
إعداد: بسنت عماد
مع استمرار الحرب على غزة، لم يقتصر القتل على القنابل والصواريخ فقط، بل امتد ليشهد حربًا موازية على الحقيقة.
فبالتوازي مع الحصار والتجويع الممنهج، شنت إسرائيل واحدة من أكبر حملات التضليل الإعلامي في التاريخ الحديث، وجدت في وسائل الإعلام الغربية أداة فعالة لتمرير روايتها، وتحويل الإبادة الجماعية إلى مجرد “روايات كاذبة ومتضاربة”.
أكاذيب تبحث عن شرعنة
منذ البداية، روّجت الرواية الإسرائيلية لأكاذيب مفزعة، مذابح ضد الأطفال، وادعاءات بالاغتصاب الجماعي، وتحويل المستشفيات إلى “قواعد عسكرية”.
كل ذلك دون أدلة ملموسة، في محاولة واضحة لشرعنة حرب شاملة ضد أكثر من مليوني فلسطيني محاصرين.
ومع تصاعد العمليات العسكرية، تعددت المبررات: إغلاق المستشفيات وقصفها بحجة وجود “أنفاق”، واعتقال الأطباء بدعوى أنهم “مقاتلون متنكرون”، ومنع وصول المساعدات الإنسانية تحت ذرائع واهية.
استهداف منهجي للصحفيين
فرضت إسرائيل عزلة إعلامية شبه كاملة على غزة، حيث مُنع الصحفيون الدوليون من الدخول، بينما دفع الصحفيون الفلسطينيون الثمن الأغلى.
فخلال عامين، استشهد أكثر من 240 صحفيًا، في رقم هو الأعلى في تاريخ الصراعات الحديثة.
آخرهم كان فريق إعلامي كامل، تم اتُهموا بعد استهدافهم بكونهم “عناصر مسلحة”، في محاولة مكشوفة لتبرير جريمة حرب بحقهم.
ماكينة الأكاذيب الإسرائيلية
كشف تقرير لموقع “+972” الإسرائيلي عن وجود وحدة استخباراتية خاصة تُعرف باسم “خلية الشرعنة”، أُنشئت بعد أكتوبر 2023، ومهمتها إنتاج اتهامات ممنهجة ضد الصحفيين والمؤسسات الإنسانية، بهدف تمديد أمد الحرب وتسهيل تمرير الرواية الإسرائيلية في الغرب.
مصادر داخلية أكدت أن العديد من “الأدلة” التي قدمتها هذه الخلية كانت ملفقة، بما في ذلك وثائق زعمت أن صحفيين فلسطينيين انضموا للمقاومة وهم أطفال.
المجاعة كسلاح حرب
تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل غير مسبوق، حيث أصبحت المجاعة أداة حرب فعلية؛ منظمات دولية كالأمم المتحدة حذرت من مجاعة شاملة تجتاح القطاع، مع حرمان متعمد للسكان من الغذاء والدواء والماء النظيف.
صور الأطفال الهزيلين والمخيمات المكتظة أصبحت شاهداً على سياسة التجويع الممنهج التي تتبعها القوات الإسرائيلية.
الحصار والتهجير القسري
شكل الحصار الشامل أداة قمع جماعي، حيث حوصر المدنيون في مساحة ضيقة بدون مأوى كاف أو خدمات أساسية.
سياسة التهجير القسري طالت أكثر من 1.7 مليون فلسطيني، تم دفعهم للانتقال قسراً تحت القصف، في واحدة من أكبر عمليات النزوح الجماعي في القرن الحادي والعشرين.
التواطؤ الإعلامي الغربي
لم تتردد وسائل إعلام غربية كبرى في تبني هذه الروايات دون تمحيص. فنشرت صحيفة ألمانية عناوين مفزعة مثل “مقتل إرهابي متنكر بزي صحفي”، بينما حولت هيئات إعلامية كبيرة الجريمة إلى سؤال حول “التناسب العسكري”، مجردة القضية من أبعادها الإنسانية والأخلاقية.
بهذه الطريقة، تحولت جرائم الحرب إلى سجال تقني مجرد، يخدم الهدف الإسرائيلي المتمثل في تطبيع الإبادة وتجريدها من معناها الحقيقي.
الحقيقة تقاوم
رغم آلة التضليل، برزت الحقائق ببطء.. حيث اعترفت منظمات دولية كالأمم المتحدة بوجود مجاعة في غزة، بينما كشفت صور الأطفال والمستشفيات المدمرة فظاعة ما يجري.
تسريبات من داخل الجيش الإسرائيلي نفسه أكدت أن أكثر من 80% من الضحايا مدنيون، بينما صرح أحد قادة الاستخبارات في تسريب مسجل: “مقابل كل قتيل إسرائيلي، سيموت خمسون فلسطينيًا، حتى لو كانوا أطفالًا”.
خطر يتعدى غزة
المأساة في غزة كشفت أن الحرب لم تكن على الفلسطينيين فقط، بل على الحقيقة والإنسانية نفسها.. فالتواطؤ الغربي لم يقدم غطاءً لإسرائيل فحسب، بل شرعن مبدأ خطيرًا يجعل من قتل الأبرياء أداة مقبولة في الحروب.