fbpx
معرفة

وقفة تعلُّم.. من أجل الجمهورية الجديدة

د.علاء جراد
تدقيق: ياسر بهيج

هل سبق لك أن فكرت لماذا تمتلك بعض الدول مثل؛ فنلندا، والنرويج، والدنمارك أفضل الخدمات العامة في العالم، ما يجعلها تحتل المراتب الأولى في مؤشر السعادة العالمي منذ عقود؟

ومن ناحية أخرى؛ هل فكرت لماذا تتربع بعض الدول على القمة لعقود، ودولٌ أخرى تتراجع، في بعض الأحيان، في كل المجالات؟!

ما السبب الذي يجعل الشركات العالمية، شركات سبّاقة ومبدعة ؟ ولماذا حققت التميُّز، على مر السنين؟

أو.. لماذا يحقق بعض الأفراد نتائج أفضل من الآخرين؟

لا يتعلق الأمر فقط بالقيادة، ولا بالناس، ولاالتكنولوجيا فقط، ولا يتعلق أيضًا بالثروات المادية..

إذن ماالسبب ؟ إنه ببساطة التعلُّم..

التعلُّم هو الميزة التنافسية، والتكاملية الوحيدة، التي يمكن أن يتمتع بها فرد، أو مؤسسة، أو حكومة، فبدون التعلم؛ تتكرر أخطاؤنا، ونصبح أسوأ، ولكن مع التعلُّم؛ نجد حلولًا لمشاكلنا الأساسية.

إذا كنا قادرين على التعلُّم بفعالية، وتطبيق ما نتعلمه سنصبح أفضل في كل المجالات، وسوف يطلق الأفراد العنان لقدراتهم، وينجزون ما يطمحون إليه، وستدرك المؤسسات، بمختلف أنواعها، رؤيتها، وتحقق أهدافها الاستراتيجية، وستقوم الحكومية منها بإرضاء عملائها، وتحسين جودة الحياة..

في النهاية سيكون لدينا أمة تتعلم مدى الحياة.

لقد كانت مصر القديمة منارة العالم، وفي الوقت الذي كان الإنسان، في كل باقي بقاع الأرض، لا يعرف كيف يبني بيت يقيه الحر، والبرد، ويسير حافي القدمين، كان أجدادنا ينتعلون الذهب، ويبنون تراثًا، وحضارة، مازالت تُحيّر العالم، حتى اليوم.

لقد اخترع أجدادنا الكهرباء، والجراحة، وبرعوا في كل صنوف العلم، وكان العلم، والتعلُّم، ووحدانية الخالق هي أعمدة الدولة، وسر تطورها، ولا ندري ما الذي حدث؛ وكيف استطاع كل من “هب ودب” حُكم مصر؛ مثل المماليك، والعثمانيين، ولكن، اليوم، تخلع مصر عن كاهلها كل ركام التخلف، والركود، والفساد؛ الذي مرت به، منذ عصر أجدادنا القدماء، وتعود مرة أخرى لتصدُّر المشهد، وجذب الأنظار، ولا ينكر الانجازات؛ التي تجسدت على الأرض، إلّا جاحد، أو حاقد.

فمنذ اجتثاث العُصبة الفاسدة؛ التي كانت ترغب باختطاف مصر، وإعادتها للاستعمار العثماني، استفاقت مصر، وبدأت بإعادة أمجادها، ربما يكون العمل، الآن، يضع كل تركيزه على الجانب الملموس، أو بلغة الكمبيوتر “الهارد وير”.

والخطوة المُقبلة؛ سنحتاج للعمل الجاد على الجانب غير الملموس “السوفت وير”، وأقصد بالجانب الملموس هو؛ البناء الظاهر؛ مثل البنية التحتية، من طرق، وكَبَارٍ، وأنفاق، ومنشآت.

أما الجانب الآخر؛ فهو تشكيل، وإعادة تشكيل الوجدان الوطني، وتعزيز القيم الوطنية، والأخلاق، وإعادة التربية لمدارسنا، التي اقتصرت على التعليم فقط، في العقود الأخيرة..!

لابد من إرجاع قيم الاحترام، والنزاهة، والشفافية، والعمل، والاعتدال، ومحاربة الفن الهابط، والاعلام التافه؛ متمثلًا في برامج التوك شو السمجة، التي يقدمها أنصاف متعلمين، ويطلون علينا بالساعات بسماجتهم، وجهلهم.

من أين نبدأ إذن ؟ ومَنْ المسؤول عن اتخاذ الخطوة الأولى ؟

البداية سهلة، ومباشرة؛ وهي أن نبدأ بالتعلُّم، فحلول مشكلاتنا مرتبط بقدرتنا على التعلُّم، ولكن من المنوط بتشجيع التعلم، وتجذيره، في كل مؤسسات الدولة ؟

في رأيي؛ أن نقطة الانطلاق هي رأس الحكومة دولة الدكتور مصطفى مدبولي، ذلك المهندس المتخصص في التخطيط، وخريج جامعة القاهرة العريقة، وجامعة  روتردام في هولندا، وجامعة كارلسروهه في المانيا.

فالمرجو من الدكتور مدبولي هو تجذير مبادئ، وممارسات التعلُّم، واستخلاص الدروس المستفادة في جميع مؤسسات، وأجهزة الحكومة، ويمكن أن يتم ذلك من خلال استحداث وحدة تنظيمية بكل وزارة، ودائرة حكومية؛ تختص بالتعلم المؤسسي؛ يتضمن عملها الوقوف على أفضل الممارسات عالميًّا، ومحليًّا، وكذلك استخلاص تجارب، وأراء العاملين، والمتعاملين، وتحليل تقارير الأداء، والتقييم المؤسسي؛ مثل: تقارير تقييم جائزة مصر للتميز الحكومي، فالتعلُّم هو الميزة النسبية الوحيدة المستدامة، والتي تُشكِّل الفاصل في تقدم الأمم.

ففي المملكة المتحدة؛ يُلزم القانون الجهات الحكومية بنشر تقارير عن الدروس المستفادة من كل مشروع يتم انجازه، وبعد كل حادث، أو كارثة، حتى يتم النظر في السياسات، والإجراءات، وتعديلها؛ بحيث لا يتكرر نفس الخطأ، ونتلافي أسباب الكارثة.

ولكن ليس هذا فقط؛ بل يتم استخدام أساليب التعلم المؤسسي؛ للوقوف على أفضل الممارسات عالميًّا، والاستفادة بها فيما يعرف بالمقارنات المرجعية.

ويتم تعزيز الشفافية، ومحاربة الفساد؛ باستخدام قانون حرية تداول المعلومات، الذي يتيح لأي مواطن طلب معلومات عن أي مؤسسة حكومية، أو مسؤول حكومي، وخاصة فيما يخص الإنفاق العام؛ فمن حق اي مواطن، مثلًا، طلب معلومات عن إنفاق رئيس جامعة على مراكز جديدة، أو حتى مجرد رحلة عمل خارج الدولة، إذ يتم طلب المعلومات من الجامعة نفسها، من خلال إيميل مخصص لهذا الغرض، ولابد أن يتم الرد خلال 15 يومًا.

لو كان لدينا مثل هذه الآليات؛ لما استفحل الفساد في إحدي الجامعات، الذي تم نشره في الإعلام، أخيرًا، وأظهرت صور فساد؛ لا تخطر على بال، كما لوكان رئيس الجامعة يعمل في عالم آخر، لايدري عنه أحد..!

لقد تطورت دول، لم نكن نسمع عنها، في الماضي، وأصبحت محط أنظار؛ مثل استونيا، التي أصبحت مرجعية في الذكاء الصناعي، وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة، والحكومة الذكية الرقمية، وفيتنام التي أصبحت تتفوق على الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا في التعليم.

إنّ مصر لديها من الثروة البشرية الكثير، والكثير، كما أن لدينا الإرث الفكري، والحضاري، والمعرفي، وإذا أراد المصريون الوصول للنجوم، والكواكب، فسوف يصلون، بمشيئة الله وعونه، ولكن ينقصنا الأخذ بالأسباب، وتبني الأساليب الحديثة، والمجربة في مجال التعلُّم، وتحويل مؤسساتنا كافة إلى مؤسسات مدفوعة بالتعلُّم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى