fbpx
مقالات

أحمد عبد المقصود يكتب: مفاجأة بريكس

قرار بريكس ضم مصر والسعودية وإيران والإمارات والأرجنتين وإثيوبيا من بين قائمة طويلة من طلبات العضوية من مختلف دول العالم التي طلبت الانضمام للمجموعة كان متوقعا، ولكن ربما كانت المفاجأة فى قبول عضوية إثيوبيا والأرجنتين، حيث يعانى اقتصاد الدولتين أشد المعاناة تحت وطأة المشاكل الهيكلية والديون.

 الأرجنتين أكبر دولة مدينة لصندوق النقد الدولي وعلى وشك الإفلاس وتقدمت مؤخرا بطلب قرض جديد من صندوق النقد ب 7.5 مليار دولار.

بينما اقتصاد إثيوبيا ضعيف جدا وبنية الدولة نفسها تئن تحت وطأة النزاعات العرقية والحروب الأهلية بين الأقاليم وبينها وبين الجيش الاتحادى، ما يهدد كيان وتماسك الدولة التي تقف على حافة الهاوية والتفتت.

من ناحية أخرى يعد ضم السعودية والإمارات حتميا لسبب مهم جدا غير قوة اقتصاد الدولتين وهو مكانتهم في نظام ربط تداول البترول بالدولار العالمي، والذي يعد أهم أسباب قوة الدولار في العالم، ودخولهم إلى المجموعة سيحول جزء كبير من تعاملاتهم في مجال البترول من الدفع بالدولار إلى الدفع بالعملات المحلية داخل بريكس خاصة أن الصين والهند من أكبر مستوردي البترول من الخليج وهو ما سيساهم بشكل كبير في فك ربط بيع البترول بالدولار.

 أما مصر فذات موقع ومكانه خاصة ومهمة في العالم ورغم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها إلا أنها أسرع الاقتصادات الناشئة نموا، وقامت خلال الـ 8 سنوات الماضية بتنفيذ خطة تحديث وتطوير في جميع المجالات خاصة مجال النقل والموانئ واللوجستيات ما جعل مكانتها تتعاظم في مستقبل حركة النقل والتجارة العالمية مع ارتفاع نسبة النمو وتزايد الانتاج المحلي بأفتتاح المشروعات الجديدة.

النقطة المهمة التي يمكن أن نلاحظها أن سياسة ضم الأعضاء لم تعتمد على المكانة الاقتصادية فقط بل على عامل مهم تمثل في احتواء المحيط الأقليمى للأعضاء وعدم ترك مساحة للأستقطاب الغربي والأمريكي لخلق أزمات حادة للأعضاء الجدد، خاصة أن كل الأزمات الإقليمية للدول المنضمة حديثا تعتبر أزمات مصطنعة ومخطط لها في الدوائر الغربية، وأزمات الخليج وأزمة سد النهضة مثال واضح على ذلك.

للتدليل على ذلك، في منطقة الخليج تم ضم إيران والسعودية والإمارات، وهنا تم سحب ملف الخلافات والتوتر المزمن بينهم إلى داخل المجموعة، وعدم ترك أي من هذه الدول تحت الضغط الأمريكي لاثارة الأزمات والحروب في الخليج.

نفس الأمر ينطبق على الأرجنتين المنافس التقليدي للبرازيل في قارة أمريكا الجنوبية والذي يبدو أن البرازيل نفسها كانت عراب ضم جارتها اللدود إلى بريكس حتى لا تصبح تحت وطأة ضغط الديون المثقلة بها للغرب ما يجعلها منصة للقلاقل مع البرازيل.

أما إثيوبيا كان ضمها أكبر المفاجأت، فلم يتوقع أحد ضمها ورفض طلب نيجيريا والجزائر وتركيا الأقوى والأكبر اقتصاديا، لكن يبدو أن إثيوبيا كان لها أكثر من عراب يسعى لدخولها إلى بريكس.

لو تكلمنا عن موقف الصين من إثيوبيا سنجدها أكبر الداعمين لدخول إثيوبيا المجموعة، حيث تعد إثيوبيا نقطة الأساس في استراتيجية الصين في القرن الأفريقي، والصين أكبر مستثمر في إثيوبيا، وهناك تنافس كبير ومحموم بين الصين وامريكا التي تعد من ناحية أخرى أكبر طرف مانح للمساعدات في إثيوبيا، والتنافس بينهم من أجل السيطرة على منطقة القرن الأفريقي انطلاقاً من إثيوبيا.

جنوب أفريقيا نفسها تعد أكبر داعم لإثيوبيا، حيث تخشى جنوب أفريقيا من المنافسة مع مصر على النفوذ داخل القارة الأفريقية وتريد أن يكون هناك أطراف أخرى تنافس مصر داخل القارة، وليس أفضل لها من أثيوبيا مقر الاتحاد الافريقي، خاصة أن العلاقات بينهما وطيدة جدا وهو ما كان واضح من موقفها من سد النهضة.

المفاجأة يمكن أن تكون فى دعم مصر نفسها لضم إثيوبيا معها إلى بريكس، وهنا نعود إلى زيارة رئيس وزراء إثيوبيا إلى مصر خلال قمة دول جوار السودان، والتي لم تكن زيارة عادية حيث استقبل آبى أحمد بحفاوة وتم ترتيب زيارات مهمة له في العاصمة الإدارية وهو ما كان محل استغراب المراقبين.

الملفت للأنتباه أكثر هو خفوت الحديث عن موضوع سد النهضة وعملية الملئ الرابع فلم نجد تصريحات ولا الصياح والتهليل الاعلامي الاستفزازي من الجانب الإثيوبي هذه المرة، مع شبه تجاهل من الجانب المصري ما يؤكد أن هناك تحركات واتفاقات تمت في الكواليس لم يفصح عنها، لكنها تصب في مصلحة تفاهم مصري إثيوبي برعاية من دول بريكس خاصة روسيا والصين ومعهم الإمارات، والمؤكد أن مصر لو صحت هذه القراءة قد قامت بنقلة نوعية مذهلة بسحب إثيوبيا من دائرة التأثير الغربي والأمريكي فى مسألة سد النهضة إلى دائرة الشراكة والتعاون من خلال عضوية الدولتين في بريكس.

 ما حدث يؤكد صحة حديث الرئيس سابقا عن موضوع سد النهضة عندما قال أن على الشعب الأ يشعر بالقلق، وأنه لن يسمح بالتفريط في نقطة ماء واحدة.

والمؤكد أيضا أن انضمام مصر إلى بريكس يصب في مصلحة صحة كلام الرئيس في لقاءاته الأخيرة أن الأزمة الاقتصادية ستنتهى، وأن أزمة الدولار ستكون من الماضي، ويبدو أن الوعود قد بدأت تلامس الأرض لكنها ستحتاج إلى وقت وهذا له حديث آخر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى