fbpx
أخبار محليةمقالات

هشام النجار يكتب: شباب الإخوان “الارهابية”.. النقط تحت الحروف

هشام النجار
الكاتب: هشام النجار

 

هذه هي المرة الثالثة أو الرابعة خلال عامين.. شباب منتمون للإخوان الارهابية يرسلون قبل يومين للأزهر رسالة حملت اسم رابطة الشباب المعتقلين لينقذهم ويتدخل لدى السلطات للإفراج عنهم بعد أن ضيعتهم جماعتهم الفاشلة المخادعة.

في خمسينات القرن الماضي رسم أحمد عادل كمال أحد ناشطي التنظيم السري لجماعة الإخوان الارهابية في كتابه “النقط فوق الحروف” صورةً عن حال شباب الجماعة قبل الصدام مع نظام الرئيس جمال عبد الناصر.

وصف كمال ثقتهم بالنصر بأنها لا حدود لها وأنه لا ينتابهم أدنى شك في إلحاق الهزيمة بجميع أعدائهم وخصومهم وكل من تحدثه نفسه أن يقف في سبيلهم المقدس.

وحكى قصة عكست تأثير التربية الإخوانية القائمة على نزع العضو من واقعه وارتهانه لأوامر القادة بحجة السعي لإخضاع العالم بأكمله للإسلام.

عندما “قرأوا في جريدة يومية أن طائرات الألمان شنت غارة على لندن وأنها أصابت البرج الشهير لساعة بج بن وكان الشيخ عبد اللطيف الشعشاعي جالسًا وهو رجل ضرير من الإخوان فظهر عليه الحزن والأسى، فعجبنا وسأله سائل عما يهمه من أمر بج بن، فقال بلهجة جادة “كنت أريد أن أؤذن من فوق ذلك البرج يوم فتح لندن”، قلنا بدعابة فأذن من فوق غيره، فقال في إصرار “كنت أريد أن أؤذن من فوق هذا”، فضحكنا غير أن أعماقنا كانت تقول ربما فمن يدري لعلنا في يوم نفتح لندن”.

يُقابل هذا المشهد مشهد آخر مناقض مُستوحى من مسرحية الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر “الأيدي القذرة”، والتي نجد قصتها خير معبر عما يجري اليوم خاصة بين شباب جماعة الإخوان الارهابية الذي دفعت بهم القيادة الإخوانية لمنطقة توحي بأنهم بالفعل يُضحون خلف قيادة متجردة سيحققون معها المجد المنتظر عما قليل.

وبعد التضحيات يكتشفون ألا مجد هنالك ولا أمجاد ولا هم يحزنون، وأن من دفعوهم لتلك المنطقة الموبوءة بالوهم والخيبات ليسوا أكثر من انتهازيين جبناء سرعان ما يعقدون الصفقات والتفاهمات إذا احتدمت أزمة أو عنت مصلحة.

نتابع مشهد صرخات شباب الإخوان المقهورين الذين خدعتهم الجماعة وضيعت أعمارهم في السجون وشردتهم وشردت أسرهم باستحضار نص سارتر الكاشف، وفيه يُكلِف الحزب الشيوعي الفرنسي أحد كوادره باغتيال زعيم الحزب الاشتراكي الحليف الرئيسي له – في أعقاب الحرب العالمية الثانية-، في إطار خطة للانقلاب والاستيلاء على السلطة وما صاحب ذلك من تصوير لذلك الزعيم – رئيس البلاد – كطاغية مستبد ظالم.

بعد التكليف المصحوب بالتهويل والعناوين الضخمة والتلويح بالأهداف المثالية ينفذ الشاب المتحمس مهمته ويقتل الزعيم الاشتراكي ويُقبَض عليه ويُصدَر حكم ضده بالسجن بالأشغال الشاقة المؤبدة.

يُفاجأ الشاب بعد خروجه من السجن أن حزبه الشيوعي بعد صعوده للسلطة قد قرر انتهاج ذات السياسة التي انتهجها الزعيم الاشتراكي الذي قتلوه بيد هذا الشاب من أجلها بعد أن تطورت الآراء وتبدلت المصالح.

تتحدث المسرحية عن أن خروج هذا الشاب الثائر الغاضب  من السجن إثر إدانته بالقتل جاء بعد ثلاثين عامًا قضاها في محبسه، بعد أن توالت الأحداث على المسرح السياسي لتتاح الفرصة لهذا التنظيم “الثوري” ولحزبه الشيوعي المعارض ليتولى السلطة، فكان أول قرار هو الإفراج عن “الثائر” “البطل”!

في إحدى الجولات يُفاجأ الشاب الذي صار رجلًا في الخمسينات بتمثال ل”الطاغية” الذي قتله قبل عقود يتوسط أحد الميادين، فسأل رفاقه في دهشة وهم الذين حرضوه على اغتياله لفساده وظلمه وجبروته كما صوروا له، فأجابوه: بأن السياسة تقتضى ذلك!

ليس هذا فحسب بل لم يجد اختلافًا كبيرًا بين منهجهم في الحكم وأسلوبهم في إدارة البلاد وملامح تحالفاتهم وقمع معارضيهم عن أسلوب حكم الطاغية الذي قتله بيديه، ولذلك حينما سألوه عن المنصب الذي يريده في إطار هيمنتهم على السلطة قال الشاب مُحبطًا بلا تردد “أنا لم أعد صالحًا للاستعمال”.

فهل هذا هو شعور شباب الإخوان اليوم الذين مروا بمراحل من خيالات وأوهام وخدع فتح لندن والأذان من فوق برج بج بن، ثم إذا بهم في التيه مشردون في شوارع الخرطوم واسطنبول وكوالامبور أو مغيبون في السجون؟

هذا هو المشهد: مناشدات شباب الإخوان المسجونين وبحثهم عمن يفتح لهم أبواب السجون المصرية لإنقاذ مستقبلهم، وانعدام ثقة قطاع كبير من شباب الإخوان في قادة جماعتهم الفاشلين المتصارعين على مناصب وامتيازات داخل جماعة منهارة وتنظيم ارهابي مفكك.

إنها سنوات طويلة من التضليل المكثف والممنهج الذي مُورِس على عقول شباب الإخوان الذين وصلوا أخيرًا لاكتشاف خط اليأس والإحباط القاتل، وهو أبعد بمراحل من شعور الشاب الشيوعي الثائر في مسرحية سارتر الذي لم يعد صالحًا للاستعمال بعد أن اكتشف مدى هوانه ورخصه في لعبة المصالح وسوق السياسة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى