
إعداد: رحمه حمدى
في عام 2015، أجرت مايكروسوفت دراسةً مُفاجِئةً خلُصت إلى أنَّ متوسط تركيز الإنسان انخفض من 12 ثانيةً*في عام 2000 إلى 8 ثوانٍ فقط (أي أقل من سمكة الزينة التي تبلغ 9 ثوانٍ). هذه النتيجة لم تكن صادمةً فحسب، بل كشفت عن تحوُّل جذري في طريقة عمل أدمغتنا بسبب التكنولوجيا. فكيف يحدث ذلك علميًا؟ وما الأدوات التي تملكها لاستعادة تركيزك؟
التشتت يُعيد تشكيل دماغك! (الأدلة العلمية)
أظهرت دراسة نُشرت في دورية “Nature Communications” أنَّ الاستخدام المفرط لتعدد المهام الرقمية (مثل التبديل بين البريد الإلكتروني ووسائل التواصل) يُقلّص حجم المادة الرمادية في منطقة القشرة الحزامية الأمامية المسؤولة عن التركيز واتخاذ القرارات.
إدمان الدوبامين: كلَّما تحققت من إشعار جديد، يُفرز دماغك دوبامين (هرمون المكافأة)، مما يخلق حلقةً مفرغةً تشبه الإدمان. دراسة من جامعة تكساس وجدت أنَّ مجرد وجود هاتفك على الطاولة (حتى لو كان مغلقًا) يُقلل من أدائك في المهام بنسبة 20٪
أمثلة واقعية: كيف تستغل الشركات هذا الفخ؟
“مثلث الشيطان” في اليوتيوب:
الخوارزمية تُعرض لك فيديو تلو الآخر بلا توقف، باستخدام ما يُسمى “Autoplay”. تجربة أجرتها جامعة بنسلفانيا أثبتت أنَّ 60٪ من المشاهدين يستمرون في المشاهدة حتى لو لم يعجبهم المحتوى، فقط لأنَّ النظام يُغريهم بعنوان الفيديو التالي!
عندما تُقدِّم لك “نتفليكس” أو “تيك توك” محتوى في 15 ثانيةً، فهذا ليس عبثًا. البحث يُظهر أنَّ الدماغ يُفضل المكافآت السريعة حتى لو كانت بلا قيمة (دراسة في Journal of Neuroscience).
عواقب التشتت: أكثر من مجرد “ضياع وقت”
تبديد الإرادة:
العالم روي باوميستر صاغ مصطلح “نضوب الأنا”، موضحًا أنَّ اتخاذ قرارات صغيرة متكررة (مثل: “هل أفتح الإنستغرام الآن؟”) يستنزف طاقتك العقلية ويُقلل قدرتك على اتخاذ قرارات مهمة لاحقًا.
“الذاكرة العاملة” تضعف:
وفقًا لبحث في MIT، فإنَّ تعدد المهام يُقلل كفاءة الذاكرة العاملة (Working Memory) بنسبة 40٪، مما يُفسر لماذا تنسى أحيانًا ما كنتَ تريد فعله بمجرد فتح هاتفك!
حلول مدعومة علميًا
قاعدة الـ 20 ثانية:
العالم شون آكور يشرح في كتابه “The Happiness Advantage” أنَّ جعل العادات السيئة أصعب بـ 20 ثانيةً (مثل وضع الهاتف في غرفة أخرى) يُقلل استخدامها بنسبة 75٪.
“الضوء الأزرق” ليس العدو الوحيد:
الأبحاث تُظهر أنَّ المشكلة الحقيقية في الشاشات ليست فقط الضوء الأزرق، بل التفاعل السلبي (Passive Consumption).
الحل؟ حوِّل استخدامك إلى “تفاعل إيجابي” (مشاهدة فيديو لتعلم مهارة ثم تطبيقها فورًا).
التنظيف الرقمي:
– تعطيل الإشعارات غير الضرورية.
– استخدام تطبيقات مثل Freedom أو Forest لحظر المواقع المشتتة.
– تقنية “بومودورو”، العمل لمدة ٢٥ دقيقة بتركيز كامل، ثم استراحة ٥ دقائق.
– تحديد “أوقات مقدسة”: فترات زمنية مخصصة للعمل العميق دون مقاطعات.
– إعادة تدريب العقل: عبر تمارين التأمل أو القراءة المتعمقة لتحسين القدرة على التركيز.
فخ التشتت ليس حتميًا، لكن مواجهته تتطلب وعيًا ذاتيًا وخطوات عملية. كما قال الكاتب كال نيوبورت: “ما يُقَاسُ ليس عدد الساعات التي تعملها، بل عدد الساعات التي تعمل فيها بتركيز عميق”. فهل أنت مستعد لاستعادة عقلك من سارقي الانتباه؟ التكنولوجيا ليست شرًا.. لكنها أداة
كما قال عالم الأعصاب دانيال ليفيتين: “كلَّما زادت سرعة المعلومات، زادت المُتعة السطحية، لكنَّ المعرفة العميقة تتطلَّب بطءً مُتعمَّدًا”. الانتباه هو آخر الموارد البشرية الحقيقية فهل أنت مستعد لاستثماره فيما يستحق؟