحة، فكان ذلك شيئًا جميلًا أثْلج صدري.

أما الشيء الثاني الجميل؛ فهو أن المؤلف تعمَّد في كل درس يطرحه؛ أن يخاطب التلميذ بلقب (عَالِم)؛ بما يعني أن المؤلِّف حينما طرح هذا المحتوي كان يقصد تأهيل هذا الجيل ليكونَ جيلًا مختلفًا.. جيلًا لن يفهم عقليته آباء وأمهات تعلموا تعليمًا كان به من القصور؛ ماجعلنا في فترة من الفترات نحتل مراتب دُنْيا في الترتيب العالمي للتعليم، أما المعضلة الكبرى؛ فهي أن تهكم علينا الصغير والكبير، سواء داخليًّا أو خارجيًّا، وعايروننا بتدني مستوى تعليمنا؛ حتى عشنا اليوم الذي أصبحنا فيه نُخاطِب طلابنا بلقب (عَالِم).

المحتوي جذّاب ولطيف، ويطرح أمثلة تعتمد علي الترابط والتناغم تدفع الطفل إلى التفكير والإبداع؛ فمثلًا في موضوع (تأثير القوى في حركة الأجسام) نجد المؤلف يعرض فكرة التّخيُّل ليصل بالطالب إلى الحل، وهي فكرة بسيطة تُنمِّي الإبداع، وتُفتِّح مدارك الطفل، فنجده يسأله: ( تخيَّل كُرة ملقاة، وبابًا مُغلقًا، ودرّاجة مُتّكِئة علي الحائط؛ كُل هذه الأشياء يمكنها أن تتحرك، فما الذي يجعل هذه الأشياء تتحرك؟ اسْتعِن بالنص والفيديو التاليين لبحث الحركة)، ثم يختم الفقرة قائلًا: (شارِك أفكارك مع زملاء الفصل).

ثُمّ يبدأ في القطعة الثانية من الصفحة بِطرح الحل؛ وكيف يتحرك ورق الشجر؟، وأن الكرة لن تتحرك دون أن تدفعها، والباب لن يتحرك دون أن تَمسّه؛ وهكذا نجد أمثلة بسيطة قادرة علي إيصال فكرة فيزيائية لطالب في الصف الرابع الإبتدائي تختلف مداركه وعقله عن الأب والأم، وحتى عن المعلم الذي يشكو من صعوبة وتعقيد المنهج.

وسؤالي هنا: كيف تُوصِّل؛ كأَبٍّ وكأُمٍّ وكمُعلِّم، للطفل فكرة صعوبة المنهج في حين أن هذا الطفل نفسه أصبح يمتلك من المدارك والعقل مايفوق الأجيال السابقة بمراحل كبيرة، ويمكنك أن تلمس ذلك من خلال متابعتك له في ألعاب الجيم، أو في ممارساته على تطبيقات الهاتف المحمول، أو في إبداعاته علي الكمبيوتر؛ وهي أشياء نتعجب حينما نجدهم قد وصلوا فيها لمستويات وقفزات لانستطيع أن نمارسها نحن؟! فكيف نَحكُم عليهم، وكيف نحكم لهم بأن المنهج صعب وطويل ومرهق؟!

وكانت المفاجأة أن كتاب (العُلُوم) صاحب الشكوى الكُبرى هو أقل الكُتُب في المحتوى؛ على الرُّغم من أنّه أكثر في عدد صفحاته؛ إذ يحوي تقريبًا مايتجاوز مائتي صفحة بقليل؛ لكن أكثر من ثُلثي صفحات الكتاب عِبارة عن نِقاط فارغة ليتدرب الطالب بعد كُل درس.

وبمقارنته بكتاب مادة أخرى أقل منه في عدد الصفحات؛ مثل (الدِّراسات الاجتماعية) الذي يتكوّن من 94 صفحة تقريبًا؛ فإننا سنجد أنه على الرُّغْمِ من قلّة صفحاته؛ فإنّ المحتوى دَسِم وأصعب من مادة (العُلُوم) التي يشكو منها الجميع!

لن أُطِيل عليكم، وسأوجِز لكم نتيجة بحثي في باقي المواد التي تصفحتها، وهي أنني وجدت أن عدد صفحتها لايتجاوز المائة؛ ولكنها تحوي معلومات أكثر وأصعب من (العُلُوم) نفسها.

إذن.. فالشكوى ليست نابعة من دراسة حقيقية وفهم للموضوع من الكثيرين؛ هي شكوى نابعة من السوشيال ميديا التي أصبحت تفرض سلوكها علي الجميع؛ وامتدت الشكوى لتصل إلى المُدرِّس، الذي أصبح يتكاسل عن ملاحقة أي تجديد وتطوير، وبالتّالي فإننا بذلك نصنع أجيالًا من العَجَزة الكسلة، ثُمَّ نقول: ياليتنا كُنّا على كوكب اليابان؟!

ولكنّك إذا ذهبت لكوكب اليابان؛ فستعجز عن قراءة وفهم درس واحد لطالب في الصف الأول الإبتدائي وليس الرابع؛ لنظل نَحْلُم أحلامًا تتناثر هُنا وهُناك دون معرفة بما يدور حولنا في هذا العالم من تطور وتقدم للأجيال!

لذا.. أرجوكم أُترُكُوا أبناءنا يخوضون تلك المغامرة؛ فَهُم جيلٌ سبقنا بسنوات ضوئية.. أُترُكُوهُم يُغيِّرُونَ واقعًا مَريرًا عِشناه علي مدار سنوات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى