fbpx
مقالات

د. هبه جمال الدين تكتب: سيكولوجية العميل.. والأمن القومي

يدور الأمن القومي حول حماية الدولة من أي مخاطر سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية وتنموية وبالطبع عسكرية، تهدد أو قد تهدد الدولة في الوقت الحالي أو في المستقبل القريب أو متوسط المدي أو البعيد بوقت السلم والحرب علي السواء.

المخاطر قد تكون منظورة أو غير منظورة، واقعة أو محتملة وتتواجد في حالة السلم وحالة الحرب، فلا يعني وجود اتفاقيات سلام أن مهددات الأمن القومي غير واقعة، ففي الحالتين يتواجد الخطر والتهديدات.
فلا يمكن أن يتشدق البعض، أن اتفاقيات السلام جعلت من العدو حبيب أو صديق وبالطبع ليس أخا، فربما هي دعاية يصدرها الطرف الأخر لخداع أصحاب المصالح، أو العقول المريضة.

من هذا المنطلق، تستحضرني واقعة المواطن الكويتي وليد المطيري في أحد مطارات دول التطبيع الإبراهيمي، الذي رفض وانزعج بسبب وجود إسرائيليين بالمطار، وعبر عن انزعاجه بفيديو علي السوشيال ميديا.

هنا علينا الوقوف والتدبر ليس في موقف المطيري الرافض؛ خاصة أن موقفه عبرت عنه كافة الشعوب العربية من البحر للنهر خلال مونديال قطر، ولكن التدبر في مواقف بعض المهاجمين للمطيري الذين اصطفوا مع الإسرائيليين دون محاولة لتفهم صعوبة قبول الصهاينة والدم العربي مراق في فلسطين يوميا وأحداث غزة أحد شهود العيان، ولكنهم تباروا في الهجوم عليه الذي وصل بالمطالبة بمقاضاته، أو منعه من دخول البلد.

فهل ما حدث مجرد تعاطف ؟ أم تملق لموقف القيادة بتلك الدولة الإبراهيمية الداعم للوجود الصهيوني؟ أم أنه أبعد من ذلك؟ وهذا هو مكمن الخطر.
فهل يترك الصهاينة فرصة كهذه ليتحول المطبعين من متعاطفين لما هو أبعد في ظل خدمة أهداف الكيان الصهيواستخباراتي؟

ولنفهم الصورة بشكل أعمق علينا النظر بقرب من قوة الكيان الصهيوني في العالم، فهو يفتقد للقوة العددية فعدد اليهود- الذين منهم غير الصهاينة – والإسرائيليين لا يتجاوز ١٥ مليون نسمة أي أقل من بعض أحياء القاهرة. فكيف حظوا بهذا الوضع في العالم؟

الإجابة ربما تكمن في عدة أسباب يتمثل أهمها في التحكم في مصادر القوة والنفوذ من إعلام وطاقة وإنتاج ترسانة الأسلحة، والأكثر شيوعا تكوين منظمات شبكية عابرة للحدود تضم الصهاينة والمتعاطفين والمطبعين كساحة للدعم وإبراز الصوت وتجميع المعلومات؛ كجهاز استخباراتي يمكنه التتبع والاستهداف والترقب وتسليط الضوء والتجنيد، بل والقيام بالعمليات كغطاء استخباراتي ممتاز.

فلا يخفي علي الجميع أن نفاذ إسرائيل لملف جنوب السودان كان عبر جمعية للأعمال الإغاثية بأثيوبيا.. والتاريخ مليء وثقه الموساد ذاته في كتاب بعنوان نجاح مهمة الموساد في انفصال جنوب السودان الصادر عام ٢٠١٥، حيث وثق خلاله أدوات التجنيد وغطاء التخفي وأدوات التخريب وإشعال الفرقة وتجنيد العملاء والنهج الذي تم طبقه حتي انفصلت جنوب السودان.

هنا يأتي السؤال بعد اتفاقات التطبيع الابراهيمية، وقبلها اتفاقات السلام مع إسرائيل بمصر والأردن، قد اقتضت الضرورة السياسية لعقد اتفاقات تعاون اقتصادي وعلمي من خلال مؤسسات بعينها سواء بشكل ظاهر أو غير مباشر، ولكن يظل من يدير ملفات التعاون بتلك المؤسسات محل نظر واهتمام علي المستوي الشخصي من قبل الجهات الصهيونية، فهل ستتركه مجرد مطبع، أم ستحاول أن تعظم من دوره تباعا من متعاون لمندوب وربما لعميل لا سمح الله!

ربما لا أملك الإجابة ، ولكن إعمالا بقاعدة تغيير أعضاء البعثة الدبلوماسية والقنصلية لأية دولة بالخارج كل أربع سنوات وفقا لقانون العمل الدبلوماسي تجنبا للتعاطف أو محاولات التأثير، ألا نجد أهمية تغير من يدير ملف التعاون مع إسرائيل من المدنيين بالمؤسسات الاقتصادية والعلمية والبحثية بشكل سنوي تجنبا لأية محاولات يستهدفها الكيان الصهيواستخباراتي؟ بل تغيير كل المتعاملين معه من إداريين ومستشارين كخطوة احترازية لحمايتهم وحماية الأمن القومي.

وعلينا أن نقف أمام اقتراب political resume أو السيرة الذاتية السياسية حيث يؤكد أن كل جهة دولية ترغب في أن تستعين مع من تعلم لديها أو عمل بمؤسساتها ، وأن كل فرد يحركه دافع خفي ينعكس من خبرته العملية التي تجعله بعد فترة يختار قضايا ويتخذ مواقف يمكن التنبؤ بها بمجرد قراءة سيرته الذاتية.

ويمكن قراءة ذلك، إذا نظرنا لسلوك هؤلاء المتعاملين سنجدهم يلهثون خلف المناصب الصغيرة قبل الكبيرة وكأنهم في سباق أو مارثون للعدو، ألا يمثل ذلك علامة استفهام يجب الوقوف أمامها والتدبر؟ فهل المناصب مدخل لبسط النفوذ واتساع المتعاطفين لضمان الاستمرار والبقاء في الأضواء؟

علينا أن نعي خطورة ما يحدث كي لا نجد أمامنا شبكة من العملاء دون أن يشعروا هم بذلك علي أفضل تقدير.

كاتبة المقال: الأستاذ المساعد بمعهد التخطيط القومي وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى