fbpx
مقالات

هشام النجار يكتب: ذبح نيرة أشرف والفهم المعكوس للنهي عن المنكر

 

هشام النجار
هشام النجار

لدينا هنا مشهدان رئيسيان؛ الأول وقوف البعض سلبيًا وربما متفرجًا دون محاولة التدخل الإنقاذي لمنع منكر عظيم وهو جريمة قتل وذبح طالبة آداب المنصورة نيرة أشرف.

والثاني مشهد متكرر تحكيه الأنباء اليومية بالمواقع عن سيدة تقص شعر فتاة بالمترو عنوة وتلوذ بالفرار، وشخص يصفع فتاة على وجهها لأنها غير محجبة.. الخ الخ الخ.

مشهد ذبح نيرة نفسه حمل كمًا هائلًا من الإسقاطات غير السوية والتي تنطوي على وجود أزمة حقيقية في طريقة التعاطي الطبيعي مع الواقع.

وبدلًا من أن نلمس انفعالات إنسانية تجسد فجيعتنا وانكسار قلوبنا لمشهد قتل طالبة جامعية ينتظرها مستقبل واعد بهذه البشاعة، انهالت علينا تعليقات كاشفة عن مصيبة كبرى في طريقة التفكير تتعلق بالزي والحجاب والجينز بل هناك من اختلق مبررات للقاتل وجعل يمتدح في ذكائه وتفوقه.

وضح أن الرائج والسائد في المجتمع هو الفهم السلفي المغلوط لقيمة النهي عن المنكر؛ فالكثيرون يعتقدون واهمين أن تغيير المنكر هو تغيير أي فعل غير أخلاقي -من المنظور السلفي- ولوم وتأنيب فاعله كوضع المكياج أو عدم ارتداء حجاب وجلباب فضفاض أو الاستماع للأغاني والموسيقى، بل يشرع البعض في الضرب وقص الشعر المكشوف من قبيل التغيير باليد.

ما لا يفهمه الكثيرون أن قيمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا علاقة لها بهذا الفهم السطحي المعوج.

لأن قيمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتحقق فعليًا مع رسوخ قيم الصدق والإتقان في العمل والحرية، والمعروف الأكبر هو تحقيق الكرامة الإنسانية وهو ما أنجزه الغربيون من خلال التفوق العلمي والمعرفي والمادي، الذي أدى إلى ارتفاع هائل في مستويات الرفاهية، وهو الأمر المفقود في مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي ينصب كل همهما في أخلاق الجنس والتركيز على الشعر المكشوف ومن ترتدي جينز أو فستان.

النهي عن المنكر هو الإسراع إذا صدف وحدث بالقرب منك شروع في قتل نفس بريئة أو شروع في اغتصاب فتاة أن توقفه بكل ما تملك من قوة قبل أن يقع لحين قدوم الشرطة لكونك الوحيد في تلك الحال القادر على منعه، فهذا هو المنكر الحقيقي وليس كما تتوهمه أنت شعرا مكشوفًا أو ثيابًا ضيقة.

عدم فهم هذه القيمة العظيمة من هذا المنظور هو ما أدى لرؤيتنا هذا المنظر البائس الموجع؛ وهو وقوف شباب على بعد خطوة أو خطوتين من نيرة وقاتلها دون فعل أي شيء يوقف ويمنع جريمة قتلها المفجعة.

أما مسائل الإيمان فتلك من شؤون القلب والضمير وبصرف النظر عن الجدل حول الأزياء والحجاب وإذا كان لها علاقة بالإسلام من عدمه فالدين لا يحتاج إلى سلطة تحميه وإذا فُرضت مفاهيمه بالإكراه والتسلط فلن ينتج إلا نفاقًا مجتمعيًا.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق الفهم السوي الذي يتسق مع التفكير المنطقي لمبادئ الإسلام ومفاهيمه هو ترجمة تلك المبادئ العليا إلى أخلاقيات حية منتجة للتعايش والحس المشترك للمواطنة والتكافل الإنساني والحرص على المصلحة العامة ومحاربة الفساد والرشوة والكذب والنفاق الاجتماعي.

وهو آلية للتربية والتعليم والتنوير والتثقيف والإصلاح الاجتماعي، عبر تهذيب الأخلاق ومحو أمية الشعوب وإيقاظ الوعي الديني وإنارة الضمائر وتعزيز القيم المستقبلية وحرية الاختيار والإبداع.

للأسف الشديد أثبتت طريقة تعاطي قطاع من المجتمع ومن ضمنه شباب وطلاب جامعة وبعض من يصفون أنفسهم زورًا بالدعاة مع جريمة قتل نيرة أن هناك غيبوبة وضحالة معرفية وعدم قدرة على التمييز بين ما هو إسلامي قيمي -وهو ما يتسق بالتفكير الإنساني السليم-، وبين ما هو ضيق متحجر متنطع لا يرى السكين في صدر إنسانة بريئة وفي رقبتها بل يرى فقط الجينز الذي تلبسه وشعرها المكشوف.

إلى أين نحن ذاهبون إذا استمرت تلك الطريقة في التفكير واستمر الوضع على ما هو عليه؟

إلى لا شيء تمامًا، أو إلى “جنة العبيط” التي تحدث عنها الراحل زكي نجيب محمود في أربعينيات القرن الماضي حيث العالم الإسلامي سعيد وراض بأوضاعه المتخلفة، وقانع بخدر لذة إظهار التفوق على الغرب في القضايا الجنسية وأنه أكثر إنجازًا في تغطية المرأة وحجبها، باعتباره أكثر شرفًا وفضيلة كما يتوهم.

نحن ذاهبون إلى لاشيء حيث غالبية المسلمين يعتقدون أن الغرب “خلاعة ومجون ورذيلة وإفك”، وأن تحري شعر المرأة فلا يغادر غطاء الرأس هو التمظهر الأهم للأخلاق، وأن ما وصل إليه الغربيون من حضارة ليس بالشيء الخطير والمعجز، فالمسلمون لديهم علماء بارعون في قراءة الكف وحساب النجوم وتفسير الأحلام وحساب درجات الفضيلة بالسنتيمتر حسب طول الفستان وقصره.

ذاهبون إلى لاشيء وإلى ما يريدنا الذهاب إليه التيار التكفيري المتنطع لتنفصل الأخلاق والمدنية عن الدين، وجعل المسلمين لا يملكون دينًا بل الدين هو الذي يتملكهم وتتحول حياتهم إلى جحيم، بأن تصبح القيم الأخلاقية الجماعية الواحدة هي السائدة على حساب قيم الفرد والمواطن الحر، ليتحول الطقوسي إلى عرف وتُغل الروح التي إن لم تجد من الفقهاء والجماعات الدينية والمتطوعين من الشعب من يقمعها قمعت نفسها بنفسها.

ذاهبون إلى لا شيء، بل إلى الهاوية، ورعب أكثر من هذا سوف يجيء –كما قال صلاح عبد الصبور-

حيث يقف أحدهم متفرجًا مغلول اليد على بعد خطوة من ذبح فتاة جميلة راقية في العشرين من عمرها، بينما تنتفخ عضلاته ويتحول لعنتر ابن شداد أمام فتاة يضربها أو يقص شعرها المكشوف لأنها وفق أوهامه ارتكبت منكرًا عظيمًا أثار غرائزه!

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى