fbpx
أخبار محليةمقالات

هشام النجار يكتب: أيها الملتحي تعالى لأعلمك ما هو الدين!

 

الكاتب الصحفي/ هشام النجار
الكاتب الصحفي/ هشام النجار

 

أكتب هذا المقال مباشرة بعد مروري بموقف عجيب مع أحد الملتحين يُضاف لسابقيه وأشباهه؛ حيث أقابل كثيرًا من يقدس مظاهر التدين ويستعلي بها على الآخرين وكأنها هي مقياس القبول والقرب أو البعد عن الله.

هناك مدخل رئيسي يعتمد في الأساس على مغازلة عاطفة الصغار؛ فجماعات التطرف ترسل الموكول لهم مهمة الاستقطاب والتجنيد بطعم رئيسي تصطاد به من لم يتربى من الشباب الصغير على إدراك المعنى الحقيقي لغربة الإسلام، لذا يحرصون على إفهامه أن الإسلام غريب في واقع مليء بالمخالفات الشرعية، فالملتحي غريب في واقع غالبيته من غير الملتحين، ومن يستخدم السواك غريب في واقع غالبيته لا يستخدمونه.. الخ.

يقود ذلك لإنتاج شخص يبالغ في مظاهر التدين وشكلياته ويتجاوز الحد في القول والسلوك باتجاه التشدد، محاولًا فرض هذا النمط على الآخرين داخل محيطه الاجتماعي.

من هذا المدخل يُساق الشاب إلى شعور بغربة من نوع خاص؛ فهو متميز دينيًا ومستعل على الآخر لشعور بأن غربته بشكله ومظهره تمثل غربة الدين عن هذا الواقع المليء بالمخالفات ومظاهر البعد عن الإسلام وتعاليمه، وهكذا تصبح الجماعة هي المهرب والملاذ لترسيخ هذا الشعور عبر كيان منعزل شعوريًا بغربة مصطنعة مظهرية، ليست هي الغربة التي قصدها رسول الإسلام إنما غربة اخترعها منظرو وقادة الجماعات المتطرفة لتجنيد العدد الأكبر من الشباب بهدف ترويج مزاعم تمثيلهم للإسلام الصحيح، وهو الهدف الذي يخدم الغاية الرئيسية وهي الوصول للسلطة وحيازة الحكم والنفوذ.

أين غربة الدين الحقيقية؟

هذا سؤال من الضروري الإجابة عنه بتفصيل وعمق في ظل اختلاط الأوراق وكثرة الادعاءات والمزاعم بالتمسك بأشياء ومظاهر ليست أساسية وبأمور أخرى ربما يأمر الإسلام بضدها، ويزعم المتمسكون بها من أعضاء وقادة جماعات تزعم أنها إسلامية، أنهم المستحقون لوصف (الغرباء) في هذا العصر، في ظل تخلى الناس عنها استدعاءً لحديث الغربة المشهور “بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء”.

فهل غربة الإسلام هي غربة من يتمسكون بالسواك وتقصير الثياب واللحية والنقاب؟

أم هي غربة قيم الإسلام الأصلية ومبادئه ومقاصده الكبرى؟

قال النبي صلى الله عليه وسلم “المسلم من سلم الناس من لسانه ويده”، وفى رواية “من سلم المسلمون من لسانه ويده”.

نحن وفق هذا المبدأ الإسلامي العظيم نبحث في مجتمعاتنا التي ضربتها الفوضى الأخلاقية عن إنسان نموذجي، متاحة أمامه فرص البطش والاعتداء وإيذاء الآخر إما بيده أو بلسانه لكنه يمنع نفسه ليسلم الناس منه ويصح إسلامه ويبقى على مسيرته الدنيوية نقية لتصبح خالية من النزعات الشريرة والضارة.

بل ليس فقط عند هذا الحد، إنما يمتد لسلامة القلب أيضًا فضلًا عن اليد واللسان، فقد يسلم الناس من يد فلان ولسانه بسبب ضعف منه، لكن قلبه يحترق شرًا وحقدًا وضغينة تجاههم، لذا فالمسلم الحقيقي المثالي مطالب بسلامة اليد واللسان والقلب أيضًا، وهذا التوجيه واضح في قول الرسول فيما رواه أنس “يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسى وليس في قلبك غش لأحد فافعل، وهذا من سنتي ومن أحب سنتي فقد أحبني”.

لذا كان من سنة الرسول عدم إضمار الشر والكراهية والغش للبشر، والغش في القلب هو كل أنواع الشر وإضمار الضغينة والنوازع السيئة والكراهية والأحقاد، فالمطلوب الحقيقي إسلاميًا هو سلامة الناس من لسانك ويدك، والصبر على المكاره وعدم الجنوح للثأر والانتقام، وكبح جماح الغضب وكظم الغيظ، ورد الإساءة بالإحسان ومقابلة الشر بالخير والإيذاء بالمعروف.

صارت سنة الصبر ورد الإساءة بالإحسان هي الغريبة حتى بين من يزعمون التمسك بالدين، فإذا وجهت إليهم نصائح مستندة إلى قيم إسلامية وأسانيد دينية صحيحة، تعجبوا أن كيف نصبر ونتجاوز ولا نثور ولا نضرب ولا نثأر!

وصار من يدعو إلى الصبر وقيم السنة الصحيحة من نضال سلمى ودعوة صافية وتواضع وجدال بالتي هي أحسن، داعية – في ميزان جماعات التطرف– إلى الخذلان والذل والهوان، وصارت سنة السواك واللحية المختلف بشأنها معروفة ومشتهرة ومنتشرة، وفي المقابل صارت سنن الصبر والإحسان والتحلي بالأخلاق وعفة اللسان غريبة مستغربة، ومن يدعو لها مثار استهجان!

أيها الملتحي يا من تتكبر على الخلق ظانًا تميزك عنهم.. إعلم أن تنظيف الأسنان سنة من جملة ما حمله الميراث النبوي من توجيهات جمالية تتعلق بصحة الإنسان وجماله ونظافته، لكن تنظيف القلب من الضغائن والكراهية والنوازع الشريرة والأحقاد هي السنة القيمية الأولى بالاهتمام والأجدر بأن يتعلق بها تلاميذ النبي وأتباعه الحقيقيون، وبأن يعيشوا تجلياتها ويبدعوا في تطبيقاتها.

إعلم أيها الملتحي أن غربة الدين الحقيقية مجسدة في هذا المشهد “رجل ملتح يحمل سواكًا في جيبه لكنه لا يكظم غيظه ولا يعرف للصبر نافذة ولا للاحسان طريقًا، وربما يفحش لسانه بما يتردد على ألسنة أبعد الناس عن التسنن وعن تعاليم الدين، فأي غربة يحياها ديننا وتعانيها سنة النبي اليوم!

وقد ورد في الأدب المفرد للبخاري برواية أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيتها فدعا وصيفة لها فأبطأت فاستبان الغضب في وجهه فقامت أم سلمة إلى الحجاب فوجدت الوصيفة تلعب ومعه سواك، فقال : لولا خشية القود يوم القيامة لأوجعتك بهذا السواك”.

أيها الملتحي.. سنة السواك هى بالفعل إحدى توجيهات الرسول، لكنها ليست أساسية ولا تبلغ قيمة السنة الأخرى الواردة في ذات الأثر “لولا خشية القود لأوجعتك بهذا السواك”؛ فحتى أقل صور الإيذاء للآخر تحت تأثير الغضب يمنع رسولنا نفسه عنه، فماذا عن الدم وسفكه والفوضى ونشرها والأعراض وهتكها؟ وما بال الأرواح والاستخفاف بها وكرامة الناس وتلويثها؟

فضلًا عن أن غياب سنة السواك وتنظيف الأسنان ضار بصحة الإنسان الفرد، أما غياب الصبر والإحسان والحكمة والعفو والرقى الأخلاقي والتواضع.. الخ فهو ضار بالمجتمع، ومصلحة الأمة فى أدبيات الأصول مقدمة على مصلحة الفرد.

أيها الملتحي المُستعلي علينا بلحيتك.. إعلم أن التدين اختبار وليس تمظهر؛ بمعنى أن التمظهر شيء يسير بدون كلفة كبيرة وبدون معاناة حقيقية مثل مظاهر كإطلاق اللحية أو استصحاب عود سواك أو ارتداء قميص أبيض قصير، أما التدين فشيء مختلف تمامًا يتطلب معاناة ومشقة روحية وقلبية ونفسية تجعل الإنسان يكابد ويبذل مجهوداته الروحية ليترفع عن الإيذاء ويكف عن الاعتداء الذي هو في متناول يده وفى حيز قدراته واستطاعته.

أيها الملتحي يا من تظن أنك الوحيد المؤمن والبقية ضعاف الإيمان.. إلم أن معنى التدين هو أن يناضل الإنسان ويعانى المشقة النفسية؛ حيث كان يستطيع رد الإساءة بمثلها فيكظم غيظه فلا يرد، سواء باللسان أو اليد، وهو يتدين أي يناضل ويعانى المشقة النفسية؛ حيث في استطاعته الجموح وركوب أمواج الغضب ويدفع بنفسه وغيره في ساحات البطش والعنف، فيصبر ويتواصى بالصبر، ويروى كيف كان يؤذى النبي فيصبر ويوصى بالصبر.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى