fbpx
تقارير

“كحك العيد” أصله مصري من 5 آلاف سنة.. كان ينقش عليه صورة الشمس

كتبت: ندىٰ حسن
تدقيق: ياسر فتحي

 

يخطئ من يظن أن المصريين عرفوا “كحك العيد” في عصور دولة الخلافة الفاطمية، كما أشاع المؤرخون والكتاب، لكن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير.

ومن هنا أكد الخبير الأثري بوزارة السياحة والآثار الدكتور مجدي شاكر أن البداية الحقيقة لظهور كحك العيد كانت منذ ما يقرب من خمسة آلاف سنة، وتحديدًا أيام الفراعنة القدماء، فقد اعتادت زوجات الملوك على تقديم الكحك للكهنة القائمين على حراسة الهرم خوفو في يوم تعامد الشمس على حجرة خوفو، وكان الخبَّازون في البلاط الفرعوني يتقنون صنعه بأشكال مختلفة مثل اللولبي والمخروطي والمستطيل والمستدير، ووصلت أشكاله إلى 100 شكل نُقشت بأشكال متعددة على مقبرة الوزير “رخميرع” من الأسرة الثامنة عشر، وكان يُسمى بالقُرص حيث كانوا يشكلون الكحك على شكل أقراص على شكل تميمة الإلهة (سِت) كما وردت في أسطورة إيزيس وأوزوريس، وهي من التمائم السحرية التي تفتح للميت أبواب الجنة، وكانوا يتقنون بتشكيله بمختلف الأشكال الهندسية والزخرفية كما كان البعض يصنعه على شكل حيوانات أو أوراق شجر وزهور، وكانوا يرسمون على الكحك صورة الشمس (الإله رع) مما يؤكد أن صناعة الكحك امتداد للتقاليد الموروثة فهو لازال على نفس هيئته حتى الآن.

وأضاف شاكر أن هناك نَصًا يعود إلى عصر الأسرة الخامسة – الدولة القديمة – على أحد جدران مقبرة المدعو ” تي” بمنطقة سقارة يذكر عملية نخل الدقيق بعد طحنه، واللازم لصناعة الخبز حيث يقول:
“اطحن اطحن جيدًا، إني أطحن بكل قواي، إن الخادمة تقوم بنخل الدقيق، وخبزت الكحك لنفسي”

• مخبوزات المصري القديم

وأشار شاكر أنه في الأعياد يحرص المصريون على عمل العديد من أصناف المخبوزات والحلوى وزيارات مقابر المتوفين، وهي عادة مصرية قديمة ورثناها مسلمين ومسيحيين من أجدادنا من آلاف السنين، وفي كثير جدًا من الجداريات المصرية القديمة منقـوش عليها كميات من القرابين، التي كانت تحوي أشكالًا من الكحك والفواكه والطيور لتقديمها في العديد من المناسبات الدينية للآلهة وكهنة المعابد، وهذه عـادة لاتزال موجودة، وخصوصا في الريف
المصري عندما يذهب المصريين لزيارة أمواتهم في الأعياد ويوزعون “القرص والكحك” على روح المرحوم.

• كلمة كحك أصلها فرعوني

ولفت شاكر إلى أن كلمة “كحك” هي كلمة مصرية قديمة ومنها وصلت إلينا كلمة “كعــك” العربية و Cake الإنجليزية.

• العيد في الدولة الوسطى

ومن عصر الدولة الوسطى عثر على بعض الأنواع من الخبز في المقابر التي تعود إلى هذا العصر، وكانت مختلفة الأشكال والأحجام منها المستدير والمستطيل، وبعضها على شكل آدمي أو حيواني، وربما كانت تلك الأشكال تصنع خصيصًا للأطفال.
واكتشفت صور لصناعة كحك العيد تفصيليًا في مقابر طيبة ومنف، ومن بينها صور على جدران مقبرة (رخميرع) من الأسرة الثامنة عشر، والتي تشرح أن عسل النحل كان يخلط بالسمن، ويقلب على النار ثم يضاف على الدقيق ويقلب حتى يتحول إلى عجينة يسهل تشكيلها بالأشكال التي يريدونها، ثم يرص على ألواح الإردواز، ويوضع في الأفران كما كانت بعض الأنواع تقلى في السمن أو الزيت، وأحيانًا كانوا يقومون بحشو الكحك بالتمر المجفف (العجوة)، أو التين، ويزخرفونه بالفواكه المجففة كالنبق والزبيب، ووجدت أقراص الكحك محتفظة بهيئتها ومعها قطع من الجبن الأبيض وزجاجة عسل النحل.

• الكحك في العصر الطولوني

ففي العصر الطولوني كان الكحك يصنع فى قوالب خاصة محفور عليها عبارة (كُل واشكُر)
وفي العصر الإخشيدي في عهد الوزير أبوبكر بن محمد كان يضع دنانير من الذهب في الكحك، وأطلق عليه (افطن له) لوجود ذهب في داخله وهو يشبه العيديه الآن وبه نوع من مساعدة مادية للمحتاجين
العصر الفاطمي.

وفي العصر الفاطمي خصصت الدولة دارًا عرفت بدار “الفطرة” لعمل مايُحمَل إلى الناس في العيد، ومكـانها الآن بجوار الباب الأخضر بالمشهد الحسيني.

وكان العمل في “دار الفطرة” يبدأ في النصف الثاني من رجب ليلاً ونهاراً، وكان يصنع فيها ألوان مختلفة من الكحك وتصل تكلفتها لعشرين ألف دينار، وكانت تنقش عليه نقوش مثل “هنيئا” وعمل بأشكال هندسية ونباتية وحيوانية وكان يقدم في أطباق من الذهب، وكان يغطى بفوط تصنع خصصيًا له، ونذكر من هذه الألوان:
“الخشكنانج ” وهو الذي لايزال يطلق عليه بعض العامة من الشعب اسم “خشنينة” وصنف آخر يقال له “كعب الغزال” وصنف ثالث يعرف “بالبرما ورد” وصنف رابع يقال له “البسندور”
وكان يقوم بصــنع هذه الألوان مائة عامل، ويعدون ما يصنعونه ليوزع على الخاصةوالعامةقبل العيد بيوم واحد.

وكان الفاطميون يتفننون في صنع الكعك والحلوى ابتهاجًا بعيد الفطر، فكانوا يمدون الولائم في ليالي العيد، ويصف لنا أحد المؤرخين أن المائدة كانت 200 ذراع طولاً في عرض سبعة أذرع، وكان يوضع عليها أنواع الكحك التي صنعت في دار الفطرة، فإذا صلى الخليفة الفاطمي الفجر وقف في شباك القصر وأمر بدخول العامة، فيدخل الناس ويتخاطفون الكحك ويحملونه إلى دورهم، فإذا خرج الخليفة لصلاة العيد ركب في موكبه ثم يذهب بعد الصلاة إلى قاعة الذهب حيث أعدت له مائدة من الفضة يقال لها “المدورة” وعليها أواني الفضة والذهب التي تحمل الأطعمة المختلفة، وفي نفس الوقت كان يمد السماط الكبير، وهو من خشب مدهون مزين بالأزهار والورود ليتناول خاصَّةُ الخليفة الطعام، وعلى هذه المائدة ترص الأطعمة بطريقة خاصة في صحون يبلغ عددها 500 صحن.

هكذا كانت أسمطة الفاطميين في عيد الفطر وهي إن دلت على شيء إنما تدل على مدى البذخ الذي كانت عليه البلاد إبان الدولة الفاطمية.

وحاول الأيوبيون إلغاء كل مظاهر الفاطميين في مصر، ولكنهم لم يستطيعوا منع عادة صناعة الكحك لأنه موروث أقدم من الفاطميين بكثير، وفي العصر المملوكي استمرت عادة صناعة الكحك ودخلت في المجال طاهية مشهورة اسمها “حافظة” وسُمي نوعٌ من الكحك باسمها “كحك حافظة”.

وفي العصر العثماني تخلت الدولة صناعة الكحك، ولكن الخاصة والأغنياء استمروا في القيام بنفس الدور وتوزيعه على العامة والمحتاجين.

وفي الدولة الحديثة نجد أنواعًا طريفة من الخبز أو من الكحك على شكل إسطواني يشبه “السويس رول” حاليًا، أو نجد أنواعًا على هيئة بقرة أو إوزة أو بشكل امرأة، حيث كانت تستخدم إما كنوع من ألعاب الأطفـال على شكل كعكة أو رغيف، أو كانت تستخدم في أغراض السحر، حيث كانت تنقش عليها بعض التعاويذ أو تقرأ عليها قبل إطعامها لقطة للشفاء من المرض الغامض الذي يرمز له بـ(عاعاعا)، وفي بعض الأحيان كان الخبز يصنع على هيئة فرس النهر أو الخنزير ليقدم في المناسبات الدينية التي كان لابد فيها من تقديم أضحية حية، حيث كان الفقراء يقومون بعمل الخبز على هذه الهيئة و يقدمونه في المذبح – أما بالنسبة للعصر اليوناني والروماني في مصر فلقد أضيفت العديد من الإضافات للكحك مثل السمسم والعسل والينسون والفواكه الجافة، كما كان يتم تحلية الكحك وإضافة بعض النكهات إليه، حيث نجد أن هناك نوعًا كان منتشرًا في الإسكندرية كان يصنع من الحبوب المنخولة والمضاف إليها العسل، وتشكل على هيئة كروية، وتلف في ورق البردي و كانت تسمى Pankarpian

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى