fbpx
مقالاتوعي ميتر

جمال طه يكتب: الهجوم على إيران، واثارة الفوضى في دول المنطقة

احتمالات تحول الحرب الروسية الأوكرانية الى شرارة لحرب عالمية ثالثة، نتيجة التصعيد المتبادل من جانب واشنطن ودول حلف «ناتو»، في مواجهة روسيا، ولكن كل المؤشرات تؤكد ان ساحة الحرب لن تتوقف عند حدود الدولة الأوكرانية، بل قد تتعداها لتشمل بؤرتين:

الأولى في إيران ومنطقة الخليج العربي.

والثانية في تايوان ودول جنوب وشرق آسيا.

«مايك مينهان» مدير إدارة الحركة بسلاح الجو الأمريكي، طلب إعداد تقرير عن جهود الاستعداد للمعركة مع الصين بحلول 28 فبراير 2023، مقدرا أن الحرب الأمريكية الصينية المتعلقة بتايوان يمكن أن تبدأ عام 2025.

تسريب خبر من هذا القبيل، وعلى هذه الدرجة من السرية قد يوحي بأنه يستهدف إرهاب الصين، وتأكيد جدية واشنطن في دعمها للجزيرة الصينية ضد أي غزو من الدولة الأم، لكن الحقيقة ان الطرفين الأمريكي والصيني لا يرغبان في الحرب، فاقتصاداتهما مترابطتان، والحرب تلحق بهما خسائر فادحة، كلاهما في غنى عنها.

ضخامة الديون الأمريكية، واستنفاذ الكثير من الاحتياطات العسكرية للجيش الأمريكي في دعم أوكرانيا، يجعلها حريصة على تجنب التورط في مثل هذه الحرب.. أما الصين فهي تدرك انها ستسود العالم باقتصادها القوى خلال سنوات قليلة، فما الذي يدفعها للتعجل، مما قد يؤدى الى اجهاض تلك المسيرة، التي تعثرت خلال السنوات الأخيرة نتيجة انتشار وباء كورونا، واضطرارها لإغلاق العديد من المحافظات، والأهم ان الصين تدرك ان اسطولها البحري لا قبل له بمواجهة نظيره الأمريكي.. لذلك فإن المواجهة على الساحة الصينية ربما تكون غير واردة، ولن نتوقف امامها، لكننا سننتقل مباشرة الى الساحة الإيرانية.

الحرب الغربية على إيران باتت حتمية، بعد التقاء العديد من الدوافع الكامنة وان اختلفت من دولة لأخرى؛ إسرائيل تستهدف تدمير المشروع النووي الإيراني، أما أمريكا وبريطانيا فيستهدفان عقاب طهران جراء دعمها للمجهود الحربي الروسي في أوكرانيا بالطائرات المسيرة والصواريخ، وقطع مسار طريق الحرير الذي يمر بإيران مما يحجم الطموحات الاقتصادية للصين.. أمريكا تستهدف أيضا إثارة استنفار رد الفعل الإيراني ضد دول الخليج، بحكم روابطهم الوثيقة بواشنطن، وتمركز العديد من الأهداف والمصالح العسكرية والاقتصادية الأمريكية فيها، ما قد يؤدى الى نشر الفوضى وزعزعة استقرار الأنظمة الحاكمة بمنطقة الخليج والجزيرة العربية.. واشنطن ترى في ذلك عقابا للسعودية ودول الخليج على التزامهم موقفا محايدا – أقرب الى موسكو- في الحرب الأوكرانية، كما ان تتوقع قيام إيران بتوجيه ضربات مؤثرة للبنية العسكرية والاقتصادية في الخليج، ما قد يدفع دوله للعودة الى كنف الحماية الغربية من جديد، بل والأهم، هرولتهم طالبين الحماية العسكرية من إسرائيل.

إسرائيل – في حالة اتخاذ قرار بضرب إيران- هي المرشح الوحيد لتنفيذ تلك الضربة، فالجيش الإسرائيلي يخوض منذ عشر سنوات حملة للحد من الوجود الإيراني في المنطقة، باستهداف كبار قيادات الحرس الثوري العاملين على الأراضي السورية، وقصف معسكراتهم ومشروعاتهم المشتركة مع حزب الله، وتلك المتعلقة بالصواريخ وأنظمة الدفاع المتطورة.. جهاز المخابرات الإسرائيلي «الموساد» يضطلع بدور بالغ الأهمية في الحرب ضد إيران، لا بتوفير المعلومات من مصادرها السرية بالداخل الإيراني فحسب، وانما بتنفيذ عمليات تخريبية اعتمادا على شبكة مهنية واسعة من مندوبي العمليات، وتسهيلات لوجستية كبيرة عبر الحدود الإيرانية المشتركة مع أذربيجان، فضلا عن تأمين الأهداف والجاليات اليهودية بالخارج ضد ما يمكن ان يتعرضوا له من أعمال انتقامية، سواء من جانب إيران او التنظيمات الحليفة لها بالمنطقة.

أفيف كوخافي رئيس الأركان الإسرائيلي المنتهية إدعى ان إيران تمتلك مواد مخصبة تكفي لإنتاج 4 قنابل نووية، وكشف عن سابق إعداد 3 خطط لضرب إيران خلال عام 2022، بهدف تدمير المنشآت النووية الداعمة للمشروع النووي الإيراني، وأشار إلى أنه «إذا تطلب الأمر دخول معركة كبيرة، فسوف يتم إضافة مواقع عسكرية، وأصول إضافية إلى قائمة الأهداف».. وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بيني جانتس، أكد ان «بلاده حسّنت استعدادها لمهاجمة إيران»، وانها «من الممكن أن تشن هجوماً على مواقع نووية إيرانية في غضون عامين أو ثلاثة»!! وتلك مبالغة زمنية تستهدف الخديعة وتوفير عنصر المفاجأة.. رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي «تساحي هغبي»، صرح بأنه «من المتوقع أن يهاجم نتنياهو إيران خلال فترة ولايته الجديدة« وخلال حفل تعيين «هرتسي هاليفي» رئيسا لأركان الجيش الإسرائيلي حذر «بنيامين نتنياهو» رئيس الوزراء في رسالة مباشرة إلى إيران «لن ننتظر سيفاً حاداً على رقابنا».

الهجوم على إيران تم دراسته تفصيلا داخل المؤسسات الأمنية الإسرائيلية؛ «كوخافي» كشف ان إسرائيل تتحسب لاحتمالات تدخل «حزب الله» في المعركة، لذلك تم إعداد خطة هجومية ضد لبنان، تتضمن ضرب البنية التحتية، وإعادته الى «50 عاماً إلى الوراء»، ولذلك فإن الهجوم على إيران ليس عملاً خاصاً بسلاح الجو الإسرائيلي ووكالات الاستخبارات فقط، وانما ستشارك فيه التشكيلات البرية للجيش النظامي وقوة الاحتياط سواء في حربها ضد حزب الله ولبنان، أو في مواجهة الاضطرابات التي قد تقع بالضفة الغربية.. بعض الخبراء يشكك في أن إسرائيل تمتلك القوة العسكرية اللازمة لإلحاق أضرار دائمة بالأهداف الإيرانية البعيدة والمتفرقة في أماكن مختلفة، والتي تتمتع بحماية جيدة، لكن التجارب تؤكد ان خطوات إسرائيل عادة ما تكون محسوبة جيداً.

بصورة مفاجئة، تعرضت عدة مدن إيرانية، ليلة 29 يناير 2023، لهجمات بطائرات مسيرة انتحارية مجهولة!! ضربت مصانع حربية وقواعد عسكرية ومستودعات للجيش.. الهجوم – حتى وان كان قد تم من خلال الشبكات الإسرائيلية المتعاونة بالداخل- يمثل محاولة اختبار ميداني لكفاءة الدفاعات الجوية الإيرانية، وتحديد مسارات الأمان بين شبكات الدفاع الجوي الإيرانية، بهدف تحقيق اختراقات عميقة لتنفيذ عملية تستهدف البنية التحتية العسكرية، خاصة ما يتعلق بالبحوث النووية، والصواريخ وطائرات الدرونز، وذلك في حالة استمرار المعوقات أمام توقيع الاتفاق النووي الإيراني، وبالتالي استمرار إيران في العمل على تصنيع السلاح النووي.

الهجومين الإسرائيليين الأوليين وقعا أثناء وجود وليام بيرنز رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) في إسرائيل، فيما جرى الهجوم الثالث قبيل وصول وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى إسرائيل، كما وقعوا في أعقاب انتهاء مناورة عسكرية جوية كبيرة مشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة، ويؤشر ذلك الى وجود تنسيق بين واشنطن وتل أبيب، يستهدف تحجيم الدور العسكري الإيراني سواء في المنطقة أو فيما يتعلق بدعمها العسكري لروسيا في الحرب الأوكرانية.

صحيفة «وول ستريت جورنال» نقلت عن مسؤولين أمريكيين مطلعين، بأن إسرائيل كانت وراء هجوم المسيّرات، احدى الطائرات الثلاث تم اصابتها واسقاطها، كما فقدت إحدى المسيرات ارتباطها بأنظمة تحديد المواقع، نتيجة التشويش الإلكتروني الذي تعرضت له أثناء المواجهة، ما تسبب بسقوطها على سطح أحد المستودعات الصناعية، بينما نجحت الثالثة في تفجير مستودعا للذخيرة، تابعا لوزارة الدفاع في مدينة أصفهان.. المتحدث باسم البنتاغون «باتريك رايدر» سارع بنفي ضلوع الولايات المتحدة في هجوم المسيّرات على مدينة أصفهان.

صحيفة «هآرتس» نشرت مقالا للكاتب الإسرائيلي أموس هاريل، أكد فيه ان إسرائيل صعدت هجماتها ضد إيران، بقصفها مصنع أسلحة قرب مدينة أصفهان، وقافلتا شاحنات عند الحدود العراقية السورية، وأشار الكاتب الى أن هذه العمليات ضمن سياسة بدأتها إسرائيل بثلاثة هجمات بطائرات مسيرة انتحارية ضد أهداف داخل إيران في يونيو 2021، كما انفجرت احدى المسيرات الانتحارية من طراز «كوادكوبتر» فوق أحد منشآت صنع أجهزة الطرد المركزي في كراج قرب طهران، أعقبها منذ عام انفجار ست مسيرات من نفس الطراز بمدينة كرمنشاه، حيث منشأة التخزين الأساسية للمسيرات العسكرية الإيرانية، وفي مايو 2022 استهدفت المسيرات الإسرائيلية منشأة خاصة بتطوير التكنولوجيات الخاصة بالصواريخ والأبحاث النووية والمسيرات.. اذن خطة الهجوم الإسرائيلية يتم الاعداد الميداني لها بكل دقة من خلال الشبكات المتعاونة داخل إيران.

ويؤكد ذلك ما سبق ان توقعناه من أن واشنطن حريصة على استهداف إيران، واثارة الفوضى في دول المنطقة، لاستعادة نفوذها، لكنها لن تكون طرفا مباشرا في تلك المواجهة، وانما ستقدم دعما فني ولوجيستي لإسرائيل لتنفيذ الهجوم، لأنها حريصة على استنزاف خصومها «إيران»، وحلفاءها من دول الخليج والجزيرة العربية، لتعيد الجميع الى كنفها من جديد، وتظل متربعة على عرش النظام الدولي وحدها، دون تورط يستنزف قدراتها الاقتصادية والعسكرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى