fbpx
أخبار محليةمقالات

نهال مجدي تكتب: اللحظة المناسبة لاختيار مقعدك وسط الكبار

كتبت-نهال مجدي:

أحد أهم الدورس التي كررها التاريخ مرارًا، أن سقوط قوة عظمى عالمية غالبًا ما يكون له دوي يُسمَع في أرجاء العالم ويغير سياسات كثيرة، يقيم تحالفات ويهدم أخرى، ويعيد ترتيب المشهد السياسي العالمي.. وغالبًا ما يستتبع هذا السقوط أو حتى يصاحبه صعود قوة أخرى تأتي أيضًا بتحالفاتها ومصالحها واتفاقاتها الجديدة لتتناسب مع عصرها الذهبي.

وفي تلك المرحلة الدقيقة، مثل مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال، والتي شهدت أفول نجم الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وبزوغ نجم الكاوبوي الأمريكي، ويحدد نجاح سياسة الدول الخارجية مدى قدرتها على استشراف المستقبل والتنبؤ باتجاهات الريح السياسية.. فهناك من يختار الجانب الرابح فيكون رقمًا هامًا في المعادلة لسنوات وربما لعقود مقبلة، وهناك من يضع رهانه على الجواد الخاسر فتكون خسارته تاريخية.

ولعل المثال الأبرز على هذا الاستشراف، هو موقف الرئيس الراحل أنور السادات عندما امتلك من الحس السياسي والذكاء ما أهَّله لاختيار اللحظة المناسبة التي رأى فيها مركب الاتحاد السوفيتي تزيد ثقوبه ويشرف على الغرق، ليقفز للمركب الأمريكي الذي رأى أنه سيوصله بسلام (ولو مرحليًا) لوجهته ومرفأه الآمن.

فهل نرى الآن المركب الغربي يتآكل في مقابل مركب روسي-صيني يبدو آمنًا؟
والواقع على الأرض يشير بقوة إلى أننا نعيش مرحلة تسليم وتسلم قيادة العالم مرة أخرى، ولكن بالطبع بمعطيات مختلفة.. فنرى الكاوبوي الأمريكي يصيبه الإعياء الشديد، بينما يستفيق الدب الروسي ويعلن التنين الصيني تحديه.

فاليوم تناقلت وكالات الأنباء استطلاعًا هامًا للرأي أجرته جامعة ديفيس بكاليفورنيا، خلص إلى أن ما يقرب من نصف الشعب الأمريكي يتوقع أن تنشب حربًا أهلية خلال السنوات القليلة القادمة.

وفي وقت سابق من الشهر الجاري نشر معهد السياسة بجامعة شيكاغو استطلاع رأيٍ آخر أفاد بأن أكثر من ربع سكان الولايات المتحدة يشعرون أنه قد يتعين عليهم قريبًا حمل السلاح ضد حكومتهم، وأخطر ما في هذا الاستطلاع الذي شمل ألف أمريكي هو أن 49٪ من الأمريكيين يشعرون بأنهم غرباء في وطنهم.

وقد تبدو هذه النسبة منطقية إذا ما انتبهنا لحوداث القتل الجماعي المتواترة التي زادت خلال السنوات القليلة الماضية، بالإضافة لحادث المواطن الأمريكي من أصول إفريقية جورج فلويد، والذي أدى التعاطف معه لتأسيس حركة “Black Lives Matter“ أو حياة السود مهمة لتشير بقوة إلى حالة من عدم الاستقرار المجتمعي وأن نار الغضب مختبئة تحت رماد سيطرة الحكومة المركزية.

هذا بخلاف دعوات انفصالية تظهر على فترات متباعدة آخرها في أواخر يونيو الماضي، عندما أعلن الحزب الجمهوري لولاية تكساس الأمريكية عن رؤيته لأن الرئيس جو بايدن “لم ينتخب بطريقة شرعية”، وطالبوا صراحة بانفصال تكساس عن الولايات المتحدة.

أضف لما سبق الأزمات الاقتصادية والسياسة المتوالية التي تعصف بالولايات المتحدة، بداية من جائحة كورونا وخلافاتها الاقتصادية والسياسية الحادة مع الصين، لتأتي الحرب الروسية الأوكرانية لتكون آخر حلقة (حتى الآن) في سلسة من الأزمات المتلاحقة.

كل هذه المؤشرات وغيرها قد لا تهم المواطن المصري أو العربي أو أي مواطن في العالم لا يحمل الجنسية الأمريكية بشكل شخصي، ولكنها بالتأكيد يجب أن تنتبه، او انتبهت لها بالفعل ومنذ سنوات، الحكومات والمراكز البحثية ودوائر صنع القرار حول العالم، ليتموضع الكل ويحجز مقعدًا، فهناك من سيجلس على طاولة الكبار، وهناك من يأتي متأخرًا وبالكاد يجد مكانًا بعيدًا في نهاية القاعة، والعامل الرئيسي والحاسم في هذا السباق هو اختيار اللحظة المناسبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى