fbpx
أخبار محليةسلايدر

توجيهُ الرأي العام لتزييف الحقائق وصناعة رأي عام مُحدَّد

كتبت: نرمين قاسم
تدقيق: ياسر فتحي

استَرعت قصة الطفل المغربي “ريان” اهتمام الرأي العام العالمي مِن وكالات أنباءٍ وحكومات وأشخاص على اختلاف توجهاتهم على مدىٰ أيام، وتُعَد تلك الحادثة مثالًا واضحًا على كيفية توجيه الرأي العام باختلاف توجهاته، وكيفية التأثير عليه بالأساليب المعروفة والمدروسة لتوجيه الرأي العام.

توجيهُ الرأي العام مِن الأساليب التي تستخدمها الحكومات والسَّاسة والشركات وحتىٰ رجال الدين.. كُلٌ حسب متطلباتهِ وأهدافه، وحين نقول هُنا “توجيه الرأي العام” فهو قطعًا ليس توجيهًا بالشعارات، بل هو عِلمٌ له أُسُسٌ وقواعد.

في هذا المقالِ نتطرق لأساليب توجيه الرأي العام للوصول إلى الهدف المنشود وهو “ترويض السلوك الاجتماعي للشعوب”، والهدف منه ترويض السلوك الاجتماعي لمجموعةٍ مِن الناس وتطويعه، لصناعة رأيٍ عام محدد، تتبع خلاله هذه الفئة السلوك الذي رسمه وحدده مُوجِّهُ الرأي، مُستخدمًا مختلف الأساليب التي تم ابتداعها وابتكارها لتنفيذ المهمة المطلوبة، وبعد أنْ كانت أساليب توجيه الرأي العام تقتصر على كونها أداةً ووسيلة سياسية أو عسكرية تستخدم في زمن الحرب، أصبحت الآن تستخدم في أوقات السِّلْمِ أيضًا، واتخذت أبعادًا وأشكالاً أخرىٰ اقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها.

• أساليبُ توجيه الرأي العام

– التلاعُب بالعواطف
يُستخـدَم هذا الأسلوب لنشر أفكارٍ يصعب تقبلها مِن خلال الخطاب العادي المنطقي، مثل بَثِّ روح الاستعلاء أو الكراهية، والتعـصب أو التعاطف والشفقة لـدىٰ بعض الـشعوب أو المجموعات، عن طـريق تضـخيم الخطاب العاطفي عن تلك الفئة، بهدف بَثِّ العداوة والاحتقار أو كسب تعاطفٍ وشفقة تجاه شعوبٍ أخرىٰ أو أقلياتٍ أو مجموعات فكرية، وقد يتضمن ذلك إثارة الجماهير للإقدام على أعمالٍ عدوانية، أو العكس بكسبِ تعاطفٍ زائف،
كما حدث في قصة الطفل “ريان”، تم التلاعب بعاطفة ملياراتٍ مِن البشر لكسب تعاطف وتوجيه الرأي العام للتعاطف مع القضية، في نفس الوقت الذي نرىٰ فيه المئات مِن الأطفال الذين يعانون في أنحاءٍ مختلفة في نفس المنطقة العربية التي انتشرت منها قصة “ريان”، فقبل تلك الحادثة بأيامٍ قليلةٍ مَرَّ علينا حادث وفاة مجموعةٍ مِن الأطفال في مخيمات اللاجئين السوريين متجمدين مِن شدة البرد مرور الكرام، وكأنه حادثٌ يوميٌ عاديٌ جدًا، ولم تتحرك مشاعر مليارات البشر بالتعاطف معهم مثلما حدث مع “ريان”.

– الانحياز والفبركة والتضخيم
يقول مالكوم إكس “إذا لَم تكُن حذرًا، فستجعلك الصحف تكرهُ المظلومين وتحب الظالمين”
هذا الأسلوب يعتمد على الانحياز المُطلَق في كُل مايُذاع ضِد مجموعة أو طائفة أو شعبٍ ما، بالإضافة إلى تضخيم أي أخطاء تنتج منهم، وتجاهل أي أخبار إيجابية تخصهم، بجانب فبركة بعض الأخبار والأحداث، ويُستخدم هذا الأسلوب في الدعاية السلبية والإيجابية لتوجيه الشعوب لاتخاذ موقفٍ معين، أو لاختبار مواقف معينة أو لإضفاء الأهمية عليها رغم ضحالتها، أو الوقيعة بين شعوبٍ أو دول أو جماعات.
وبوجود عددٍ كبير مِن الأشخاص الذين يتحدثون عن نفس الموضوع بأساليب مختلفة، كلها في نفس الاتجاه، ستجد نفسك أسيرًا لتلك الفكرة وهذا التوجه دون مقاومة.

– الشفافية والمُصارحة
يعتمد هذا الأسلوب على وصول الحقائق الملموسة إلى أكبر عـددٍ ممكن مِن الناس، وهي أقوىٰ وأبقىٰ مِن الأكاذيب والمُبالغات والشائعات، ويرتكز هذا الأسلوب أيضًا على احترام عقلية المُتَلقي، ورفْع الوعي الجماهيري بالمشاكل والتحديات، عن طريق الشرح والمناقشة والإقناع ورفع الوعي السياسي للجماهير.
وقديمًا كان يسمىٰ هذا النوع “الإعـــلام”، لكن هذا اللفظ لَم يَعُد مُعبرًا بعدما اُستخدِم في نشر الأكاذيب والدعاية المُضللة أكثر مِن استخدامهِ في نشر الحقائق.
وتَستخدم هذا الأسلوب حاليًا الدولةُ المصريةُ في عرض المشروعات القومية الكُبرىٰ مثل “حياة كريمة” وكذلك استخدام مؤتمر الشباب كوسيلةٍ لنشر الحقائق بطريقةٍ مباشرة.

– صناعة التأييد مِن خلال الأغلبية الوهمية
هذا ما تسعىٰ إليه الكثير مِن وسائل الإعلام حول العالم، إذْ تحاول محاصرة الجماهير برأيٍ ما تجاهَ قضية وتكراره بألسنةٍ ووسائل مختلفة، وقد يصل الأمر لفبركة استطلاعات رأي، لِحَث الجماهير على اتخاذ نفس الرأي أو الموقف، لتوافق رأي الأغلبية المُصطنعة.
وهذا الأسلوب يتوافق أيضًا مع نظرية “دوامة الصمت” التي أسستها الباحثة الألمانية “إليزابيث نيومان” عام 1974م، والتي تضيف أنَّ الأشخاص المعارضون لاتجاه وسائل الإعلام، يتخذون موقف الصمت تجنبًا للاضطهاد والخوف مِن العُزلة الاجتماعية، مما يزيد مِن حالة التأييد الوهمي.
أجرىٰ “سوليمان آش” الطبيب النفسي ورائد علم النفس الاجتماعي، تجربةً لدراسة مدىٰ تأثر الشخص بغيره حتى لو كان الاختيار واضحًا وكان الشخص معتقدًا بصحة اختياره، وكشفت الدراسة أنها في حالة انعدام تأثير الآخرين على الخاضعين للتجربة، تمكَّن الجميع مِن اختيار الإجابة الصحيحة بنسبة 100% تقريبًا، ونحو ثلث الناس يختار رأي الأغلبية ولو كان على خطأ، رغبةً منهم في التوافق مع الآخرين، وخوفًا مِن الاختلاف عن رأي الأغلبية إذا شعروا أنَّ هذا رأي الأغلبية بالفعل.

– تحويل انتباه الرأي العام
يعتمد هذا الأسلوب على إثارة قضية أو شائعة أو فضيحة؛ لتحويل انتباه الجماهير إذا كان هناك رأيٌ سائد يصعب معارضته تجاه موضوع أو حدث معين، ويستخدم أيضًا هذا الأسلوب لعدم ضمان نتيجة الوقوف أمام تيارٍ جارفٍ مِن الرأي العام بعد تكوينه، حتى لو كان ذلك الرأي العام على خطأ مِن وجهة نظـر السُّلطة أو أصحاب المصالح.

– التكرار والمُحاصرة بالأكاذيب
يقول جوزيف جوبلز “إذا اخترعت كذبة كبيرة وظللت ترددها بإخلاص، فسيصدقها الناس في النهاية”.
أسلوب التكرار أنجحُ الأساليب لتغيير وتوجيه الرأي العام، لأنه يعتمد على استخدام العقل اللاواعي، ودائمًا تعتمد عليه الأنظمة السياسية والحركات الشّـعبَوية، إذْ تُذيع وتكرر نفس الجُمَل والأفكار عبر وسائل إعلام متعددة، وتحاصِر الجمهور، وتَحفر هذه الجمل في العقل اللاواعي للجمهور المُستهدَف، ولضمان نجاح هذا الأسلوب لابد مِن استخدام وسائل إعلامٍ واسعة الانتشار، ولغة خطاب تثير العواطف بدلًا مِن إعمال العقل.

– صناعة وترويج صورة ذهنية نمطية غير صحيحة
يستغل هذا الأسلوب أنَّ العقل يميل إلى التنمـيط وتأسيس قوالب محددة لتسهيل تنظيم المعلومات وتخزينها واسترجاعها، وتكمُن خطورة هذا النمط مِن التفكير، في تصنيف الناس وتكوين صورة ذهنية عن مجتمعٍ ما أو بلدٍ ما أو مجموعة معينة، وتعميم صفةٍ على جميع أفرادها، والتعامل معهم على هذا الأساس قبل الاحتكاك بهم،
ودائمًا تتكون هذه الصورة عن طريق وسائل الإعلام، مثل السينما والتلفزيون والأدب والمسرح وغيرهم مِن وسائل تشكُّل الوعي والصور الذهنية، ومثالُ ذلك تكرار ربط الطبيب النفسي في السينما والتلفزيون بأنه يعالج المجانين فقط، مما يروج لصورة ذهنية سلبيةٍ نمطية عن الأطباء النفسيين ومرضاهُم.

– صناعة عدوٍ واستخدامه كفَزَّاعة
يقول إيريك هوفر “تستطيع الكراهية الجماعية أنْ توحِّد العناصر المتنافرة”،
فبعد صنع صورة نمطية معينة، يصبح الرأي العام جاهزًا لصناعة العدو، والذي يمكن القول بأنه سلاحٌ سحري قد يمكِّن القادة مِن تغيير الرأي العام وتهيئته لقمع أو قتل عددٍ كبير مِن البشر، وليس ذلك فقط ولكن لجعل الجماهير تهلل وتحتفل أيضًا بقمعهم أو قتلهم، دون أنْ تشعر هذه الجماهير أنَّ هذا سيكون مصيرهم أيضًا إذا اعترضوا على قراراتٍ أو إجراءاتٍ لهذا النظام.

– تدريب الشعوب على الاستسلام والعجز
هل يمكن تحويل الجماهير الثائرة التي لا ترضىٰ إلا بالحرية والديموقراطية إلى جماهير عاجزة مستسلمة؟
وضع عالمُ النفس الأمريكي “مارتن إي سليجمان” في جامعة بنسلفانيا مفهوم نظرية العجز المُكتسب، في بحث تجريبي على الكلاب، إذْ اكتشف أنَّ الكلاب التي تتلقىٰ صدمات كهربائية لايمكن تجنبها، تحاول في البداية التخلص منها، ولكن بعد ذلك تظل مستسلمة وعاجزة، حتى إذا صعقت بالكهرباء وهي غير مقيدة لا تحاول الهرب مِن الصدمة الكهربية، وتجلس مستسلمة للألم وتنتظر زواله، في حين أنَّ الكلاب التي لَم تتلقى الصدمات وهي مقيدة، هربت على الفور مِن الصدمة الكهربائية، وقام العالم “سليجمان” بتجارب مماثلة على البشر، وكانت الاستجابة مماثلة لما فعلته الكلاب.
وبنفس هذا الأسلوب يتم تحويل الشعوب الثائرة المطالبة بحقوقها إلى شعوبٍ يائسة ومستسلمة، فبعد أنْ يُستخدَم أسلوب الشيطنة وصناعة العدو تجاه أحد الفئات، وغالبًا ما تكون الأقوىٰ فيها أولًا، تبدأ عملية تعليم العجز للشعب كله، وكسر الرابط بين الاحتجاج وتلبية المطالب لتصل باقي الفئات لوضع الكلب الذي ينتظر مستسلمًا توقف الصدمة الكهربائية ولا يحاول التخلص مِن الألم.

– اختلاقُ الأزمات واستغلال الكوارث
مِن أقوىٰ الأساليب على تحويل الرأي العام مِن تأييد ودعم لرئيس أو رأي ما إلىٰ النقيض تمامًا، فهذا الأسلوب يحرك حتى شرائح المجتمع التي لَم تكن مهتمة بالسياسة أو الشأن العام مِن قَبل، إذْ يعتمد على خلق أزمات تمسُّ الاحتياجات الأساسية للشعوب، مثل الأزمات الاقتصادية، أو أزمات الوقود والكهرباء والغذاء وغيرها مِن الاحتياجات التي يعتمد عليها الجميع بشكل أساسي لتدبير المعيشة، حتى تشعر الجماهير بتهديد مباشرٍ للاحتياجات الإنسانية، مما يخلق حالة غضب عارمة في شرائح واسعة، ودائمًا ما يستغلها ويوجهها مُختلق الأزمة نفسه لتحقيق مايريد، ويجري الاعتماد على هذا الأسلوب لإسقاط الأنظمة والتمهيد للانقلابات، أو إسقاط الديموقراطيات حتى قيام الحروب، ويجب الانتباه إلى أنه دائمًا ما تستخدم أسلوب إثارة عدة أزماتٍ في وقت واحد.

“توجيه الرأي العام” مِن أخطر التحديات التي تواجه الشعوب في الوقت الحالي إذا لَم تنتبه الشعوب لمن يوجهها وغرضهُ مِن ذلك.

الإعلام هو المحرك الأساسي للرأي العام.. هو البوصلة التي تحدد الاتجاه، فمعركة توجيه الرأي العام ينتصر فيها مَن يمتلك المعلومات والوعي.

مَن يمتلك تلك المُقوِّمات سيستطيع الصمود في معركة توجيه الرأي العام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى