fbpx
أخبار محليةوعي ميتر

الصراع بين تفكير البشر وتفكير الروبوت

 

كتب أستاذ علم النفس في جامعة نيويورك جالين جيهر تحقيقاً بعنوان “كيف قد تدمر أنظمة الذكاء الاصطناعي الأخرى القدرة على الكتابة والتفكير؟”.

مجموعة كبيرة من علماء النفس والأدب الذين يحذرون من مرحلة مقبلة نفقد فيها البشر خصائص الكتابة الأدبية، لتتحول اللغة في الأنواع المختلفة من الكتابة إلى نوع واحد لا تختلف في ما بينها.

فكتابة الرواية مثل كتابة كاتالوج لجهاز منزلي بنفس اللغة، فلا يوجد فرق بين لغة أدبية أو لغة شعرية أو علمية وطبية، مما يجعل التعابير والدلالات والأسماء ومعانيها والمضمون الذي تؤديه، كلها متشابهة أو نسخ بعضاً عن بعض.

كما هو الحال مع الصور مثل لوحة الموناليزا أصبح بإمكان أي شخص أن يضيف إليها أو يزيل منها ما يشاء بمساعدة الكمبيوتر، فتنتشر النسخ المشوهة منها، أو النسخ الجديدة التي قد تصبح أشهر من الأصلية، و تشاهدها الأجيال الجديدة عبر أجهزة التواصل، مما يجعل النسخة الجديدة هي الأصلية.

فأصبح ما تتفق عليه الجماعة هو الحقيقة مهما حاولت الأقلية إعادة تصحيح الأوضاع، ولهذا كما يمكن للوحة الموناليزا أن تتبدل في تصوّر الأجيال المتعاقبة، حتى تضحي في النهاية لوحة أخرى، كذلك الأمر بالنسبة للغة، فإذا تمكنت لغة التواصل الاجتماعي من التمدد إلى صلب الكتابات الأدبية والثقافية مع مرور الزمن، ستصبح هي اللغة المختصرة والهجينة والتي توصل الفكرة بأقل قدر من الكلمات والصور، وسيلة تعبير عن مجالات الحياة المختلفة وتجعل الكائن سجين الخيالات الجديدة المحدودة في أطر الكتابة الإلكترونية.

حدود الذكاء الإصطناعي (ميد جورني)

يرى باحثون معاصرون مثل الأستاذ جيهر أن من منظور تعليم الكتابة يعد هذا النوع من البرامج أكثر من مجرد مشكلة صغيرة، إذ يمكن للذكاء الاصطناعي إحداث ثورة هائلة في تعليم الكتابة.

أولاً: بسبب قدرة هذه البرامج الذكية على مساعدة الطلاب في تحليل كتاباتهم بطرق لم يتمكن المعلمون من القيام بها من قبل.

ثانياً: يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تقييم البنية والقواعد والنبرة والمعنى الدلالي للمحتوى، لتقديم ملاحظات مخصصة للطلاب، كما يمكن للذكاء الاصطناعي البحث عن المحتوى المنتحل من نصوص أدبية أخرى، ما دامت محفوظة على شبكة الإنترنت.
وهناك جوانب أخرى مفيدة بشدة للطلاب الذين يتعلمون الكتابة الأدبية، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي لجعل الكتابة أكثر تفاعلية وجاذبية للطلاب، وأكثر ملاءمة لحاجات الطلاب الفردية واهتماماتهم، وتتكيف مع مستوى مهارة الفرد واهتماماته، ويمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أيضاً تزويد الطلاب بتعليقات مفصلة حول كتاباتهم، التي يمكن أن تساعدهم على تحسين مهاراتهم في الكتابة.

بشكل عام، تعد إمكانات الذكاء الاصطناعي هائلة في تطوير تعليم الكتابة، ولكن لنتصوّر أن النص كتبه برنامج ذكاء اصطناعي حين طلبنا منه أن يكتب مقالة من 200 كلمة حول تأثير تقنيات الذكاء الاصطناعي على تعليم الكتابة، وهذا النص يحتاج ما يقارب 20 ثانية ليكتبه.

يبدو النص جيداً، لأنه يحتوي على معلومات تقريرية واضحة بالنسبة للبرنامج الإلكتروني الذكي، ولكن لو سألت هذا البرنامج أن يكتب عن معنى السرقة الأدبية فإنه سيعطيك نصاً بلا أي معنى، لأن هذا النص يحتاج إلى رأي عاطفي وموقف من بين عدة مواقف معلنة في النقاش حول هذا الموضوع عبر الأزمان، وهذا ما لا يمكن لبرنامج الذكاء الاصطناعي أن يجمعه كله في نص مسبوك ومتسلسل، مع مقدمة واضحة وخاتمة مفهومة.

وهنا يظهر أن برامج الذكاء الاصطناعي لا تفيد في الكتابة الأدبية أو القائمة على المشاعر، ولكن ما يثير ريبة الأدباء الحديثين وعلماء اللغة، هو أن يصبح النص الذي قد يكتبه البرنامج حول السرقة الأدبية مثلاً هو المثال الذي يتبعه الكتّاب الجدد الذين يتعلمون الكتابة عبر الإنترنت وبواسطة هذه البرامج.

الصراع بين التفكير البشري والتفكير الروبوتي، وتحديداً في موضوع اللغة، جعل من البشر كائنات متطورة إلى درجة تمكنت فيها من اختراع برامج تتمكن من منافستها، حتى في المميزات المحددة لها، ومنها اللغة والكتابة التي تعبّر عن مشاعر وأحاسيس وعواطف.

لنقل مثل الكتابة الغاضبة، أو كتابة غزل وحب لامرأة معينة.. بالتأكيد سيحوّل برنامج الذكاء الاصطناعي الغضب والحب إلى مشاعر تقريرية، فيصبح الغضب كالقلق والتوتر والعصبية والنرجسية. فالفوارق بين مثل هذه المشاعر دقيقة جداً.

الصراع الآن يفرض عدم السماح بإحلال الأسلوب الذي يقدمه برنامج الذكاء الاصطناعي محل الأسلوب الإنساني الأصلي، الذي تتداخل في تركيبه مجموعة كبيرة من الأسباب والظروف والتجارب واللحظات، وليس مجموعة من الاختيارات الموفقة من بين ملايين المعلومات التي يتمكن الكمبيوتر من جمعها خلال ثوانٍ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى