fbpx
تقارير

ماهو الاقتصاد غير الرسمي؟ و كيفية تنظيمه

كتبت: نسرين طارق
الاقتصاد غير الرسمي ، هو جميع الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها الأفراد والمؤسسات و لا تخضع للضرائب، ولا الرقابة الحكومية، كما لا يخضع العاملين فيه لأى حماية اجتماعية أو تأمينية.
وهناك مصطلحات أخرى لتعريف الإقتصاد غير الرسمي مثل السوق السوداء، اقتصاد الظل، الاقتصاد السري، الإقتصاد الموازي، خارج الدفاتر المحاسبية والعمل من أجل النقد، (الرمادي – الخفي … إلخ).
يقتصر التعريف على الأنشطة والمعاملات الاقتصادية المشروعة دون التطرق للأنشطة غير المشروعة كزراعة المخدرات وتجارتها، وتهريب الآثار، وتجارة السلاح والبشر، وغيرها من الأنشطة غير المشروعة.
تقدير الاقتصاد غير الرسمي
من الصعب التوصل إلى تقدير دقيق لحجم الاقتصاد الغير رسمي؛ لأنه ببساطة شديدة يعمل بعيدًا عن أجهزة الرصد الحكومية، إلا أن ذلك لا يمنع من اتّباع بعض الطرق للوصول إلى تقديرات عن حجم هذا الاقتصاد الموازي.
  • طريقة التقدير المباشر من خلال تقدير حجم التشغيل وحساب مجموع الدخول التقريبية لعينات عشوائية تعمل في قطاعات غير رسمية، ثم تجميع بيانات من خلال استقصاءات على عدد العاملين ومتوسط دخلهم وإنفاقهم السنوي والأنشطة التي يعملون بها، وتجميع تلك النتائج على مستوى الاقتصاد الكلي للوصول إلى تقدير لقيمة ناتج المنظومة غير الرسمية، وهذه الطريقة متبعة في عدة دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
  • طريقة الإحصاءات السكانية وقوة العمل التي تعتمد على حساب عدد العاملين في الاقتصاد غير الرسمي و حساب قوة العمل الإجمالية، ثم طرح قوة العمل في الاقتصاد الرسمي إلا أنها طريقة غير دقيقة، ويستخدم هذه الطريقة عدد من دول الاتحاد الأوروبي، ودول أخرى من بينها مصر.
ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي، ظاهرة عالمية، حيث يعمل الاقتصاد غير الرسمي جنبًا إلى جنب مع الاقتصاد الرسمي، ولكن بنسب متفاوتة؛ حيث ترتفع نسب الاقتصاد غير الرسمي في الدول النامية وتقل في الدول المتقدمة.
وطبقا  لبيانات منظمة العمل الدولية، أكثر من 2 مليار من البالغين، أي نحو 60% من قوة العمل في العالم، يعملون في الاقتصاد غير الرسمي،  خاصة بعد ظهور جائحة كورونا.
كما اعلن صندوق النقد الدولي أن متوسط حجم الاقتصاد غير الرسمي في 158 دولة من الدول الأعضاء خلال فترة 25 عامًا (1991 -2015) يبلغ نحو 32.5% من الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصاد الرسمي لها.
وبينما تعد دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD الأقل بمتوسط نسبة يبلغ 20%، فإن دول إفريقيا ودول أمريكا اللاتينية هي الأعلى بمتوسط نسبة تبلغ نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصاد الرسمي لهذه الدول خلال نفس الفترة.
متوسط نسبة الاقتصاد غير الرسمي في الدول العربية:
  • مصر 34.3%.
  • المغرب 34.1%.
  • لبنان 31.6%.
  • الجزائر 30.9%.
  • دول مجلس التعاون الخليجي  27% .
رغم تباين تقديرات المحللين والخبراء عن قيمة الاقتصاد غير الرسمي في مصر، فإن الدراسة التي أعدتها لجنة الضرائب باتحاد الصناعات المصرية في نهاية عام 2018  قدرت حجم الاقتصاد غير الرسمي بأعلى نسبة بلغت 60% من حجم الناتج الإجمالي في الاقتصاد الرسمي.
يشكل الاقتصاد غير الرسمي جزءًا مهمًّا في الاقتصاد المصري؛ حيث يساهم في الناتج المحلي الإجمالي، بما يعادل نحو 40% (نحو 2.6 تريليون جنيه) من ناتج الاقتصاد الرسمي البالغ 6.4 تريليونات جنيه لعام 2020/2021، كما يستوعب هذا القطاع نحو 50% من قوة العمل البالغة نحو 29.3 مليون فرد، كما يبلغ عدد وحداته أكثر من أربعة أمثال عددها في الاقتصاد الرسمي.
أشكال الاقتصاد غير الرسمي:
  • الباعة الجائلين.
  • المحلات في الأسواق العشوائية.
  • عربات تقديم المأكولات والمطاعم المتنقلة.
  • بعض المصانع غير المرخصة في المناطق السكنية.
  • الأصول العقارية التي يتم تداولها بعقود عرفية غير مسجلة، والتي تشكل نحو 90% من إجمالي تلك الأصول.
أسباب انتشار ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي
  • التعقيدات الإدارية والبطء في الحصول على المستندات اللازمة لإنهاء إجراءات التسجيل واستخراج التصاريح اللازمة لمزاولة النشاط.
  • ارتفاع تكلفة استخراج المستندات اللازمة لتأسيس كيان قانوني، والعبء المالي لمزاولة نشاط الأعمال في المنظومة الرسمية، سواء أكانت هذه التكلفة صريحة أم مستترة.
  • عدم القدرة على الوصول إلى التسهيلات الائتمانية اللازمة للتشغيل وعدم رغبة القائمين على تلك الكيانات في التعامل مع البنوك بسبب قلة الوعي المصرفي كتلك المتعلقة باعتقادات وموروثات دينية غير صحيحة.
  • قلة كفاءة الأسواق المالية في توفير الأصول الضامنة للحصول على الائتمان اللازم لتمويل النشاط، فضلًا عن عدم الدراية الكافية بكيفية التعامل مع التكنولوجيا المالية الحديثة، لذلك يلجأ العاملين في هذه المنظومة إلى التعاملات النقدية المباشرة.
  • ضعف الثقافة الضريبية لدى فئات كبيرة من المجتمع في إدراكهم للأهمية القصوى للضريبة ودورها في تحقيق التنمية المستدامة.
  • السهولة في دخول نشاط الأعمال والخروج منه بأقل تكلفة ممكنة وبأسرع وقت ممكن مقارنة بالمنظومة الرسمية.
  • عدم قدرة الاقتصاد غير الرسمي على مواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة والمكلفة، وتفضيل العاملين فيه لتطبيق أساليب إنتاجية غير متطورة وغير مكلفة تمكنهم من المنافسة والاستمرار، خاصة في المناطق الفقيرة ذات الكثافة السكانية.
  • ضعف قدرة الاقتصاد الرسمي على خلق مزيد من فرص العمل مع زيادة النمو السكاني.
 الآثار السلبية للاقتصاد غير الرسمي
يحقق الاقتصاد غير الرسمي بعضًا من المزايا، والتي تتمثل في المساعد ة في إيجاد فرص عمل، ولكنها دون رعاية تـأمينية أو صحية، ويساهم في تأمين بعض الاحتياجات الضرورية في أوقات الأزمات، خاصة في المناطق الفقيرة ذات الكثافة السكانية العالية، إلا أن التداعيات السلبية لهذه المنظومة غير الرسمية على الاقتصاد والمجتمع ككل تعوق مسيرة التنمية المستدامة، ومن بين أهم تلك الآثار السلبية ما يلي:
  • إحداث خلل في موازنة الدولة، يؤدي الى عجز الموازنة، وذلك نتيجة زيادة الإنفاق العام بمعدلات تفوق الزيادة في الإيرادات الضريبية، حيث يستفيد العاملون في الاقتصاد غير الرسمي من جميع الخدمات العامة التي تقدمها الدولة للقطاع الرسمي من مياه وكهرباء وصحة وتعليم …إلخ، في حين لا يساهم العاملون في هذا الاقتصاد في تحمل أي جزء من الإيرادات الضريبية التي تنفقها الدولة على هذه الخدمات وتلك المرافق العامة.
  • حرمان الموازنة العامة للدولة من حصيلة ضريبية تقدر بنحو 400 مليار جنيه.
  • الإضرار بسمعة الصناعة الوطنية، وضعف القدرة على التصدير والنفاذ إلى الأسواق الخارجية، حيث لا تطبق المواصفات القياسية المتعارف عليها على منتجات هذه المنظومة غير الرسمية، لاستخدام خامات رديئة بهدف خفض سعر المنتجات.
  • لا يوفر الاقتصاد غير الرسمي المعلومات الدقيقة اللازمة لإعداد الخطط السنوية للدولة، مثل معدلات البطالة والتضخم ونسبة الإعالة ومعدلات النمو في السيولة النقدية.
  • انتشار الاقتصاد غير الرسمي يؤدي إلى زيادة المعاملات النقدية وضعف الشمول المالي، وهو ما يؤثر على كفاءة استخدام البنك المركزي لسياسته النقدية في السيطرة على معدلات التضخم والنمو وسعر الصرف، ويفتح مجالًا خصبًا لتمويل الجماعات المتطرفة والإرهاب.
  • يؤثر انتشار الاقتصاد غير الرسمي على النسيج الاجتماعي وشيوع منظومة من القيم السلبية، لإن أغلب العاملين في هذا الاقتصاد من غير المؤهلين ،وفي الوقت نفسه، نجدهم يحققون مكاسب مادية عالية مما يجعلهم في مراكز مادية متميزة؛ مما يؤدي أحيانًا إلى ترسيخ بعض المفاهيم الخاطئة بين أفراد المجتمع، وهي من أكثر الأمور سوءًا.
مع تطور الفكر الاقتصادي، أصبحت هناك نظرة جديدة للعلاقة بين الاقتصاد الرسمي والغير رسمي تستند إلى وجود روابط تكاملية وعلاقات تشابكية مؤثرة، حيث تقتصر مهمة الأخير على تعويض النقص في الإنتاج الكلي واستيعاب فائض العمالة وتخفيف حدة الفقر وتدني مستويات المعيشة لدى بعض الفئات الاجتماعية في قطاعات بعينها، وفي ضوء تلك العلاقة التكاملية بين جانبي الاقتصاد الرسمي وغير الرسمي، أصبح من الضروري تنظيمها ودمجها بشكل كلي أو جزئي، خاصة بعد تعاظم دور الحكومات في النشاط الاقتصادي واضطلاعها بتحقيق التناغم بين كل من الاقتصاد الرسمي وغير الرسمي.
خيارات التعامل مع الاقتصاد غير الرسمي
الخيار الأول دمج الاقتصاد غير الرسمي مع الاقتصاد الرسمي بشكل جزئي أو كلي.
والخيار الثاني تحقيق تكامل وتناغم لسياسات الاقتصاد الحاكمة لحركة الاقتصاد الغير رسمي مع الاقتصاد الرسمي.
عندما تكون ظاهرة طبيعية وفي إطار محدود يكون الحل الأنسب تحقيق التكامل بين الاقتصادين الرسمي والغير رسمي كما يحدث في الدول المتقدمة، أما إذا كانت تلك الظاهرة منتشرة بشكل واسع وتعكس تشوهات هيكلية، فإنه يكون من الأنسب الدمج التدريجي، كما هو الحال في الدول النامية ومن بينها مصر.
دمج الاقتصاد الغير رسمي
يستهدف برنامج الإصلاح الهيكلي، الذي أطلقته الحكومة في أبريل عام 2021، الى دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي ووضع معالجة جذرية خلال السنوات الثلاث القادمة (2021/2022-2023/2024)؛ لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، فعلى الرغم من ارتفاع نسبة الاقتصاد غير الرسمي في مصر، فإن تلك النسبة بدأت في التراجع ابتداءً من النصف الثاني من عام 2014.
محاور استراتيجية دمج الاقتصاد الغير رسمي:
  • تكوين قاعدة بيانات شاملة ومدققة لكافة الأنشطة الإنتاجية غير الرسمية لمختلف المهن.
  • منح حوافز للمستهلك النهائي لتشجيعه على مطالبة البائعين بالحصول على فواتير ضريبية عند الشراء والتعاون مع الدولة في حصر هذه الأنشطة.
  • تجهيز بنية خاصة لمعرفة حجم ودور وتشابكات هذا القطاع غير الرسمي مع اقتصاد الدولة الرسمي .
  • التغطية التأمينية الاجتماعية المبسطة للعاملين.
  • سن قانون المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر رقم (152) لسنة 2020.
  • تصميم برنامج لتحسين إحصاءات وقاعدة بيانات متكاملة عن الاقتصاد غير الرسمي في مصر.
  • التحول بالاقتصاد من اقتصاد يعتمد على المستندات الورقية إلى اقتصاد يعتمد على قواعد البيانات وتخزينها وتداولها على المنصات الإلكترونية.
  • انتهاز فرصة المبادرات الرئاسية المختلفة لجمع وتدقيق مزيد البيانات والمعلومات.
  • تفعيل منظومة التمويل العقاري من خلال تبسيط وتسريع وتخفيض تكلفة تسجيل الأصول العقارية لجعلها أكثر تداولا.
  • تقديم تسهيلات ضريبية كمنح إعفاء ضريبي لعدد من السنوات.
  • زيادة مساحة الشمول المالي وزيادة وعي المواطنين بمزايا وفوائد التعامل مع المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية.
  • تطبيق مبادئ الحوكمة والشفافية والمحاسبة والمساءلة لتعظيم الإيجابيات وتقليل السلبيات التي يولدها هذا الاقتصاد غير الرسمي مع قيام الدولة بتعزيز دور الأجهزة الرقابية.
الاقتصاد غير الرسمي وجد ليبقى، وأن كل ما هو مطلوب هو وضع أنظمة وقوانين وسياسات مناسبة فقط لإدارته، وأن حجم الاقتصاد غير الرسمي سيتقلص تدريجيا مع النمو الاقتصادي المستدام هذه الطريقة مناسبة للتطبيق في الدول المتقدمة لعدم وجود تعقيدات هيكلية كما هو الحال في الدول النامية ومن بينها مصر.
اما وجهة النظر الثانية التي ترى أن تدخل الدولة يعد أمرا مهما لضمان دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي، و في مصر تعد عملية معقدة، وتتطلب طرح حلول تراعي الاعتبارات السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية في آن واحد.
عمل حملات توعية مكثفة لنشر الوعي بين المتعاملين وصغار المستثمرين بإيجابيات التحول إلى الاقتصاد الرسمي من حيث السهولة في إجراء التراخيص، والتسهيلات البنكية و استخدام المعاملات المالية إلكترونيًا والقضاء على ثقافة المعاملات النقدية، والتي تمثل العائق الأول أمام كشف حجم الاقتصاد غير الرسمي وضمه للمظلة الرسمية للدولة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى