fbpx
مقالات

إبراهيم الصياد يكتب: “الجميلة”.. ووحش العولمة

عندما وصُفت اللغة العربية بالجميلة ليس فقط لأنها لغة القرآن الكريم إنما لأنها واحدة من أقدم اللغات على ظهر البسيطة وأكثرها تنوعا وتآلفا مع مرور الزمن . ورغم ذلك تواجه اللغة العربية في زماننا هذا تحديات تتمثل في المتغيرات التي فرضتها العولمة بمعناها السلبي وليس الإيجابي ما أدى إلى خلق تأثيرات مدمره على المتعاملين بلغة الضاد.

كلنا يعلم أن اللغة أقدم وسيلة اتصال عرفها البشر ولكنها ليست هكذا فقط بل هي تعبير عن هُوية المجتمعات المرتبطة بفكرة وجود الوطن.

اللغة والحضارة:
وإذا تعمقنا أكثر نجدها هي فكر المجتمع كما يقول استاذنا الدكتور حافظ شمس الدين عضو مجمع اللغة العربية ورئيس جمعية حماة اللغة العربية ( إن اللغة ترجمة للصورة القومية في ذهنية الآخر) .

إذن اللغة حضارة وفكر ورقي وعليه اذا تعرضت اللغة لمؤثرات خارجية مثل العولمه يجب أن نتوقف ونراجع انفسنا حيث يصبح موروثنا الحضاري في مهب الريح فقد غابت حضارات عندما اندثرت لغات مجتمعاتها !

اللغة والعولمة:

إن علاقة اللغة العربية بما يسمى الحداثة Modernization أو كما يقول البعض العولمة globalization من وجهة نظري يعتبر أمرا جد خطير ، وأنا أقصد أن مفهوم العولمة هو تحول العالم على اتساعه الجغرافي إلى قرية إلكترونية صغيرة من خلال فضاءات افتراضية قربت المسافات وألغت الحدود واذابت المشاعر القومية وخلقت ما يمكن تسميته (المواطن العالمي) أي غير المنتمي إلا لتلك القرية المشار إليها وبقدر الإيجابيات التي حققتها العولمة على مستوى الاتصال الاجتماعي بين ساكني كوكب الأرض إلا أنها طبعت كما أسلفنا بصمة متوحشة مدمره على الفكر الإنساني بإضعاف الروابط القومية والوطنية خاصة لدى الأجيال الجديدة من الشباب الذي اندمج في تيار العولمة نقول بقليل من إيجابيات ولكن بكل سلبياته واهم هذه الروابط لغة المجتمع.

أسباب تراجع لغة الضاد:

في ظل التطورات السلبية التي أشرنا إليها وجدنا أنه لم يعد هناك تمسك باللغة العربية واختلطت العامية الدارجة بالفصحى وضعف تعلم اللغة في التعليم العام وأتذكر عندما كنت أقوم بتدريس مادة الكتابة للإذاعة والتليفزيون في كلية الاعلام في إحدى الجامعات الخاصة كنت أتعجب عند تصحيح أوراق الامتحان لطلاب جامعيين يجهلون الكتابة باللغة العربية ويقعون في أخطاء الهجاء والاملاء بشكل مؤسف.

والواقع أن اللغة العربية لم تندثر، ولكنها اندحرت أي تعرضت لعوامل أدت إلى تراجع الاهتمام بها ومثال ذلك استبدال العربية بالإنجليزية على واجهات المحال التجارية ، فبعد أن كان تستخدم اللغتان على واجهتها، أصبحت الآن تستخدم لغة واحدة وهي الإنجليزية ليس هذا فقط إنما أصبحت الإنجليزية وغيرها من اللغات الأجنبية وسيلة تعبير واتصال بين ناطقي العربية.

ويرجع السبب في كل ذلك إلى عوار منظومة التعليم وانتشار ما يسمى المدارس الدولية التي تخرج أجيالا تجيد اللغات الأجنبية وتجهل القراءة أو الكتابة بلغتهم الام.

الإعلام واللغة العربية:

ولما لا وقد صورت الدراما مدرس اللغة العربية على عكس الحقيقة وطبعت له في الاذهان صورا ساخرة.

ونشير هنا إلى أن طلاب كليات التربية وغيرها كانوا يمنحون مكافآت لكي يتخصصوا في اللغة العربية بعد العزوف عن تدريسها.

ولم تكن الدراما فقط هي وسيلة الاعتداء الوحيدة على لغتنا الجميلة إنما البرامج ونشرات الأخبار والتعليقات الصوتية المليئة بالأخطاء اللغوية في وسائل الإعلام خاصة القنوات الخاصة، حدث ولا حرج عن الانتهاكات اللغوية اليومية ومن النوادر بالصدفة تابعت برنامجا على قناة فضائية ناطقة بالعربية غالبا تبيع الوقت لمن يشتريه اسم البرنامج مكتوب باللغة الإنجليزية ( Healthy life) ماذا سيضير منتجوه لو سموه (حياة صحية ).

وكثير من جهات العمل تشترط أن يكون الخريج من إحدى الجامعات الأجنبية التي انتشرت في مصر.

ومن البدع طريقة كتابة الفرانكو آراب التي تكتب العربية بحروف لاتينية وهذه البدعة منتشرة بين الشباب في مواقع الإعلام الاجتماعي.

دعوة لإنقاذ الجميلة

أصبح من الضروري أن يتحرك قادة الرأي والفكر في المجتمع لإنقاذ لغة القرآن مع مساندة جادة من الدولة ومنظمات المجتمع المدني والازهر والجامعات وبتفعيل دور مجمع اللغة العربية في منحة آليات جديده لحماية لغتنا الجميلة وإعادة تقاليد مهمه مثل اختبارات المذيعين ومقدمي البرامج بشكل حقيقي في الوسائط السمعية والبصرية.

ودعوة صانعي الدراما إلى نسيان صورة ( الأستاذ حمام ) كمدرس للغة العربية وعدم استنساخه من جديد
في الأعمال الدرامية.

ورغم تأثير تحديات العولمة السلبية على لغتنا العربية علينا أن نستفيد من جوانبها الإيجابية وإعادة البعثات العلمية من جديد إلى الخارج في التخصصات كافة، وتشجيع الأطفال منذ الصغر على استخدام ( لغتهم الأم ) وليست (لغة الأم ) التي قد تكون غير العربية.

خلاصة القول..

لا مانع من تعلم اللغات الأجنبية بل هو ضرورة في خطابنا إلى الآخر، ولاحظوا أنني استخدمتها للتعريف بمفاهيم مذكورة في هذا المقال لكن في الوقت نفسه واجب وطني أن نحافظ على لغتنا الجميلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى