fbpx
سلايدرمعرفة

قبيل زيارته للقاهرة، قراءة في سياسة “نفتالي بينت” وتوجهاته

كتبت: نيفين أبوحمده

بدأت الحكومة الإسرائيلية التناوبية “بينيت-لابيد” عملها فى يونيو 2021، برئاسة  “نفتالى بينيت”  اليمينى المُتدين رئيس حزب”يمينا”، يضم الإئتلاف  يضم ثمانية أحزاب متباينة التوجهات، بينهم حزب فلسطينى (عربى ).

 

صهيونى متدين، ويمينى متطرف

يُعد “نفتالى بينيت” أول متدين، يلتزم بارتداء “الكِيبا” (القلنسوة – رمز اليهودى المتدين) ، من التيار الدينى الصهيونى يترأس الحكومة الإسرائيلية ، كعادته – حرص على الظهور خلال خطابه كرئيس للحكومة بمظهر أكثر يمينية حد التطرف من سابقه نتنياهو، رغم بداياته الليكودية عام م2006، وترأسه لحملة نتنياهو الانتخابية الداخلية عام 2007م.

تولى ” بينيت” رئاسة مجلس مستوطنات الضفة الغربية عام 2010م، واشتهر بمعارضته لتجميد الاستيطان في الأراضى المحتلة منذ عام 1967م، ترأس حزب البيت اليهودى 2012 (الصهيونية الدينية ).

خلال أزمات تشكيل الحكومة والخلافات السياسية الداخلية في إسرائيل المستمرة منذ عامين – استقال بشكل مفاجئ من حزب “البيت اليهودى”  وانضمت إليه في الاستقالة “أيليت شاكيد” وأنشأ معها حزب “اليمين الجديد” ثم حزب “يمينا” – ما اعتبره بعض المحللين أنه اعتراف بوجوب التغيير الأيديولوجى للصهيونية الدينية العنصرية والمتطرفة سياسيًا، دون الخروج من عباءة اليمين المتطرف.

ائتلاف رغم الاختلاف

يعتبر التناقض سمة حكومة “بينيت” ، المُكونة من تآلف معسكرى اليمين والتغيير، كما حمل معسكر التغيير تناقضًا داخليًا أقصى اليمين أقصى اليسار- الوسط ، إضافة للقائمة الموحدة (الجناح الجنوبى للحركة الإسلامية داخل إسرائيل) ، كما يظهر حجم التناقض فى اتفاقيات الائتلاف ومعالم سياسات الاستيطان على سبيل المثال، ما يوحى بهشاشتها وعدم قدرتها على البقاء- قياسًا على تاريخ السياسة فى إسرائيل؛ لكن ثمة شى هام يوحد هذا الائتلاف المختلف – بعد إسقاط نتنياهو، الحرص على منعه من العودة مرة أخرى .

بدأت حكومة بينيت إجراءات طبيعية أو حتى روتينية، إلا أنها كانت تدعم وجودها أمام الرأى العام الداخلى لتحظ بتأييده وتستقر في وعيه، دليلًا على ثبات الحكومة ، ونفى ما شاع عنها، كونها حكومة تسيير أعمال،  نذكر أبرزها على سبيل المثال لا الحصر:

أ-داخليًأ : حرص”بينيت” على الظهور أكثر يمينية وتدينًا من نتنياهو خلال خطابه واستعراض حكومته أمام الكنيست، دعى الفلسطينيين إلى “الهدوء” مقابل تقديم التسهيلات، خلافًا لسياسات اليمين الإسرائيلى تخلت حكومته عن سريان قانون المواطنة القائم منذ سنوات طويلة، وأسقطت منع لم شمل العائلات الفلسطينية داخل إسرائيل – فى أول تحدٍ تواجهه، ورغم التردد الواضح فى فرض الإغلاق من عدمه لمواجهة الموجة الرابعة فيروس كورونا ، إلا أن مؤشرات الاقتصاد الإسرائيلى سجلت قفزة  بنسبة14.5% من مارس على يونيو فقط  خلافًا للتوقعات.

ب -خارجيا: تلقى دعوة للقاء الرئس الأمريكى في حين لم يلتق به نتنياهو رغم مرور حوالى 5 شهور على تولى بايدن قبل مغادرة نتنياهو منصبه ، والتقى قبلها العاهل الأردني بعيدًا عن الأضواء ، كما تلقى دعوة رسمية  لزيارة مصر خلال لقاءه برئيس جهاز المخابرات المصرى اللواء”عباس كامل”، كما خرج “يائير لابيد” لزيارة المغرب وزار إسرائيل وزير خارجية البحرين، وزاد حجم التبادل التجارى والثقافى بين الامارات وإسرائيل.

“بينيت” وإيران

يؤكد  بينيت والمقربون منه مرارًا وتكرارًا ، أن سياسة إسرائيل واستراتيجيتها بشكل عام  سيختلفان تمامًا عنهما فى حكومة نتنياهو، وفيما يتعلق بإيران ونفوذها والبُعد النووى -خاصة بعد انتخاب “إبراهيم رئيسى” والتوقعات بدخول إيران مرحلة من التطرف هى الأشد منذ الثورة الإسلامية عام 1979م ، كما أكد بينيت خلال زياته للولايات المتحدة الأمريكية على رفضه لفكرة العودة للإتفاق النووى مع إيران، وألمح إلى استمرار إسرائيل فى هجماتها على كل ما يتعلق  البرنامج النووي الإيراني، وسيعمل على تعزيز العلاقات مع الدول العربية  خاصة تلك المعارضة لنفوذها الإقليمى بهدف تشكيل “تحالف إقليمي مضاد لإيران، كما يسعى جاهدًا لرأب الصدع مع الديموقراطيين الذى ورثه من نتنياهو.

 

“بينت” والقضية الفلسطينية

كانت تصريحات “بينيت للإعلام العبرى واضحة في هذا الشأن منذ اليوم الأول؛ فهو دائم التأكيد على معارضته لإقامة دولة  فلسطينية، ولن يجرى أية مفاوضات مع السلطة الفلسطينية، واعتبر أن المشكلات الناتجة من الصراع مع الفلسطينيين يمكن حل معظمها من خلال اتفاقيات اقتصادية، واكد أنه سيواصل التمدد الاستيطانى في الضفة الغربية، وعلى استعداده خوض حروب أخرى ضد “حماس” حتى لو كان ثمن ذلك أن يفقد دعم القائمة الموحدة لبقاء لحكومته .

زار “بينيت” واشنطن مع الكثير من حسن النية تجاه القضية الفلسطينية وفقًا لما صرحت به المصادر المقربة منه، والتي أكدت على  وجود اختلاف في وجهات النظر داخل الحكومة الإسرائيلية ومع إدارة بايدن في هذا الشأن .

ماذا يعنى حسن نية “بينت”؟

يُركز “بينت” في هذا الشأن على الاقتصاد والإصلاحات الاجتماعية ، فى مباحثاته مع الرئيس الأمريكى أو تحركات فعليه، ما اتضح في تصريحاته التي أعلن فيها رغبته فى  تحسين الحالة الاقتصادية  للفلسطينى على مستوى الأفراد فقال:” لن نترك العامل الفلسطيني يستيقظ عند الـثالة  فجراً  ويقف في طابور طويل للوصول إلى تل أبيب فى السابعة”.

أصدر”بينيت”  توجيهاته لرئيس هيئة الأمن القومى “أيال خولتا”، بتحسين الأوضاع على المعابر من وإلى إسرائيل، وتيسير حياة الفلسطينيين، ذلك  لأن  المصالح الإسرائيلية تتعلق بالاستقرار الأمنى ورفع مستوى المعيشة في الضفة الغربية.

التقى “بينى جانتس” وزير الدفاع  بالرئيس الفلسطينى فى رام الله  بعد موافقة بينيت المسبقة على هذا اللقاء، وقدم “جانتس”عروضًا وقروضًا ومساعدات تضمن الاستقرار والهدوء في محيط غزة، ما ظاهره محاولة إسرائيل إحتواء حالة الغليان هناك ، رغم العنف الذى شهده السياج الحدودى، بدلًا من توقيع عقوبات على القطاع من شأنها تهدئة الراى العام الداخلى بعد مقتل جندى حرس الحدود الإسرائيلي كالمعتاد سابقًا.

سمحت إسرائيل بدخول بضائع كانت ممنوعة في الماضى استخدامتها حماس في إرساء  بنية تحتية عسكرية وسمحت لآلاف العمال الفلسطينيين بالدخول إلى إسرائيل، وعودة الصيد لما كان عليه قبل عملية حارس الأسوار، فى نطاق15 ميل، لتعزيز الاقتصاد وإعادة تشكيل الواقع الأمنى والاجتماعى والاقتصادى فى الضفة وقطاع غزة.

خاتمة

1 – قد تبدو سياسات بينيت متناقضة، أوتختلف تصريحاته عن تحركاته وحكومته على أرض الواقع ؛ لكن هذا هو دأب اليمين الإسرائيلى؛ دائما له خطابان  – أحدهما موجه للرأى العام الداخلى والآخر الخارجى وفقًا لما تقتضيه مصلحة إسرائيل.(يرفض عقد لقاءات مع الفلسطينيين ويلتق وزير دفاعه بموافقته المُسبقة والمسؤول الأول عن الأمن برئيسهم، تنفى إسرائيل اللقاء ثم ينتقده “لابيد” بعد الكشف عنه ، يرفض “بينيت” التعليق  على افتتاح أمريكا قنصليتها فى شرق القدس لإدارة مصالح الفلسطينيين، ويتمنى رجاله أن يقتنع “بايدن” بمراجعة القرار … وهكذا).

 

2 – يتعامل “بينيت” على خطين متوازيين؛ استخدام القوة بسرعة وحذر ردًا على أى تهديد امنى وإن كانت بالونات حارقة ، ثم يجرى المفاوضات ( غير المباشرة ) من خلال وسيط ليضمن الهدوء لفترة تسمح ببقاء الائتلاف الحكومي ثابتًا، متفرغًا للشأن الداخلى.

3 –  قبل أن يأت بينيت للقاهرة

يبدو أن” بينيت” متخوف أو على الأقل متردد من زيارة القاهرة لعدة أسباب أهمها :

أ. تأكد بينيت من  احتفاظ مصر وحدها بأوراق ضغط فى القضية الفلسطينية مما ليس لغيرها ، وأنها الأكثر اعتدالًا فى المنطقة ولن تنازعها أية دولة أخرى في ريادة المنطقة كما كان يطمح نتنياهو بعد اتفاقيات التطبيع مع دول الخليج.

ب. حذر الخبراء الإسرائيليون “بينيت” من استفزاز أو انتقاد التحركات المصرية – على الأقل حتى لا تنضم للمحور الصينى أو الروسى ، ومن  قيام دولة فلسطينية ( أفغانستان صغيرة فى المنطقة) تُشكل تحالفًا مع أولئك الذين يكتفون بالدعم اللفظى لها  مثل تركيا ، إيران ، والإخوان المسلمون، مما قد يتسبب في انهيار إسرائيل التى ليس لها عمق استراتيجى، ويضر بالمصالح الأمريكية فى المنطقة.

ج. أشار أحد المحللين السياسيين الإسرائيليين بالترويج الداخلى لفكرة أن الدعوة وزيارة “بينت” للقاهرة ما هى إلا طلبًا للوساطة الإسرائيلية ما بين مصر وأمريكا في ظل رئاسة بايدن – حال الضغط عليه لعقد اتفاق مع الفلسطينيين، ما ظاهره تقديم تنازلات إسرائيلية.

 

أخيرًا :

رغم تصاعد اليمين سياسيًا واجتماعيًا ودينيًا فى إسرائيل، وميل المجتمع بشكل عام نحو التعصب والعنصرية ، إلا أن معظم اتفاقيات السلام عُقدت مع قوى يمينية ، وقد تأت حكومة بينيت بما لم يأتِ به غيرها في سبيل استقرارها واستمرارها كما فعلت بشأن لم شمل الأسر الفلسطينية دخل إسرائيل، فهل سيُغلب “بينيت” مواقفه الأصلية ليحظَ بتأييد شعبى وهدوء سياسى على المستوى الداخلى ؟ أم سيدفع قُدماً نحو انجازٍ غير متوقع وغير مسبوق، يُخلد اسمه على المدى البعيد رغم ما سيجنيه من خلافات مع الولايات المتحدة الامريكية ؟ هذا ما ستحمله لنا الأيام المقبلة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى