سلايدرمقالات

نيفين أبو حمدة تكتب: مناورات نتنياهو السياسية الداخلية وحلم إسرائيل الكبرى

تواصل إسرائيل انتهاك كل المبادئ والقيم وحقوق الإنسان، وتتخذ حكومتها المصغرة قرارًا بـــــ(السيطرة) على قطاع غزة، وتحرص إعلاميًا على إضفاء صفة الشرعية على القرار، وتستخدم لفظ “السيطرة” ليحل محل الاحتلال لمعناه المفهوم حيث الأول إجراء طارئ ومؤقت وعاجل، بينما الثاني مثقل بالالتزامات والإدانات القانونية.

وتؤكد على منح تحذيرات ومُهل للإخلاء زمنية وتوفير (مناطق إنسانية بديلة) للحفاظ على حياة المدنيين، اتساقًا مع القوانين الدولية، مع السماح بدخول صحافيين أجانب للقطاع، ما يُذكرنا بمعاني “ميشيل فوكو” حين لا تكفي القوة وحدها؛ فيعاد تدوير العبارات والمعاني واختلاق حقائق لتعزيز هذه القوة.

إسرائيل تتمدد وتتوسع حدوديًا بالفعل منذ السابع من أكتوبر

كشفت تقارير إسرائيلية أن الحكومة الإسرائيلية ماضية بالفعل فى عملية تمدد حدودي ووسعت حدودها بعد السابع من أكتوبر وضمت بالفعل أراضٍ في كل من غزة ولبنان وسوريا، وهو ما صرح به وزير الدفاع الإسرائيلي “يسرائيل كاتس” عندما قال: “على عكس الماضي، لا يُخلي الجيش الإسرائيلي المناطق التي تم تطهيرها والسيطرة عليها، لأنه سيبقى في المناطق الأمنية كحاجز بيننا وبين أعدائنا، سواء كان ذلك وضع مؤقت أو دائم، في قطاع غزة في لبنان وسوريا كذلك”.

وقد كشف تحليل صور الأقمار الصناعية والمقاطع المصورة الذي نشرته شبكة “إن بي سي نيوز” عن توسع إسرائيلي في شبكة التحصينات الخاصة بها خارج حدودها مع قطاع غزة ولبنان وسوريا؛ وذلك بهدف إنشاء مناطق عازلة ممتدة بينها وبين كل منهم، كما نقلت عن مسؤول إسرائيلي أن “العقيدة العسكرية الإسرائيلية الجديدة، التي تمت صياغتها بعد 7 أكتوبر 2023م، تعمل على منع أي فصيل مسلح مقاوم أو معارض لإسرائيل من التموضع وتشكيل مراكز قرب حدودها، كأحد أهدافها الرئيسة.

وأظهرت الصور أن هذه التوسعات قد جاءت كالآتي: تتوسع إسرائيل في انتشار القواعد العسكرية في قطاع غزة من خلال تخزين كميات هائلة من الإمدادات وبناء خيام وحشد المركبات العسكرية في مواقع استراتيجية؛ فتموضع حوالي 40 قاعدة عسكرية إسرائيلية نشطة داخل قطاع غزة (من دون مواقع توزيع المساعدات).

وانتشار عشرات القواعد الصغيرة تضم مواقع اتصالات ومستودعات إمداد، كما أنشأ الجيش الإسرائيلي ممرًا عسكريا بطول حوالي (15 كيلومتر) “ممر موراج”، وذلك للتحكم في المنطقة بين خان يونس ورفح جنوبي القطاع، ومن ثمّ أصبح نقطة خلاف رئيسة في مفاوضات وقف إطلاق النار منذ انتهاء الهدنة.

ورغم اتفاق وقف إطلاق النار في فبراير في لبنان، تحتفظ إسرائيل بخمسة مواقع على التلال اللبنانية، وتوسعت في عمق هذه المواقع رغم الاحتجاجات الدولية؛ فأزالت الأشجار وأقامت جدران حماية وسواتر ترابية تطل على وديان الجنوب اللبناني.

كما نفذ الجيش الإسرائيلي بعد سقوط نظام بشار الأسد ديسمبر 2024م، ضربات على مواقع عسكرية ودعم عسكريًا مناطق تجمعات الدروز، وأقامت إسرائيل 6 نقاط عسكرية في المنطقة العازلة التابعة للأمم المتحدة التي أُنشئت عقب حرب 1973م وعلى طول الحدود السورية.

كما أنشأت إسرائيل قاعدتين أو موقعين إضافيين في عمق الأراضي السورية، كما أظهرت صور الأقمار الاصطناعية تمركز قوات الجيش الإسرائيلي على قمة جبل الشيخ الذي يفصل بين سوريا ولبنان باعتباره أعلى نقطة على الساحل الشرقي البحر المتوسط.

ويطل على الجنوب اللبناني والعاصمة دمشق، وكذلك قيام وحدات عسكرية إسرائيلية بحفر خندق بطول حوالي 30 كيلومترا، ممتد عبر نصف هذه المنطقة في إطار ما يُعرف بـــــ”استراتيجية الشرق الأوسط الجديد”.

وضمن ما أكد عليه “يسرائيل كاتس” أن هذه إجراءات لضمان بقاء الجنوب السوري منزوع السلاح، مما يعزز أمن إسرائيل، رغم التحذيرات من أن ذلك يُعد انتهاكًا لسيادة دول الجوار ويزيد من التهديدات والمخاطر التي تؤدي لا محالة إلى اشتعال النزاعات.

خاصة وأن هذه القوات موجودة على هذه المواقع الحدودية دون تحديد موعد الانسحاب أو الرد على تساؤلات بشأن التناقض بين تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي والمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي عندما صرح بأن هذا الوجود- “مؤقتا”.

نتنياهو يعزف منفردًا على الجبهة الداخلية

بدا نتنياهو وكأنه قد حسم أمر احتلال قطاع غزة ، عندما صرح لقناة “فوكس نيوز” بأن إسرائيل تنوي السيطرة على كامل غزة، وفقًا لخطة تدريجية موضوعة بالفعل، تركز على المواقع التي يُعتقد أن العديد من الرهائن الإسرائيليين محتجزون بها.

وتعمد نتنياهو عدم تحديد موعد بدء العملية، لترك نافذة مفتوحة أمام جولة مفاوضات أخرى، وعقد صفقة تبادل رهائن ووقف إطلاق النار وربما إلغاء العملية برمتها.

غير عابئ برفض أعضاء حكومته ورغبتهم في تجاوز هذه الخطة، وتصعيد العمليات العسكرية بشكل عام، ولا بما أعلنه بعض المقربين من وزير المالية “سموتريتش”، من أن قرار السيطرة على القطاع غير مُجدي، ويعتبر تكرار لما حدث ولا يحمل أيًا من المعاني الأخلاقية أو حتى القيم الصهيونية، ولا بما قدمه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي “إيال زامير” من معارضة المؤسسة العسكرية بشكل قاطع لرغبة الحكومة ومخططاتها لإعادة احتلال القطاع، ولا بتحذير كبار جنرالات الجيش الإسرائيلي، من تعرض الرهائن والجنود الإسرائيليين للخطر جرّاء أي عملية عسكرية جديدة، ومن أن تصبح غزة شركًا، يُستنزف به الجيش الإسرائيلي المنهك بالفعل بعد عامين متواصلين من الحرب، إضافة إلى أنه يُزيد من شدة الأزمة الإنسانية في القطاع ويرسخ الصورة السيئة لإسرائيل عالميًا.

حيث تضع خطة السيطرة على غزة، كل من نتنياهو وإسرائيل في عزلة دولية غير مسبوقة، رغم إطلاق يده من قِبل الرئيس الأمريكي ترامب بشأن الحرب في غزة، إلا أن أزمة تجويع الفلسطينيين في القطاع والتي تزادا عمقًا كل يوم، تُنقص من كفة مشروعية دافع إسرائيل عن نفسها والتي اتُخذت مبررًا للحرب.

فأعلنت ألمانيا أنها ستعلق بعض صادراتها العسكرية إلى إسرائيل، وهي ثاني أهم حليف استراتيجي لها بعد الولايات المتحدة الأمريكية، ومهد ذلك الطريق أمام دول الاتحاد الأوروبي لمزيد من الإجراءات التي من شأنها تخفيض مستوى العلاقات.

ولا يختلف الرأي العام الإسرائيلي كثيرًا مع ما سبق من آراء إلا أنه ينطق بها على نطاق أوسع؛ حيث يؤيد غالبية الإسرائيليين وجوب التوصل لاتفاق وقف لإطلاق النار وإعادة الرهائن وإنهاء الحرب، بينما صانع القرار- “نتنياهو” منفصل تمامًا عن الرؤية العسكرية والإرادة الشعبية، ومدفوع برغبة عارمة في البقاء السياسي، حيث تمنحه هذه الخطة مزيدًا من الوقت للاختيار بين وقف إطلاق نار حقيقي ينقذ الرهائن أو تصعيد عسكري شامل يرضي اليمين المتطرف.

لذا يُمكن القول بأن هذا القرار وهذه الخطة ما هي إلا مناورة سياسية أخرى لنتنياهو لإطالة أمد الحرب تهدف إلى بقائه السياسي، المضمون الوحيد فيها هو استمرار المعاناة لسكان غزة والرهائن والجمهر الإسرائيلي على حد سواء، وليست خطة لها استراتيجية يمكن تحديد معالمها.

نتنياهو لا يعبأ بتداعيات احتلال قطاع غزة

بعد مرور ما يقرب من عامين على حرب غزة، اختفت وعود نتنياهو حول النصر المطلق والوشيك، وعودة الرهائن، وأدرجت وفق ما طالب به منسق شؤون الأسرى والمفقودين “جال هيرش” ضمن مهام جيش الدفاع الإسرائيلي، واستمرار نتنياهو في التهرّب من تحقيق أهداف شركائه اليمينيين المسيحانيين من إعادة الاستيطان في غزة والذي ستقوده “دانييلا فايس” عرابة الاستيطان المدني في القطاع.

ويدرك رئيس الأركان زامير ورئيسي مجلس الأمن القومي والموساد، التكاليف الباهظة لاحتلال القطاع والتي تتمثل في مقتل الرهائن والجنود والإرهاق النفسي والاقتصادي الذي سيُفرض على مئات الآلاف من المجندين والجمهور الإسرائيلي بشكل عام، وستستمر أزمة تهرب المتشددين دينيًا من الانضمام لصفوف الجيش، كما ستستمر مكانة إسرائيل في التراجع عالميًا وخاة في ظلّ ارتفاع الأصوات التي تُعلن أنها ستعترف بالدولة الفلسطينية.

ورغم ذلك صوّت مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي المُصغر على خطة توسع عسكري، للسيطرة على مدينة غزة، أو تطويقها، أو الاستيلاء عليها- وكلها ألفاظ تستخدمها وساءل الإعلام العبرية لغسلها من مضمونها وهو الاحتلال الذي ستدفع ثمنه إسرائيل، بعد احتلال حوالي 80% من القطاع بالفعل.

فما هي حسابات الالتزامات الثقيلة التي يفرضها ترك الرهائن للموت وفقد المزيد من جنود الجيش الإسرائيلي وتدهور الوضع نحو بشكل كامل في القطاع وجرائم الحرب التي تُجرم القادة الإسرائيليين وتنتظرهم.

وعلى المستوى المالي والبشري، أين ما يضمن الغذاء والصحة والمأوى للسكان في القطاع والرهائن والجنود، أو كما قال البروفيسور “إلياف ليفليتش” أن “نتنياهو لا يملك الموارد ولا الجنود اللازمين لاحتلال “طبيعي” لغزة بمعناه المعروف لدينا، وسيُجبر على إعادة بناء ما دمره على مدار ما يقرب من عامين، ولذلك صرح وزير المالية أنه سيخصص 3 مليارات شيكل إضافية إضافة إلى المبالغ التي أنفقت بالفعل في القطاع.

أي أن إعادة احتلال قطاع غزة يحمل في طياته تداعياتٌ بعيدة المدى على إسرائيل، تتمثل في الأثمان الدبلوماسية التي ستدفعها إسرائيل كتلك التي أفرزتها سيطرتها الطويلة على الضفة الغربية على المستوى الأمني والاقتصادي كما عرضنا، وعلى المستوى الأخلاقي في ظل السيطرة الإسرائيلية على حوالي مليوني فلسطيني التي تستلزم الشفافية الكاملة في التعامل معهم وفي جميع سياساتها وإجراءاتها هناك.

وأخيرًا..

كتب د. مايكل ملشتين المتخصص في الشأن الفلسطيني وشئون الشرق الأوسط: “أن أهداف الحكومة الإسرائيلية في (السيطرة) على قطاع غزة، تبدو مقبولة على الورق وكذلك تفكيك حماس، ونزع السلاح من المنطقة وفرض سيطرة أمنية إسرائيلية وإعلان سلطة حاكمة جديدة وتأمين إطلاق سراح الرهائن، ولكن يفصلنا ثقب أسود عن هذه القرارات الاستراتيجية دفعنا إليه نتنياهو، وهو يؤدي إلى تآكل الثقة في إسرائيل وقيادتها”..

يغض نتنياهو الطرف وهو مقدم على مناورته السياسية الداخلية، ويدفع بأن تتخذ حكومته قرارًا بالسيطرة على قطاع غزة، عن مناقشة أيًا من التداعيات الأخلاقية والاستراتيجية والسياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ويتناسى تجارب القادة الإسرائيليين السابقين مع غزة، التي وصفها بعضهم بــــ” وحل غزة”، ووصفها ليفي أشكول بأنها كعروس إشكالية تستعصى على أرض إسرائيل الكبرى، وأن قادة كبار مثل رابين وشارون وبن جوريون وأولمرت وحتى نتنياهو نفسه في عملية الجُرف الصامدة 2014م، قد اختاروا بالفعل بعد الكثير من المداولات الانسحاب منها وتجنب فكرة الاحتلال .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى