fbpx
تقاريرمقالات

هشام النجار يكتب: يوسف القرضاوي.. الآلهة عطشى!

الكاتب الصحفي/ هشام النجار
الكاتب الصحفي/ هشام النجار

الأهم في نظري فيما يتعلق بمسيرة مفتي تيار الإسلام السياسي يوسف القرضاوي الذي وافته المنية الإثنين هو ما طرحه الرائع أناتول فرانس في رائعته الخالدة التي نال عنها نوبل للآداب عام 1919م.

يصور فرانس في رواية “الآلهة عطشى” بدقة الجو “الإرهابي” الذي ساد فرنسا بعد الثورة الفرنسية، واعتقاد البعض منهم أنه يملك “الحقيقة المطلقة”، وأن المخالف والآخر إنما يمارس الهرطقة والخيانة والكفر، فساد الاستئصال والعنف الدموي وأكلت الثورة أبناءها.

رفضوا كل شيء وقالوا “إما نحن أو لا شيء” و”إما نحن أو هم” ولا التقاء ولا هدنة ولا مفاوضة، فإما أن نحكم ونعود للسلطة.. أو الفوضى والدماء!

لقد رفضوا الآخر واحتكروا الحقيقة والوطنية والإسلام؛ إنهم “الآلهة المطلقة” الذين عناهم أناتول فرانس، وهم رجالات “الثورة” والتمرد الذين تسببوا في مقتل مئات الآلاف ومآسي لا حصر لها في فرنسا قبل الاستقرار، وهم من كانوا ولا يزالون في سوريا وليبيا والعراق واليمن ولبنان عطشى للدم العربي.

نادى المرجع الفقهي لتيار الإسلام السياسي يوسف القرضاوي بعد ما أُطلق عليه الربيع العربي بحتمية الصراع وحتمية المواجهة والمواصلة، وكلما كسرت راية ومحى عنوان رفعوا غيرها وكتبوا غيره، لتظل التعبئة الجماهيرية متصلة وليظل التمرد متقدًا ويتواصل النزف بلا حدود.

نسأل هنا –نظرًا لأن القرضاوي ومن معه قالوا نحن نسير على نهج الحسين بن علي-: إذا كانت الثورة والمقاومة نهج الحسين بن علي رضي الله عنهما – وقضيته بالطبع هي قضية الشعوب الحرة (رفض الاستبداد والسعي للشورى والحرية)-، فأين نهج الحسين بن على رضي الله عنهما نفسه في التضحية بالأهل والولد وتقديمهم في ساحات المواجهة مع تجنيب الشعب والأبرياء القتل فى مواجهة غير متوازنة؟

لم يضحى الحسين رضي الله عنه وعن أبيه بالشعب ويهرب من الميدان ولم يحرض الناس من الخارج بعد أن أمن لنفسه ولعائلته طريقًا إلى ملاذ آمن كما فعل القرضاوي ومن معه من دعاة الفوضى المنعمين، فكيف تستقيم الدعوة إلى النضال والمواصلة تحت “راية الحسين” – كما يزعم القرضاوى وتلامذته، ومن يدعو إلى ذلك فر بأسرته وأولاده إلى الدوحة وإسطنبول ولندن – تاركًا أتباعه يواجهون مصيرهم؟

لنستمع إلى القصة من بدايتها ليدرك مدعو “النضال تحت راية الحسين” أين موقعهم من النضال الحقيقي.

في طريقه إلى الكوفة جاء الحسينَ رضي الله عنه خبرُ مقتل مسلم بن عقيل بن أبى طالب وتخاذل شيعته فنادى في الناس وقال: من أحب أن ينصرف فلينصرف فتفرق الناس عنه يمينًا وشمالًا، ولم يتبقَ معه إلا ذووه وأهل بيته.

نفهم من ذلك أن القضية العامة تؤخر ويؤخر مؤيدوها ويحيدوا مع الحرص على سلامتهم عندما يتيقن القائد انعدام توازن القوى، وما فعله الحسين هو أنه دعا الناس للانصراف عندما تيقن بأن ميزان القوى في غير صالحه، وما فعله بعض قادة الإخوان -خاصة من هم بالخارج- مناهض ومتناقض مع ذلك تمامًا.

حتى مع تيقنهم من انعدام توازن القوى وأن من يخرج إلى الشارع معلنًا التمرد هالك لا محالة ظلوا على شحنهم للشباب والفتيات والعامة والتنظيمات وتحريضهم لهم سنوات طوال بدون نظر في مصلحة أو تحكيم لعقل وشرع صحيح.

كذلك -وهذا الأهم- أن الحسين واصل مسيره إلى العراق لأمر غير القضية الكبرى العامة (الدفاع عن الشورى ومناهضة الاستبداد) -مع بقائها فى الوجدان-، بل واصل فقط -بعد أن صرف الناس وأعادهم عندما وصلته المستجدات والتطورات على الساحة- دفاعًا عن موقفه الشخصي لرفضه مبايعة يزيد عندما انتهى التفاوض إلى إصرار يزيد على ذلك.

فإذا كان قادة جماعة الإخوان وعلى رأسهم القرضاوي في ذلك الحين يصارعون تحت راية الحسين رفضًا لاعترافهم بالرئيس السيسي وسلطته، فليتقدموا بمفردهم وبأهليهم -كما فعل الحسين وليحيدوا الشعب وان كان مؤيدوهم رافضين للبيعة- لانعدام توازن القوى.

فاوض الحسين وجرت نقاشات وحوارات موسعة، وطلب أن يعود أو أن يذهب للجهاد في سبيل الله ضد الأعداء مع جيش الدولة، لكن بدون مبايعة يزيد، وعندما أصروا رفض، وعندما أبدى الحسين رغبته فى مقابلة يزيد -وكاد ابن زياد أن

يوافق- تدخل ابن ذو الجوشن الذي كره أن تحل القضية ويسود السلام فشحن في وجهة القتال وحدث ما هو مشهور في كربلاء.

بل عندما أصر الحسين على موقفه من رفض البيعة ليزيد طلب ممن تبقى معه من أهله وأسرته الانصراف قائلًا: “أنتم في حل من طاعتي”، لكنهم أصروا وثبتوا معه حتى الاستشهاد.

فهل تفاوض القرضاوي والإخوان بجدية لحل الأزمة قبل الفتنة ومباشرة الحرب والتمرد المسلح -كما فعل الحسين-، وهل عرضوا بدائل كالتي عرضها الحسين؟ أم ذهبوا سريعًا لملاذاتهم الآمنة ولأحضان رعاتهم في الخارج؟

وهل وعوا الفارق بين القضية العامة في حال انعدام توازن القوى، والقضية الخاصة التي لم يقاتل في ساحة الصراع فيها سوى الحسين وأهل بيته؟

وهل أبدوا رغبتهم في مقابلة الرئيس وقادة الدولة رغم كل شيء كما فعل الحسين الذي يدعون وصلاً برايته؟

الثابت والموثق عكس ذلك حيث كشف الرئيس السيسي أنه هو من دعاهم ورفض الكتاتني المجيء وتُرك كرسي الإخوان في جلسة اجتماع 3 يوليو فارغًا.

وهل وعوا السبب الأساسي الذي من أجله عارض كبار الصحابة -وهم الأغلبية- خروج الحسين إلى الكوفة؟

بل هذا السبب تضاعفت أهميته في واقع أشد فداحة وخطورة قبل سنوات قليلة من واقع الماضي البعيد؟

كل هذا لم يحدث، وبتسطيح فاضح للقضايا وانعدام رؤية وقلوب قاسية متحجرة وعقول مغلقة كانت (الآلهة عطشى) ولازالت لدم الشعب والجيش في مصر وفي سوريا وليبيا وتونس.. الخ، مع تحييد القرضاوي ومن معه للأهل والولد في استراحات وفنادق الخارج.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى