fbpx
تقاريرمقالات

محمد عيسى يكتب: القوة الناعمة وقدرة مصر على المنافسة

 

 

محمد محمود عيسى
محمد محمود عيسى

لا يستطيع أحد أن ينكر تنامي دور القوة الناعمة للدول وسيطرتها الكبيرة على عقلية وتفكير الشعوب وتوجيهها إلى الاتجاهات المخطط لها من وراء استخدام وتوجيه أدوات هذه القوة الناعمة للدول كما يتبع هذا الدور العظيم الذي تلعبه هذه القوة الناعمة تمهيد أرض المعركة لدى الشعوب المستهدفة من حيث تسفيه عقول الفئات المتلقية وجعلها تعتاد هذه الثقافات والفنون الهابطة ومن ثم دفعها إلى  ممارسة ألوان الثقافة الفارغة والفنون السطحية والتي يكون الهدف منها صرف المجتمعات المستهدفة عن روافد الثقافة الجادة الرصينة التي تبني وتصقل المجتمع وتبلوره في صورة ثقافية حضارية راقية ينعكس اثرها على محيطها من حيث التأثير الفاعل في وجدان وشعور وعقلية المتلقي وقيادته وتوجيهه من خلال هذه الأدوات الثقافية والفنية والإعلامية المختلفة ومما يجعل من هذه المجتمعات قوة دفع ومساندة في العمل والوعي والإنتاج وقد مارست مصر هذا الدور الثقافي القيادي المؤثر الكبير في محيطها منذ عشرات السنين من خلال تقديمها لنوعية راقية من جميع أدوات قوتها الناعمة وعلى جميع المستويات وتوظيفها الجيد لهذه الأدوات في تناسق وتناغم كبير مما كان له أكبر الأثر في انعكاس التأثير الكبير لأدوات ومفردات قوة مصر الناعمة في محيطها حتى بلغ هذا التأثير مداه حينما أصبحت مفردات القوة الناعمة المصرية تكاد تكون هي المصدر الوحيد لتكوين وتشكيل الثقافات المختلفة لدى الشعوب العربية المجاورة.

ومع التغييرات الاقتصادية الكبيرة التي صاحبت اكتشاف النفط في دول الخليج  وانعكاس هذه التغيرات الاقتصادية على أوجه الحياة المختلفة في هذه الدول  ومع تنامي الثروات البترولية الهائلة والتي تبعها وضع مخططات اقتصادية ومعيشية كبيرة لهذه الدول كان من الطبيعي أن يتبع ذلك تغيير كبير في معادلات وأدوات القوة الناعمة على الأرض مما عمل على خلق نوع من المنافسة على التأثير والتأثير المضاد وأوجبت هذه التغيرات الجديدة خلق معادلة تنافسية على أرض الواقع تقوم على إضعاف الطرف الأخر وتجريده من جميع أدواته الثقافية المؤثرة التاريخية والحالية ونقله من خانة القوة الفاعلة المؤثرة إلى خانة المتلقي والمتأثر بما يتلقاه دينيا وثقافيا وفنيا وإعلاميا بل والعمل على إضعاف مناعته الثقافية والفنية والإعلامية حتى يمكن تقديم منتجات فنية و ثقافية رديئة تكون هي الأساس لتشكيل ثقافة هذا المتلقي والتأثير في وجدانه وشعوره ومع تنامي شدة المنافسة وحروب القوة الناعمة واستخدامها لأدوات التكنولوجيا الحديثة من مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الفنية المختلفة والدعم المالي الهائل كان من الواجب أن تسعى مصر إلى أن تستعيد قوتها وريادتها مرة أخرى وأن تعود إلى موقع القيادة والتأثير في مثل هذه الحروب والتي أصبح تأثيرها لا يقل عن تأثير وفاعلية القوة الصلبة وكل ذلك يفرض على مصر وبكل قوة أن تضع لنفسها استراتيجية جديدة تعمل على إعادة هيكلة وتقديم أدوات القوة الناعمة المصرية وبما يتناسب مع طموحات وأهداف الجمهورية الجديدة والتي تسعى من خلالها مصر إلى إعادة تقديم نفسها إلى العالم العربي والعالم الدولي من جديد.

ولا يمكن بأي حال من الأحول أن تدخل مصر في جمهوريتها الجديدة بأدوات قوتها الناعمة الحالية والتي أصبحت مخترقة ومتهالكة والتي لا تقوى على المنافسة في هذه الحرب الشرسة وعلى ذلك فمن الخطوات المهمة التي من الممكن أن تتخذها مصر لإعادة هيكلة وتقديم قوتها الناعمة تغيير إدارة الشؤون المعنوية  في القوات المسلحة إلى المجلس الأعلى لإدارة الفنون والثقافة والاعلام وتكون المهمة المحددة لهذا المجلس العمل على صياغة وتقديم استراتيجية إدارة وتوجيه القوة الناعمة المصرية  ويكون هذا المجلس تحت رئاسة السيد رئيس الجمهورية ويضم في عضويته وزراء الدفاع والثقافة والأوقاف والرياضة والأزهر الشريف والكنيسة المصرية والوزرات المعنية والمرتبطة بالتأثير الثقافي والمعنوي في الداخل والخارج ويتم وضع استراتيجية قومية تشمل الارتقاء والنهوض بكل أدوات ومفردات القوة الناعمة المصرية من فن وثقافة وصحافة وإعلام وخطاب ديني جديد يتواكب مع أليات وأهداف ولغة العصر الحديث ويتم توفير الميزانيات المالية اللازمة للبدء الفوري في تطبيق هذه الاستراتيجية المصرية الجديدة والتي يجب أن يكون لها محورين محور داخلي يستهدف النهوض والارتقاء بعوامل الوعي  والثقافة  للمواطنين مما يؤهلهم ثقافيا وفنيا وإعلاميا ودينيا ورياضيا واجتماعيا لمواكبة ثورة التنمية والنهضة في كافة قطاعات الدولة وينقل المواطنين من حالة عدم الفهم والتشتت إلى حالة المواطن الفاهم لدوره وواجباته والداعم والمساند والمؤيد لدولته والمدافع عنها.

مواطن يمتلك الفكر والثقافة والوعي الصحيح والمعلومة الموثقة ومحور أخر يستهدف عودة مصر وبكل قوتها وأدواتها إلى التأثير في محيطها الخارجي وبجميع أدوات وسياسات العصر الحديث وتنتقل مصر بذلك إلى موقع القوة المؤثرة التي تساهم وبشكل فاعل وكبير في تشكيل وصياغة وجدان وشعور وثقافات العوالم الأخرى المحيطة ومما يحول مدى أمنها القومي الناعم إلى حدود أخر مكان يصل فيه صوتها وتصل فيه كلمتها وفنها وأدبها وإعلامها ولا يجب أن تتأخر مصر عن تقديم وتنفيذ هذه الاستراتيجية التي يجب أن تعيد مصر إلى قيادتها وريادتها ومكانتها الطبيعية التي تستحقها بحكم التاريخ والجغرافيا وما تمتلكه من ثروات وقدرات ومواهب بشرية مصرية هائلة وينقل طور المنافسة مع مصر إلى مكانة عالية تليق بقامة وقيمة مصر وبحكم امتلاك مصر لمشروع الجمهورية الجديدة التي يجب أن يتوافق معها ويصاحبها في الانطلاق مشروع حضاري ثقافي جديد يكون بقيمة وأهداف وطموحات وإمكانيات الجمهورية الجديدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى