fbpx
مقالات

أحمد المسلماني يكتب: “كيف تعلِّم كلبك الفلسفة؟”

في كتابه «فلسفة القطط» يروي «جون جراي» قصة محاولة أحد الفلاسفة تعليم قطته أن تكون نباتيّة.. ومحاولة أخرى لتعليم القطط المبادئ الماركسية.

في التجربة الأولى.. أصبحت القطة نباتية داخل المنزل، ولكنها ما إن خرجت من الباب حتى راحت تصطاد فرائسها.

وفي التجربة الثانية تنوعت ردود فعل القطط، فمنها من ابتعد ولم يكترث، ومنها من قرر النوم، ولكن بعضها كان ينظر ويسمع!

ثمّة عنوان مثير في هذا السياق: إنه عنوان كتاب «كيف تعلِّم كلبك الفلسفة» لأنتوني ماكفوان، وهو كتاب مترجم للعربية، ويقع في (330) صفحة. يعرض الكتاب تاريخًا مبسّطًا للفلسفة، منذ القرن السادس قبل الميلاد حيث ازدهار الفلسفة اليونانية، وحتى الفلسفة المعاصرة.

لا علاقة لعنوان الكتاب المثير بمحتواه الجادّ، إذْ ينتهي الكتاب بالنصح بدراسة الفلسفة، لأنها المدخل الرئيس لتحسين الوعي، وصقل الشخصية.. لأجل التعامل مع الحياة. الفلسفة مجال ممتع ومشوّق، ولكن المدهش فيها، هو أن كل فيلسوف يبدأ مشروعه الفلسفي بالوقوف على تاريخ الفلسفة..

قبل أن يصل إلى ما يريد. وربما كان معظم إنتاج الفلاسفة هو عرضهم لتاريخ الفلسفة، أي أن الفلاسفة هم في الواقع مؤرخون للفلسفة، ومنتجون لبعضها.

إن السؤال البديهي: ما هي الفلسفة؟ قد تكرّر على مدى ألفي عام، ولازال يتردد إلى اليوم، ومثل كتاب هايدجر «ما هي الفلسفة» يوجد العنوان نفسه لدى عشرات الفلاسفة.

وإذْ يعتقد كل فيلسوف أنه قد شرح ما هي الفلسفة بعد الانتهاء من كتابه، فإن فيلسوفًا كبيرًا مثل «فيخته» يقول ساخرًا: لا يوجد (6) أشخاص في العالم يعرفون ما هي الفلسفة!

في ندوة مميزة عقدها معهد الفلسفة بأكاديمية العلوم الروسية، ونشرتها مواقع فكرية، قدّم الفيلسوف الروسي «تيودور أوبزرمان» ورقة لافتة، وقد كان نقاش الحضور لافتًا هو الآخر.

وربما يمكننا الوقوف هنا على ما تمت إثارته في النقاط التالية: أولاً: الفلسفة هي محاولة الإجابة على الأسئلة الكبرى.. ما الوجود؟ ما الحياة؟ ما الحقيقة؟ ما الذات؟ ما الآخر؟ ما الكون؟ ما الروح؟.. وهكذا.

ثانيًا.: الفلسفة في معناها اللغوي هي: حبّ الحكمة.. وعلى ذلك فإن إجابة الناس العاديين على الأسئلة الكبرى ليست هي الفلسفة، بل الفلسفة هي إجابة الشخص الحكيم على ذلك.

ثالثًا: الخلافات بين الفلاسفة هي إثراء للفلسفة، فتاريخ الفلسفات المتعارضة، والمذاهب المتناقضة كلها إضافة مؤكدة.. والقول الفصل في ذلك: إنّ كلّ نفي للفلسفة هو فلسفة.

رابعًا: الدين والعلم والفلسفة.. لكل دوره ورسالته، فالدين مسؤول عن أن يكون الشخص أخلاقيًا، والعلم مسؤول أن يكون قويًّا، والفلسفة مسؤولة أن يكون حرًّا. إن هذه النقاط يمكن تسميتها: «فلسفة الفلسفة».

لقد كان للفلاسفة المسلمين دور كبير في تطوير الفلسفة، ليس فقط نقل وشرح الفلسفة اليونانية، بل تقديم فلسفة خالصة جديدة تجمع ما بين العقل والنقل، حيث يعمل الدين والفلسفة معًا لصالح الحياة الروحية والمادية للإنسان.

بعض الفلاسفة ذهب بعيدًا عن الدين.. صاروا خصومًا للروح، وأعداءً للسماء.. لكن جزءًا مهمًا منهم ظلّ يمثل الفلسفة المؤمنة.. حيث تحالف الروح والعقل.. العلم والإيمان.. الدين والدنيا. تحيةً لهؤلاء، ولما يكتبون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى