
اعداد: بسنت عماد
تشهد قارة أفريقيا تغيرات جيولوجية ضخمة قد تعيد تشكيل خريطة العالم كما نعرفها اليوم
فعلى مدار ملايين السنين القادمة، قد تنقسم ثاني أكبر قارات العالم إلى جزئين منفصلين، لتنشأ بينهما مياه محيط جديد في ظاهرة تشبه مشاهد الخيال العلمي، لكنها حقيقية ومدعومة بأحدث الأبحاث.
الفالق العظيم الذي يشق أفريقيا
بحسب تقرير نشرته صحيفة “ديلي ميل’ البريطانية، كشف فريق من العلماء أن هناك فالقًا أرضيًا ضخمًا يمتد من الشمال الشرقي للقارة نحو الجنوب، ويشق الأرض بمعدل بطيء يتراوح بين خمسة إلى 16 ملم سنويًا.
وعلى الرغم من أن هذه الحركة بطيئة جدًا بالنسبة لعمر الإنسان، إلا أنها كافية على مدى ملايين السنين لفصل القارة إلى كتلتين يابستين مستقلتين.

وفي دراسة جديدة، جمع فريق الباحثين أكثر من 130 عينة من الصخور البركانية من منطقة عفار بإثيوبيا، وهي منطقة فريدة حيث تلتقي ثلاث صفائح تكتونية كبرى: الصدع الإثيوبي الرئيسي، وصدع البحر الأحمر، وصدع خليج عدن، وجميعها تتباعد عن بعضها البعض تدريجيًا.
وشاح الأرض.. قلب نابض تحت أفريقيا
باستخدام هذه العينات والنمذجة الإحصائية المتقدمة، درس العلماء بنية قشرة الأرض والوشاح أسفلها.
ويُعد الوشاح، وهو أكبر طبقات الكوكب، صخرًا صلبًا لكنه يتصرف كسائل لزج على مدى زمني طويل.
وأكدت الدكتورة إيما واتس، الباحثة الرئيسية في الدراسة، أن الوشاح تحت منطقة عفار “ليس متجانسًا أو ثابتًا، بل نابض”.
هذه النبضات الصاعدة من الصخور المنصهرة تضعف القشرة الأرضية فوقها، مما يعزز عملية التمزق البطيئة.

منطقة التصدع.. مهد لمحيط جديد
يتوقع العلماء أن يبدأ الانفصال التدريجي من منطقة خليج عدن، وهو مسطح مائي يفصل بين أفريقيا واليمن، ثم يمتد جنوبًا بمرور الوقت.
وبحلول وقت اكتمال الانقسام ، بعد نحو خمسة إلى عشرة ملايين سنة، ستتشكل كتلتان أرضيتان: الكتلة الغربية الأكبر بمساحة تزيد على 10 ملايين ميل مربع، تضم معظم دول أفريقيا الحالية مثل مصر والجزائر ونيجيريا وغانا.
أما الكتلة الشرقية الأصغر فستشمل الصومال وكينيا وتنزانيا وموزمبيق وجزءًا كبيرًا من إثيوبيا، بمساحة تقارب مليون ميل مربع.
هل سيؤثر هذا الانقسام على نهر النيل؟
يثير هذا الانقسام تساؤلات حول مستقبل نهر النيل، شريان الحياة لمصر والسودان.
إلا أن الدراسات تؤكد أن النشاط الجيولوجي في إثيوبيا لا يشكل تهديدًا مباشرًا للنهر؛ لأن مصدره الرئيسي “بحيرة تانا” يقع بعيدًا عن خطوط التمزق الكبرى.
ومن المثير أن نفس القوى البركانية التي تمزق القارة اليوم هي التي أسهمت قبل ملايين السنين في رفع الهضبة الإثيوبية، لتشكل “برجًا مائيًا” طبيعيًا يستقبل الأمطار الموسمية ويغذي النيل.

ماذا لو انفصلت أفريقيا فعلًا؟
إذا اكتمل هذا الانقسام، سيولد محيط جديد يفصل الكتلتين، ما سيغير مسارات الملاحة والتجارة، ويعيد رسم الحدود الطبيعية والاقتصادية، بل وقد يخلق موارد طبيعية جديدة على جانبي الفالق.
ورغم أن هذا التحول لن يحدث إلا خلال ملايين السنين، فإن متابعة مثل هذه الظواهر تقدم للبشرية فهمًا عميقًا لديناميكيات الأرض وأسرار نشأتها المستمرة.
في النهاية، تظل أسرار الأرض تذكرنا دومًا أن كوكبنا ليس مجرد مساحات وحدود وثروات، بل كيان حي نابض يتشكل ويتغير منذ ملايين السنين.
وبينما نترقب ما قد تحمله لنا ملايين السنين القادمة من انقسامات وتحوّلات، يبقى الأهم أن نفهم هذه الظواهر ونتعامل معها بوعيٍ علميّ، يحفظ التوازن بين الإنسان والطبيعة. فكل صدع أو فالق أو محيط جديد، هو رسالة من باطن الأرض بأن المستقبل يصنعه العلم والمعرفة قبل أن ترسمه الخرائط.