fbpx
مقالات

هشام النجار يكتب: الكل مُهان يا سلمان!

كتب: هشام النجار

 

هشام النجار
هشام النجار

أتذكر جيدًا قصيدة كتبها الشاعر المعروف فاروق جويدة بعد صدور “آيات شيطانية” لسلمان رشدي ومن ضمن أبياتها “أكتب ما شئت ولا تخجل فالكل مُهان يا سلمان”!

الإنسان هو جوهر الكتابة وينبغي أن يتوجه إليه جهد الأدباء لترقيته ورفع الظلم والبؤس والمرض والفقر عن كاهله، لذلك لا تستهوينا الأعمال الإشكالية التي تتعرض للأديان عمومًا.

لا تُعالَج المسائل الدينية بطريقة جرح مشاعر مليارات المؤمنين بالرسالات والأديان والرسل، ورشدي يتحمل جزءًا من المسؤولية لكن المسؤولية الأكبر تقع على كاهل نخبتنا، الذين من المفترض أن يعرفوا العرب والمسلمين بأحد كبار أدباء القرن العشرين وروائييه خاصة تحفته “أطفال منتصف الليل”.

لا أن يجري تقديمه بسبب رواية إشكالية –وهي أضعف أعماله فنيًا- تعتمد على الترميز الخيالي والإحالة على التاريخ الإسلامي بوصفه مرتدًا مطلوب قتله ومهدور الدم.

هناك إهانة واضحة متعددة المستويات نستطيع رصدها من خلال خيوط متوازية تمضي في مسار مصلحي نفعي لا علاقة له بغيرة على دين ولا برغبة في نصرة إسلام ولا مقدسات، إنما توظيف نفعي لأهداف ومصالح سياسية لدول وجماعات وميليشيات.

الخيط الأول.. الملايين المطلوب منهم أن يخرسوا ولا ينطقوا بكلمة اعتراض ورفض لسياسات الإفقار والتجويع وإهدار الكرامة الإنسانية وقتل وإعدام المعارضين السياسيين.. فهل بعد هذه الإهانة إهانة؟

ينبغي الحذر جيدًا وتعلم الدروس؛ فكل من رفع شعارات الدفاع عن المقدسات أو أطلق فتوى بإهدار دم كاتب أو أديب، ليس بالضرورة مخلصًا ومتجردًا لخدمة الدين، والهدف هو التنصل من المسؤولية وفرض أمر واقع وإخراس المعارضين وكبت الحريات وتسويغ الرضا بالفاشلين في الإدارة والاقتصاد بترويج مزاعم أنهم حماة حمى الإسلام والمقدسات، بهدف التغطية على العجز والفشل والفساد.

هناك أيضًا إهانة بالغة للأشخاص المستخدمين فقط كأدوات لتنفيذ فتوى القتل وهم لا يدرون شيئًا عن الهدف الحقيقي لتحريكهم؛ فربما تحركوا للشعور الوهمي بالغيرة على الإسلام والمقدسات، وفي الواقع جرى تحريكهم لتحقيق أغراض دنيئة ضيقة خاصة بمصالح أرضية لجماعات ودول.

أحد المشاركين في قتل المفكر المصري الكبير فرج فودة وهو أبو العلا عبد ربه عضو الجماعة الإسلامية المصرية -قُتل لاحقًا في سوريا بعد هروبه من مصر وانضمامه لأحد خلايا القاعدة- قال أثناء استضافته في احد البرامج أن قتله لفودة مبرر شرعًا لأنه جرى تنفيذه بناء على فتاوى تكفيره والحكم بارتداده وإهدار دمه من قبل علماء مسلمين!

مع العلم بأن الهدف الحقيقي لإصدار فتوى ارتداد فرج فودة وإهدار دمه –وهو الذي ثبتت صحة أفكاره والذي كان يدافع عن الإسلام الصحيح- أن فودة حرمهم من “السبوبة” التي كانوا يسترزقون منها عندما فضح نشاطات شركات توظيف الأموال وغيرها في كتابه “الملعوب”، وعندما هزمهم فكريًا في مناظرة معرض الكتاب الشهيرة فلجأوا لتكفيره تمهيدا لتصفيته والتخلص من إزعاجه.

مُفتون متطرفون يصدرون “فتاوى” التكفير والردة وإهدار الدم لأهداف سياسية ومصالح تخص جماعات ودول وليس لها علاقة بالإسلام ولا بنصرة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويتركون الأمر مفتوحًا للتنفيذ.

وفي كل عملية اغتيالٍ من هذا النوع هناك “فتوى” يعقبها “تنفيذ”، ويجري تجريم التنفيذ ومعاقبة الأداة التي جرى إهانتها بسبب استغلال جهلها بالخلفيات وحقائق الأمور، مقابل تجاهل “الفتوى” التكفيرية التي هي أصل الجريمة ومحركها ومسوغها الشرعي.

الكل مُهان من قبل هذه الكيانات التي تزعم أنها تدافع عن الإسلام ومقدساته وهي توظف تلك الشعارات لتحقيق أهداف بعيدة كل البعد عن جوهرها.

هي إهانة لعموم المسلمين؛ لأنها تصرفات وفتاوى لا تليق بالإسلام وبتاريخه المضيء، الثري بالعلوم والجدل الفلسفي والأفكار التنويرية والشغف بالمعرفة والحرية.

يسعى التيار التكفيري سواء السني أو الشيعي في أن يكون مرجعية عامة للأمة الإسلامية، وهو يدرك جيدًا مآلات هذا الإحياء من تكريس للجمود الفكري وللنزاعات الأيديولوجية والطائفية عبر حالة تم استخدامها في زمانها وتم استدعاؤها الآن لنفس الهدف وهو محاولة فرض عقيدة سياسية النشأة والغاية وتعميم مذهب فقهي يمثل أقلية الأقلية بين المسلمين منذ ظهوره.

ما جرى ليس مجرد حادث أو محاولة قتل عابرة سبقتها أحداث مماثلة بل وراءه مشروع والغرض هو  الدفع باتجاه سلفي أصولي متشدد سواء إسلام سياسي سني ممثل في الإخوان وداعش والقاعدة أو إسلام سياسي شيعي ممثل في كل الكيانات والميليشيات الطائفية الموالية لإيران والتي تركز على فرض العقائد على الناس والحكم على ضمائرهم، مؤديًا للفرقة والكراهية والتحزب والتمزق الطائفي.

جرى في المقابل حجب وتهميش مدارس فكرية وفلسفية في التراث الإسلامي تمزج بين النص والعقل قديمًا وحديثًا رغم إثرائها الحضارة الإنسانية بآراء سياسية وفلسفية وأبحاث علمية حول الكون والإنسان في شتى التخصصات.

إنهم يوجهون الإهانة للإسلام كله عبر اختزاله في رؤية أحادية إقصائية تكفيرية، متناسين ومتغافلين أنه ظهرت في الإسلام وعبر العصور العربية الذهبية، مدارس عدة فقهية وتفسيرية وتحليلية ونقدية.

لتيار الإسلام السياسي الشيعي ونظيره السني –الإخوان ومن على شاكلتها- رؤى وأهداف ومصالح مشتركة وأدوار متبادلة، لا تعبر ولا تخدم مصالح الإسلام الحقيقية ولا مصالح الدول العربية والإسلامية.

أصدر الخميني فتوى بتكفير الرئيس أنور السادات عقب نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م، وهو ما شجع قادة الإسلام السياسي في مصر على تنشيط فكرة الحاكمية أي تكفير الحاكم تمهيدًا لاستحلال دمه وقتله، بعد أن انزوت هذه الفكرة الخبيثة لفترة بعد إعدام سيد قطب منتصف الستينات من القرن الماضي.

قال الخميني عن الرئيس المصري أنه ليس مسلمًا لأنه تعامل مع أعداء الإسلام في إشارة لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل لذلك فهو كافر بلا شك، وهذا كان نفس مبرر تكفير الإسلاميين السنة في مصر للسادات والتحريض على قتله وصولًا لاغتياله عام 1981م، وكان واضحًا تأثر فتوى محمد عبد السلام فرج لاغتيال السادات في كتابه “الفريضة الغائبة” بالفتوى السابقة لها عندما أفتى الخميني بكفر السادات وأهدر دمه.

في واقع الأمر كان تيار الإسلام السياسي السني هم من بدأوا ذلك مبكرًا، في استخدام الاغتيالات سياسيًا مع حسن البنا والنظام الخاص، واغتيال رئيس الوزراء النقراشي والقاضي الخازندار، والتصفيات الداخلية، وتوقفوا بعد الضربات الأمنية القاسية، ثم عاودوا نشاطهم من تنظيم سيد قطب منتصف الستينات.

وفي المجمل كلاهما يفتي ويهدر الدم لا لمصلحة دين ولا للدفاع عن مقدسات إنما لمصلحة طائفة أو حزب أو جماعة أو ميليشيا.. فمن إذن يشعر بالإهانة الآن؟

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى