fbpx
معرفة

طبعًا .. ليْسُوا أهلًا للفتوى !

 

بقلم المُحامي والكاتب / مختار نوح

 

كان من المتوقع عند العقلاء أن يتوقف الحوينى ويعقوب ومحمد حسان وجميع من وضعوا أنفسهم فى مقام الإفتاء دون حق – كان من المتوقع أن يتوقفوا عن الفتوى بل كان من المؤكد ذلك – وذلك لأسباب سوف نتعرض لها تفصيلاً .. خاصة بعد أن استجوبت المحكمة عدداً منهم فأفزعتهم المناقشة وخشوا أن يدخلوا السجون مع المتهمين في القضية التي ناقشتهم المحكمة فيها.

أما السبب الأول .. فذلك لأنهم يعلمون أنهم غير مؤهلين أصلاً للفتوى – فحفظ القرآن هو ملكة عقلية وليس سمة علمية وكذلك حفظ المتون والأحاديث، إلا أن تلك الأمور وهي كل مؤهلاتهم لا تسمح لهم بالفتوى شرعاً .. بل تتحول الفتوى في هذه الحالة إلى إثم كبير .. وإلى خطر عظيم.

فالفتوى تحتاج إلى علم آخر وهو “علم الواقع” محل الفتوى .. فلا يكفى أن يعلم من يحفظ أجزاءً من القرآن أن يتعرض للفتوى في مسائل حياتية كنقل الأعضاء مثلاً – أو زراعتها أو الجراحة التجميلية – فإنه فى الحقيقة يحتاج – والحال كذلك – إلى دراسة علم الطب ثم إلى دراسة علم الإجتماع ثم إلى دراسة علم الإستقصاء والإستقراء والوصول إلى الإجتهاد فى هذه العلوم .. وذلك حتى يصل إلى كم الضرر أو كم النفع فى المسألة – المعروضة .. ذلك أن الضرر والنفع والمصلحة العامة هم علة الفتوى غالباً إن لم يكن دائماً وحولهم تدور الفتاوى ..

وأما السبب الثانى .. فهو أن هؤلاء المتصدين للفتوى بغير حق قد إستشعروا الضرر من فتواهم ولكن على أنفسهم فقط فقرروا وبرؤيتهم الشخصية .. كتمان العلم .. على حد تعبيرهم.. وبرروا ذلك لوجود الضرر المتيقن على أنفسهم وعلى حياتهم وحتى لا يقوم القاضى بإحالتهم إلى النيابة العامة للتحقيق معهم بتهمة الإشتراك فى جرائم القتل – بالتحريض..

ومن هنا إنكشفت أمام أنفسهم عناصر الفتوى الحقيقية والمكتملة، وهي بحث عنصر الضرر الذي يقيد أو يمنع الإفتاء .. ولكنهم توقفوا لأن الضرر جاء على أشخاصهم ونسوا أو تناسوا من قبل أن الضرر الإجتماعي أيضاً يمنع الفتوى أو يؤدي إلى كتمانها حسب الأحوال .. وهو العنصر الذي إذا نقص تكمن جريمة الإفتاء بلا علم.

أما السبب الثالث والأخير، فهو أن المتصدين فى مسألة “تنظيم النسل” مثلاً أو “تحديده” أو غير ذلك لا ينبغى لمثل هؤلاء الحافظين للقرآن أو للسنة حتى وإن كانوا يحفظونها أن يذكروا حرمة أو حل ذلك لشخص ما، وإنما فقط قد يقومون بتبيان الأحكام العامة بشأن الإنجاب حال كونه من المباح أو المندوب،

أما قضية النسل المجتمعية وتحديده أو إطلاقه فهي تخص علماء السياسة فضلاً عن علماء الإجتماع فضلاً عن علماء الإقتصاد، بالإضافة إلى من يتصدى للفتوى ولكن بعلم حقيقى.

ومن هنا فإن العلم بالحكم الشرعي هو شأن أي دارس في الكليات أو في المعاهد الدينية أو كليات الحقوق والشريعة وإنما الفتوى فهي أمر مختلف فهي محرمة على الكافة إلا على من يلم بعلم الواقع الذى يحيط بموضوع الفتوى، ذلك أن الضرر الإجتماعي هو المؤثر على الفتوى بالوجوب أو الحرمة دون مساس بأصل الحكم.

فإعتبار الطلاق متمماً للثلاث إذا كان بلفظ واحد قد أوقعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه كفتوى، وبانت به النساء في عهده من أزواجهن وذلك على خلاف الفتوى التي سار عليها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الذي كان يعتبرها طلقة واحدة مهما تعددت الطلقات.

فالعالم في فرع من الفروع هو من وصل إلى درجة الإضافة في العلم أو الإثراء فيه بل والإستحداث بنظريات جديدة أو إضافات جديدة أو دراسات جديدة وليس المردد لعلم  .. أي علم .. إلا مقلداً أو حافظاً له.

والنقيصة الثانية أن من تصدى للفتوى من هؤلاء دون حق قد كانت ثقافتهم أضعف من درجة تعليمهم، ولكن الثراء الذي تحقق لهم من خلال الوضع الدينى وتقديس العامة كانت أصعب من أن يضحى به، فكان من الصعب في تلك الحالة أن يتم التخلي عن الفتوى حتى لو تيقن الواحد منهم أنه ليس أهلاً للفتوى.

وأخيراً .. فليس من حق المشايخ ولو كانوا حُفاظاً للقرآن أن يقوموا بالإفتاء إلا أن يتوافر لهم العلم المعايش لموضوع الفتوى والأضرار أو الفوائد الإجتماعية المصاحبة للفتوى فلا يجوز والحال كذلك الإفتاء في مدى جواز تحديد النسل من عدمه على المجتمع إلا أن يصاحب ذلك العلم السياسى والإقتصادى والفقهى سواءً  بسواء وذات الأمر عند الحديث عن ضرورة أو وجوب توثيق الطلاق، فليس لشيخ أو حافظ للقرآن أو السنة أن ينفرد بالرد إلا أن يستكمل دائرة العلم لديه، وليس لشيخ أن يفتي في قضية إمتداد العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر أو أن يسهم بفتواه بأنها محرمة إلا أن يدرس أثر الأعراف على القانون، والظروف السياسية التى أحاطت بالعقود المشار إليها وأثر ذلك إقتصادياً وإجتماعياً على المجتمعات.

وبناء على كل ما سبق عجبت أن يقوم أحد الرجال الدارسين بالأزهر وهو حسن النية بالإعتراض على طالبة الفتوى والتي تشتكي أن زوجها تزوج عليها فى السر، فأثارت غضبه وصرخ فيها قائلاً : “يتجوز فى السر أو العلن .. هو حر وما حدش له عنده حاجة”

ومن خلال هذه الإجابة تيقنت أن هؤلاء الشيوخ الطيبين، لابد وأن يتعلموا أن أمر الحاكم من الشرع وأن الدراسات الإجتماعية والتشريعات الناتجة عنها هو أمر واجب الإتباع وتركه قد يؤدى للمفسدة، وهي أيضاً من الأحكام واجبة الإتباع شرعاً وأنه لا يجوز الإفتاء بشئ يخالف قواعد المجتمع وإلا تعرض من قام بالإفتاء لغضب الله وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على قوم أفتوا لمصاب بجرح غائر بوجوب الوضوء فلما مات قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم “قتلوه .. قتلهم الله”.

وساق علماء الفقه عشرات الفتاوى التي اختلف فيها الصحابة – بسبب إختلاف الواقع – وقد ساق ابن القيم والشاطبي وكل علماء الأصول أمثلة لإختلاف الفتوى بإختلاف الزمان، بل وجعلوه عنواناً في مؤلفاتهم ولكن الشيوخ في الواقع الحالى تصيبهم فتنة وتصيبهم فرحة في ذات الوقت كونهم محط الأنظار ومحل الطاعة والإبهار للعامة ومن هنا يصيبهم شبق الإفتاء ومتعته بل أنهم حصروا لفظ العلماء في المعنى الذي يرمون إليه فأطلقوا على أنفسهم لفظ العلماء، وما هم كذلك ولكنهم نجحوا في أن يحصروه عليهم وعلى السابقين منهم، ولم يثبت في صحيح اللغة أو العرف أن الحافظ لبعض الآيات القرآنية أو حتى كلها يجوز أن يطلق عليه إسم العالم ..والصحيح.

انه مجرد مقلد او حافظا للحكم الشرعي، اما انزال هذا الحكم الشرعي على حالة بعينها فهي درجة الفتوى التي لا يصل اليها الا من يلم ببقية العلوم المتعلقة بالحالة محل الفتوي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى