fbpx
تقاريرسلايدرشؤون عسكرية

مجموعة 73 مؤرخين : أسباب طفرة التسليح المصرية

وحدةُ الدراسات العسكرية والأمنية للمجموعة 73 مؤرخين

اعتمدت القوات المسلحة المصرية بعد حرب أكتوبر 1973 على مستوى تسليحي معين فرضته علينا عوامل محددة..
أول تلك العوامل أنَّ الدولة المصرية كانت مُنهَكةً اقتصاديًا بعد أربع حروب متتالية أضِف إلى ذلك وجود خلاف حاد ومقاطعة رسمية مع الحليف السابق – الاتحاد السوفيتي – الذي كانت معداته هي العمود الفقري للقوات المسلحة المصرية.
والعامل الثاني و هو الأهم هو انخفاض حجم الصراع المحيط بعد اتفاقية كامب دايفيد وعدم ظهور أي تهديدات تتطلب مستوى استنفارٍ عالٍ ومستمرٍ كالذي يواكب الحروب .
فحتى قبل توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية في مارس عام 1979 برعايةٍ أمريكية، انتقل التسليح المصري إلى الجانب الأمريكي، مع الوضع في الاعتبار نسب التنوع مِن مصادر أخرى مِن فرنسا وبريطانيا والصين حتى لا تقع القوات المسلحة المصرية في نفس الخطأ السابق وهو الحليف الأوحد، فإنه بالإضافة إلى التسهيلات التي قُدِّمَت مِن الولايات المتحدة لمصر لبناء جيش حديث مِن رحم خبرات حروب سابقة، أصبح لمصرالحق في الحصول على تسليح مِن المخزون الأمريكي بالإضافة إلى إنشاء مصانع محلية تقلل مِن تكلفة شراء بعض مِن تلك المعدات، ومع تقادم المعدات السوفيتية – وهي النسبة الأكبر مِن تسليح الجيش المصري خلال الفترة – ووجود حظرٍ سوفيتي على شراء قطع الغيار أدى إلى لجوء القوات المسلحة المصرية إلى تعويض بعضٍ مِن تلك المعدات بما هو متاح مِن الصناعات الأمريكية أو مِن فائض مخزونها Second-Hand للاستفادة مِن تسهيلات السداد والمنح التى تفرضها اتفاقية السلام بما في ذلك معونة عسكرية لا ترد .
وظل الوضع هكذا حتى جاءت أحداث “الربيع” العربي في 2011 وظهور تهديدات في أنحاء المنطقة العربية منها ما يتعلق بالإرهاب وانتشاره على مساحة المنطقة، ومنها ما يتعلق باختلال ميزان القوى بالشرق الأوسط  لصالح العديد مِن القوى المؤثرة بالمنطقة وخارجها والتي تعمل لفرض رؤيتها الخاصة والجديدة لما بعد 2011 و تصب جميعها في غير صالح الدولة المصرية على كافة المستويات المختلفة، بالإضافة لانهيار تحالفاتٍ مصريةٍ قديمة وظهور تحالفاتٍ جديدة، وضبابية مواقف حلفاء آخرين مقربين لمصر، مع فتح جبهات تهديد جديدة لَمْ تكن موجودة مِن قَبل – الحدود الغربية – الإرهاب في سيناء، وعدم وجود حلفاء حقيقيين بالمنطقة يمتلكون الرؤية والقدرة على ضبط الوضع مرة أخرى .
كل ما سبق فَرَضَ على القوات المسلحة المصرية أن تجدد فكرها ورؤيتها لكل التحديات الجديدة التي أصبحت أمرًا واقعًا يتطلب تعاملاً مختلفًا كليًا عما كان عليه الوضع في ال30 عامًا السابقة، والأخطر مِن ذلك هو ضيق الوقت المتاح للاستعداد والتجهيز على كافة المستويات .
فقد فرضت التحديات الجديدة على القوات المسلحة متطلبات عملياتية غير مسبوقة، إذْ أنها تشتتت ما بين عمليات إرهابية داخلية – بشمال سيناء وبين العمل ضد تهديد أصبح ذو ثقل أكبر – إسرائيل – بعد انهيار جبهة سوريا عسكريًا كحليف عربي مباشر ضد إسرائيل- وبين مواقف عملياتية تحتم الاستعداد لتهديدات وجودية كمشكلة سد النهضة التي لا يُستَبعَدُ العمل العسكري عن أحد بدائلها، بالإضافة إلى تهديدٍ إيراني متصاعد وبشكل متزن وثابت ضد دول الخليج العربي وتهديدها لأحد ركائز الأمن القومي المصري، بجانب مراقبة الجيش المصري اللصيقة لمجريات الاحداث على الأرض في ليبيا والاستعداد للتدخل في أي لحظة.
كل تلك التهديدات المختلفة في الشكل والحجم وبالتالي في نوعيات المعدات التي تتطلب إمكانيات مختلفة للتعامل معها فرضت على القوات المسلحة المصرية أنْ تضع معايير خاصة للتسليح الذي سينضم إلى منظومتها القتالية، وبالتالي أصبحت الطلبات المصرية لا تعتمد على ما هو متاح بالأسواق والدول التي تعرض منتجها العسكري للسوق، ولكنها أصبحت تضع شروطًا ومواصفاتٍ خاصة جدًا لكي تقبل بانضمامها لأيٍ مِن أفرُعِها القتالية .
فقبل 2011 كانت الولايات المتحدة تفرض قيودًا على تصدير نوعياتٍ معينة مِن السلاح بحجه أنها أسلحة هجومية، وفي نفس الوقت تقوم بتصديرها لإسرائيل – مثال صواريخ جَو- جَو الامرام – متوسطة المدى والتي طلبتها مصر كثيرًا وتم رفضها .
فلم يعد حاليًا مِن المقبول أنْ تكتفي القوات المسلحة المصرية بما يتاح لها باقتنائه، – كمثال – مصر في حاجة إلى إحلال أعداد مِن المقاتلات بطائرات أكثر تقدمًا.. لَمْ يكن التطلع قبل 2011 أبعد مِن البديل الأمريكي F-16 بلوك 52 الذي تأخر تسليم أعداد منه نتيجة ضغوط سياسية عديدة، لكن أصبح اتجاه التسلح الآن أكثر حرية واتساعًا حيث تم التعاقد على مقاتلات Rafale الفرنسية والـMig-29 والسوخوي الروسية التي تضاعف مِن قدرات القوات الجوية المصرية بشكل كبير، إلى جانب الطفرة التسليحية في مجال الدفاع الجوي بدخول منظومات S-300 والبوك والتور إم و IRIS إلى الخدمة لتعزيز قدرات مصر الدفاعية ضد الصواريخ الجوالة والصواريخ بعيدة المدى .
بجانب التحول الملفت للنظر والهائل في المجال البحري، حيث ظفرت القوات البحرية بعدة صفقات هجومية مِن الطراز الأول باقتناء حاملتي مروحيات الميسترال – جمال عبد الناصر – أنور السادات – والفرقاطة الأولى مِن طراز فريم الفرنسية والبرجاميني الإيطالية والتعاقد على الـ ميكو الألمانية، وتصنيع فرقاطات جويند الفرنسية بالترسانة البحرية بالإسكندرية وهي فرقاطات متقدمة تعمل لدى دول الناتو، بجانب غواصات الدولفين الألمانية.
كل تلك الخطوات جعلت سقف متطلبات القوات المسلحة المصرية في مستوى غير مسبوق، ولكن إذا لَمْ تُلبي معروضات الأسواق طموح القوات المسلحة في المستوى يصبح السعي إلى طلب نسخ خاصة .
إذ ظهر ذلك جليًا في صفقة كورفيتات الصواريخ Ambassador الأربعة التي طُرِحَت لها مناقصة عالمية على الشركات المصنعه لكي تنفذ لها تلك المواصفات الخاصة التي جمعت ما بين رادرات فرنسية وهولندية ومنظومات دفاع جوي أمريكية ومحركات ألمانية ومدفع إيطالي ونظم إدارة نيران هولندية وصواريخ مضادة للسفن أمريكية، كل هذا التنوع على سطح قطعة بحرية واحدة، حيث الاستفادة مِن مميزات كل المنظومات المختلفة والمتنوعة، ومؤخرًا اتضحت تلك البصمة على صفقة مقاتلات ال Mig-29 المعدلة خصيصًا لصالح القوات الجوية المصرية لكي تفي بالمهام المتقدمة التي ستوكل إليها حيث أضيفت معدات حديثة إليها لَمْ توضع على النسخ الروسية ذاتها مِن نفس النوع.
كل ما سبق ما هو إلا ناتج طبيعي للظروف التي أحيطَت بها الدولة المصرية والتي لَمْ يعد مِن الرفاهية النظر إليها والتفكير ببطء بحلول مسكنة، ولكنها فرضت واقع التعامل الجذري والعاجل لسد كل تلك التحديات التي ظهرت متسارعة وواسعة الانتشار بشكل مخيف، ولكي ندرك بشكلٍ صحيح النقطة التي نقف عليها الآن، فيجب أنْ نَعِيَ أنَّ كل ما تَمَّ خلال العامين الماضيين مِن طفرة للقوات المسلحة المصرية لا يعدو إلا أنْ يكون خطوةً عاجلة سيتبعها خطوات مضاعفة خلال الفترة القليلة المُقبلة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى