fbpx
أخبار محليةسلايدرمقالات

يهود الدونمة بين الحقيقة و الخرافة

كتبت: فاطمة رفعت

تدقيق لغوي: د. منال فرحات

محاكم التفتيش اليهودية

استقبلت الدولة العثمانية اليهود الفارِّين من الاضطهاد الكاثوليكي، ومحاكم التفتيش في أوروبا، وخاصَةً من الأندلس.ومن ثم توطّن اليهود في عدَّة مدن عثمانيَّة أهمها إسطنبول، وسالونيك باليونان، وإزمير بالأناضول.

استغلال النبوءة:

في عام 1626م وُلِدَ طفلٌ يهوديٌّ اسمه ساباتاي زيڤي Sabbatai Zevi لأبوين إسبانيين يعيشان في سالونيك.
عمل والد “ساباتاي” بالتجارة في إزمير، و كان حريصًا علي تعليم طفله الدين اليهودي، والصلوات، والتراتيل المقدسة، في هذه الأثناء كان هناك حاخام يهودي يبشر بقرب ظهور المسيح المخلّص فانتهز “ساباتاي” هذه البشارة، و ادّعى أنه المسيح المنتظر، وكان يأسر أتباعه بصوته الجميل، ويذكر “محمد علي قطب” في كتابه (يهود الدونمة) أنه..(في سنة 1648 أشاع “سباتاي” بين اصحابه المقربين أنه نبي.. فصدقوه، واتبعوه ولم يجد عسرًا، ولا مشقة في ذلك، أو ترددًا منهم؛ فضلًا عن ثقل “ساباتاي”، وانكبابه على دراسة النصوص الدينية، والكتب ذات الصبغة الصوفية اليهودية مع اشتهاره بتفسيرها، وحالة الصرع التي تنتابه بين الحين والآخر، كل هذا هيّأ الظروف المحيطة به لازدياد الأتباع، و انتشار دعوته.

وأخذ يُعدّل في دين اليهود، ويبدل، ويزيد؛ حتى ثار عليه بعض الحاخامين، ولكنه استطاع أن ينتصر عليهم، ويؤلّب عليهم، وأضحى يهود إزمير طوع أمره ورهن إشارته، وبدأت الوفود تأتيه من الخارج؛ من أدرنة، ورودس، وصوفيا، وألمانيا، وأخذَ يُنظم أموره، وأمور أتباعه، ومريديه.. فبدأ يستقبل زواره بمواعيد، ومراسم معينة، وكان على شغف خاص باستقبال زواره من النساء.

في بداية الأمر لم يلتفت إليه أحدٌ لكونه أولًا: يعمل سِرًا، وثانيًا؛ لأن الدولة العثمانية كانت تنتهج سياسة التسامح الديني، فلم تكن تتدخل في شئون المعابد، ولا الكنائس، فنَمَت دعوته بعيدًا عن عيون المراقبين، وثالثًا؛ للانشغال الشديد لدى الدولة في تمرُّدات القوى المختلفة، و-أيضًا- في حرب كريت، ثم النمسا، ورابعًا؛ لأن “ساباتاي” كان يمارس دعوته في سالونيك اليونانيَّة بعيدًا عن عيون الحكومة المركزيَّة.

دولة داخل الدولة:

ادّعي “ساباتاي” أنه ملكًا ليهود الأرض، و قسّم العالم إلى 38 منطقة، وعيّن لكل منها حاكمًا بعد.

(كان السلطان آنذاك محمد الرابع).. ولما ازدادت خطورة (ساباتاي) على الدولة سُجنَ، وكان ينكر كل التهم التي وُجهت إليه، ولكن الوقائع والمستندات كانت دامغة عليه، وقد بلغت المسؤولين وشايةً ورد فيها أنه خَطّطَ لإنشاء إمبراطورية يهودية داخل الدولة العثمانية.. فأمروا بنقله لقصر أدرنة لحسم أمره.

كانَ عندَ السلطان محمد..ويتحاور مع رئيس الوزراء (مصطفى باشا)، وشيخ الإسلام (يحيى أفندي منقري زادة) وإمام القصر (محمد أفندي وانلي)، ثم قيل له بواسطة الترجمان: تدّعي أنك المسيح المنتظر!! فأرنا معجزتك. سنجردك من الثياب ونجعلك هدفًا لسهام المهرة من رجالنا..إن لم تُغرز السهام بجسمك سيقبل السلطان ادعائك! فأنكر (ساباتاي) كل شيء وادّعى أنّ الواشين هم الذين رسموا صورته، وأمر السلطان محمد بعرض الإسلام عليه.

التخفي، والاندماج كان الحل؛ حيث أدرك ساباتاي- حينها- انه أمام أحد خيارين؛ إمّا الإعدام، وإمّا قبول الإسلام؛ فوافق علي الفور، وأنكر كل الادعاءات الموجهة إليه، وتسمّى باسم “محمد أفندي” ،وتقرّب من الحكام، والسلاطين؛ بوصفه مسلم، و ترقّى في الوظائف، ولكنه، واصل دعوته الهدامة سرًا من موقعه الجديد، تحت ستار أنه مسلم، ورئيس للحجّاب، وأمر أتباعه بأن يُظهروا الإسلام، ويُبقوا على يهوديتهم في الباطن. استمرَّت هذه المجموعة متظاهرةً بالإسلام في المجتمع العثماني، ولكنَّها كانت مغلقة غير مندمجةٍ مع المسلمين العاديِّين.
وقد انضح للحكومة بعد أكثر من (10) سنوات أن إسلام “سباتاي” كان خدعة، فنفته إلى ألبانيا، ومات بها.

في غضون وقت قصير، وفي غياب شخصية كاريزمية مهيمنة، كان هناك انقسام في مجموعة الـ”دونمه”. في عام 1690 ظهر زعيم جديد اسمه “عثمان بابا” أو باسمه العبري “باروشيا”، وأعلن أنه الخليفة الرسمي لسبتاي تسفي. اجتاحت هذه الحركة معظم المؤمنين معه، واستمرت حركته في التطور، وأطلقت على نفسها اسم “مجموعة إزمير”، وبدأ أتباعه ينظرون له؛ بوصفه التجسد الرسمي للمسيح “سبتاي تسفي” ، وفي بعض صلوات العبادة يشكل تجسيدًا لله نفسه!!!!!!

الاختراق، وصنع القرار:

وفي القرن التاسع عشر تغلغل يهود الـ”دونمه” في الحياة السياسية التركية، وقد أيدهم “كمال اتاتورك” أول رئيس لتركيا بعد انهيار دولة الخلافة العثمانية، الذي أسس جمعية الاتحاد، والترقي؛ حيث كان معظم اليهود من أتباع “سباتاي” الذين فرضوا سيطرتهم على المراكز الاقتصادية في تركيا أعضاء فيها، ومؤيدين له في العلن، ايس ذلك فقط، بل ومساندة نهج الدولة العلماني؛ مما جعل من الدولة العثمانية تبالغ في رعايتهم؛ لنيل الرضا من الأميركيين.

وعند قيام إسرائيل عام 1948، واعتراف تركيا بها بعد عام واحد، دخلت شخصيات منهم البرلمان التركي، ليصيروا قيمةً مضافة لتركيا.

ما بعد الشتات:

وعند قيام إسرائيل عام 1948، واعتراف تركيا بها بعد عام واحد، دخلت شخصيات منهم البرلمان التركي ليصبحوا قيمة مضافة لتركيا.

واليوم تعمل منظمة “ياد لأحيم” كل ما بوسعها من أجل عدم ضياع أي يهودي، وأنها تحارب الاندماج والانصهار، وتعمل على تكريس قيم اليهودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى