fbpx
معرفة

الأرض كروية أم مسطحة؟!

عرف البشر بحقيقة كروية الأرض منذ آلاف السنين، وتأكدوا من حقيقة هذا الأمر عندما أطلق الاتحاد السوفيتي القمر الصناعي سبوتنيك1 عام 1957 الذي دار حول الأرض.

مع ذلك، ظهر على الإنترنت مؤخرًا مجموعة من الناس يصرون على إنكار هذه الحقيقة ويُدعون مجتمع الأرض المسطحة، ويبدو أنهم زرعوا الشك حول أبسط جانب من هذا الواقع، وبذل أصحاب هذه النظرية جهدًا كبيرًا لابتكار تفسيرات بديلة للأسباب التي تجعل العالم يتصرف وكأنه كروي في حين أنه -على حد زعمهم- مسطح، رغم أن الملاحظات التي جمعها البشر حول الكوكب على مدار آلاف السنين توضح أن الأرض كروية.

حركة الأرض المسطحة
ظهرت جمعية الأرض المسطحة Flat Earth Society في خمسينيات القرن الماضي، وتضم الآن مئات الأعضاء. وتستند إلى أفكار المخترع البريطاني في القرن الـ 19 صموئيل بيرلي روبوثام الذي استمد آراءه عن شكل الأرض من التفسير الحرفي لفقرات من العهد الجديد.

ويزعم المؤمنون بهذه النظرية أن موظفي وكالة ناسا الفضائية يحرسون الجدار الجليدي المحيط بالأرض لمنع الناس من تسلقه خشية السقوط من حافة القرص. وبحسب تقرير نشرته مجلة “فوربس” Forbes خطط بعض المؤيدين لنظرية “الأرض المسطحة” لتدشين بعثة استكشافية للقارة القطبية الجنوبية بحثا عن “حافة الأرض”.

أما عن الصور التي التقطت من الفضاء، فيزعم مؤيدو هذه النظرية أنها مجرد خدعة نسجتها وكالات الفضاء العالمية بمشاركة حكومات عديدة. ويقولون إن الظلال التي تبدو على القمر أثناء الخسوف القمري ليست ظلال الأرض، بل ربما تكون ظلال جرم سماوي آخر.

 اليونانيون أثبتوا كروية الأرض
كان معظم الفلاسفة والعلماء الإغريق عام 500 قبل الميلاد يعتقدون أن الأرض كروية. وبحسب موقع “الإدارة الوطنية لبحوث المحيطات والغلاف الجوي “نوا” NOAA فإن أرسطو قدر مسافة محيط الأرض (بمحاذاة خط الاستواء) بنحو 45 ألف ميل. وعام 250 قبل الميلاد، أثبت الفيلسوف الإغريقي إيراتوستين أن الأرض كروية مستدلا بعصا وزاوية سقوط الشمس.

إذ لاحظ إيراتوستين أن الشمس وقت الظهيرة، في أطول أيام الصيف، تضيء بئر عميقة في مدينة أسوان (سين قديما) دون أن تلقي أي ظلال، ثم قاس زاوية الظلال التي تلقيها عصا وقت الظهيرة في نفس اليوم بمدينة الإسكندرية شمالا، ووجد أنها كانت 7 درجات.

فلو كانت الأرض مسطحة لكانت زاوية سقوط الشمس متطابقة بالمدينتين. وتوصل إيراتوستين إلى أن محيط الأرض ينبغي أن يعادل 50 ضعف المسافة بين الإسكندرية وأسوان، أي يبلغ نحو 25 ألف ميل، علما بأن القياس المقبول لمحيط الأرض في الوقت الراهن يبلغ 24 ألفا و855 ميلا.

واستدل العلماء الإغريق قديما بأدلة أخرى على كروية الأرض، منها مواقع النجوم والكوكبات النجمية التي تبدو مختلفة في نصف الكرة الأرضية الشمالي عنها في الجنوبي، ولاحظوا ظلال كوكب الأرض المستديرة على القمر أثناء خسوف القمر.

لكن، إن كانت الأرض بطريقة ما مسطحة فعلًا، لن تتحرك مثل حركة الكوكب الذي نعرفه اليوم وستندثر البشرية وأي شيء آخر.

يقول ديفيد ستيفنسون المختص بعلم الكواكب في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك في باسادينا) لتشكيل جسم فلكي بشكل قرصي -بدل الكروي- يجب تدويره بسرعات عالية جدًا، وهذا ما يدمر الكوكب ويمزقه إلى قطع صغيرة.

ظواهر طبيعية تثبت كروية الأرض
هناك طرق أخرى للتأكد من كروية الأرض بالعين المجردة، فإذا ذهبت إلى الميناء ونظرت إلى السفن أثناء مغادرتها الميناء فستلاحظ أنها تختفي تدريجيا في الأفق، بدءا بالبدن وانتهاء بالصاري.

وثمة ظاهرة أخرى تدل على دوران الأرض وكرويتها وهي “قوة كوريليوس” Coriolis force التي تؤثر عموديا على اتجاه حركة الكتلة التي تدور. وهذا التأثير يفسر دوران الأعاصير الدوامية باتجاه الساعة في نصف الكرة الأرضية الجنوبي، وعكس اتجاه الساعة في نصف الكرة الأرضية الشمالي.

نحتاج إلى سحر لجعل الأرض مسطحة بدون دورانها بسرعات كبيرة، ولن تصمد طويلًا، إذ ستؤثر قوى الجاذبية خلال ساعات على الكوكب من جميع الجهات بالتساوي وهذا ما يفسر كروية الكواكب -أو الشكل شبه الكروي إذ يعتمد ذلك على سرعة دوران الكوكب، وقد تعمل هذه القوى -قوى الطرد المركزية- ضد قوى الجاذبية ما يسبب تفلطحًا عند خط الاستواء.

هكذا برهن ماكسويل رياضيًا أن الأرض القرصية المستقرة غير ممكنة في ظروف الجاذبية، ومن دون الجاذبية سيبدو كل شيء غير منطقي.

سيختفي الغلاف الجوي لأنه يرتبط بالأرض عن طريق الجاذبية، وستختفي حركة المد والجزر أيضًا لأن حركتها ناتجة عن جاذبية القمر التي تؤثر على حركة المحيطات.

بالنسبة للقمر سيختفي، لأن أي تفسير لوجوده يتضمن الجاذبية، ففي السيناريو الأكثر قبولًا تشكل القمر عندما اصطدم جسم عملاق بالأرض في بداية تشكلها والتقطت الأرض بعض حطام هذا الجسم، ويقول سيناريو آخر أن القمر تشكل في نفس الوقت الذي تشكلت فيه الأرض -مرة ثانية وبفضل الجاذبية- أو أن جاذبية الأرض الهائلة جذبت قطعًا كبيرة من الفضاء أثناء دورانها في الفضاء.

الحسابات البسيطة:

الجاذبية مسؤولة عن بنية طبقات الأرض حيث تتواجد الطبقات الأكثر كثافة في لب الأرض وأقلها كثافة في الوشاح والأقل في القشرة.

سيتحرك الكوكب بشكل مختلف دون هذه البنية الطبقية، فعلى سبيل المثال، يعمل اللب الخارجي للنواة كمغناطيس ديناميكي كبير عملاق، ما يولد الحقل المغناطيسي للكوكب.

يحمي هذا الحقل الغلاف الجوي من الرياح الشمسية، وللعلم، فقد المريخ غلافه الجوي بعد زوال حقله المغناطيسي عنه منذ 4 مليار سنة.

يقول عالم الجيوفيزياء جيمس ديفيس في مرصد الأرض لامونت-دوهرتي في جامعة كولومبيا في نيويورك لموقع Live Science: لن تعمل الصفائح التكتونية -وهي حركة الصفائح التي تُكوّن القشرة الخارجية للكوكب- في حال كانت الأرض مسطحة، وعند إجراء الحسابات البسيطة على افتراض أن الكواكب أقراص مسطحة، لن نجد جوابًا صحيحًا يتطابق مع الملاحظات التي نجمعها عن العالم الحقيقي.

يخلق أصحاب نظرية الأرض المسطحة حججًا لشرح الملاحظات السابقة على كوكب مسطح.

وتكمن المشكلة وفقًا لديفيد أن هذه التفسيرات ليس لها أي أساس رياضي أو فيزيائي، فعندما تنبأ ماكسويل بأن حلقات زحل مكونة من جزيئات صغيرة في خمسينيات القرن التاسع عشر، برهن ذلك من خلال المعارف العامة عن كيفية عمل القوى الجاذبية والدورانية، ومقاله حول هذا الموضوع كان بمعظمه معادلات رياضية، ولا يعمل مجتمع الأرض المسطحة بهذه الطريقة.

تتضمن نظرة مجتمع الأرض المسطحة حول العالم انتقادات من مختلف التفسيرات لمختلف الظواهر.

في الواقع الأرض والقمر كرويان لنفس السبب -أي الجاذبية- أما مجتمع الأرض المسطحة فعليهم ابتكار تفسيرين مختلفين لكليهما، وغالبًا ما يتعارض هذان التفسيران مع بعضهما، ولا تعمل النظريات العلمية بهذه الطريقة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى