fbpx
تقاريرسلايدر

طوفان الأقصى.. لم يكن بداية الهجرة العكسية من دولة الاحتلال

كتبت: نسرين طارق

منذ نشأة إسرائيل ولأكثر من سبعين عاما سعت الحركة الصهيونية منذ بدايتها إلى جذب اليهود من كل دول العالم واستقطابهم للهجرة إلى فلسطين والاستيطان فيها وظلت حكومات الاحتلال الإسرائيلي المتعاقبة تحشد رموزها وقادتها وأبواقها الإعلامية لاستقطاب مزيد من اليهود إلى إسرائيل.

“إن انتصار إسرائيل النهائي سيتحقق عن طريق الهجرة اليهودية الكثيفة، وإن بقاءها يتوقف فقط على توفر عامل واحد؛ هو الهجرة الواسعة إلى إسرائيل”، تصريح بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل (1948ـ 1954).

حيث تشكل المجتمع الإسرائيلي منذ نشأته عام 1948 من موجات الهجرة القادمة من أنحاء العالم، بعدما أقرّت اسرائيل في يوليو 1950 تشريعا أسمته “قانون العودة” الذي يُعطي اليهود حق الهجرة إلى إسرائيل والاستقرار فيها ونيل الجنسية الإسرائيلية، بهدف جذب يهود العالم إلى فلسطين.

الصعود والهبوط لدى الصهيونية

صاغت الصهيونية مصطلحين للهجرة، الأول هو الصعود ” “עלייה” أو الهجرة إلى فلسطين، و حمل هذا المصطلح دلالة دينية وروحانية لتحفيز النازحين اليهود على الهجرة والاستيطان في فلسطين، وأن المهاجر الصهيوني بهذه الهجرة ينفذ وعد الرب.

أما الثاني، وهو الهبوط  “ירידה”، والذي أطلق على النازحين من إسرائيل، وقد حمل هذا المصطلح دلالة سلبية في المجتمع الإسرائيلي وأن من يترك إسرائيل يتخلى عن الحلم الصهيوني، وبالتالي يتخلى عن وعد الرب.

انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة الهبوط أو ما يسمى بالهجرة العكسية، وهم الذين يغادرون إسرائيل لدول أخرى.

ويعد تراجع الهجرة الى اسرائيل مع موجات المغادرين منها، خطرا حقيقيا على وجود الكيان الاسرائيلى ككل.

أما الوضع في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو، تواجه اسرائيل اعلى موجة هجرة عكسية لنحو مليون يهودي، منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر الماضي، ما يهدد “وجود إسرائيل”، على حسب تحذير مؤسسها.

في الوقت الذي تسعى إسرائيل جاهدة لتهجير 2.3 مليون فلسطيني من قطاع غزة، تواجه بالمقابل تهديدا وجوديا لكيانها بفعل تسارع الهجرة اليهودية العكسية من أراضي فلسطين.

الحرب الإسرائيلية على غزة تخفي بين طياتها “حربا ديمغرافية”.

وإذا أخذنا رقم مليون فرد كمتوسط هجرة عكسية، فإن ذلك يمثل 14 % من يهود إسرائيل، وهي نسبة كبيرة لبلد يقوم على جلب اليهود من الشتات وتفريغ فلسطين من سكانها الأصليين، وفق الشعار اليهودي “شعب بلا أرض لأرض بلا شعب”.

ازدياد اعداد المغادرين

بنهاية عام  2020 وصل عدد اليهود الذين غادروا إسرائيل 756 ألفا ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية، ثم ارتفع العدد إلى 900 ألف بنهاية عام 2021، وفقا لبيانات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، بينما ارتفعت الأعداد بشكل ملحوظ منذ السابع من أكتوبر الماضي.

وكشفت صحيفة “ذي ماركر” الإسرائيلية أن أكثر من 230 ألف مستوطن غادروا إسرائيل منذ اكتوبر الماضي، ويتوقع ارتفاع أعداد المغادرين مع استمرار العدوان على قطاع غزة.

كما كشف موقع أخبار تأشيرة شنجن الأوروبي، عن زيادة إقبال الإسرائيليين على طلبات الحصول على الجنسية البرتغالية بنسبة 68%، والفرنسية بنسبة 13%، والألمانية بنسبة 10%، والبولندية بالنسبة نفسها.

فقدان الإسرائليين شعور الأمان

ووفق صحف إسرائيلية، فإن السبب الأبرز للهجرة العكسية، هو فقدان الإسرائيليين شعور الأمان بسبب تخوف الإسرائيليين من اعتماد حكومة بنيامين نتنياهو على أحزاب التيار الديني واليمين المتطرف، وزادت وتيرة موجات الهجرة مع تزايد عمليات المقاومة الفلسطينية.

خلقت حركات الهجرة العكسية حالة من القلق الوجودي لكيان إسرائيل وهدم معنويات الإسرائيليين، والذي تغذيه بعض المعتقدات اليهودية والتلموذية التي تتحدث عن زوال إسرائيل كما زالت “ممالك إسرائيل” في السابق، والتي لم تكمل ثمانية عقود، أو بدأت في التفكك منذ العقد الثامن لها حسب بعض النبوءات الإسرائيلية.

الإنهيار الاجتماعي الإسرائيلي

فقدان الشعور بالأمان والثقة، لدى المجتمع الاسرائيلي نتيجة الغليان الإسرائيلي الداخلي والانقسام الحاد بسبب الإصلاحات القضائية التي تبنتها الحكومة الحالية، والتي تقضي بتقليص صلاحيات المحكمة العليا لصالح الحكومة، وهذا ما أشعر اليهود الليبراليين بأن إسرائيل الدولة الديموقراطية، تحولت إلى دولة دكتاتورية، ثم اعقب ذلك عملية طوفان الاقصى، التي زاذت من شعور الاسرائليين بعدم الامان اكثر واكثر.

علاوة على ذلك، تعرضت الحكومة الحالية التي يرأسها نتنياهو للعديد من المظاهرات الرافضة لها والمطالبة برحيلها، بعد فشلها في التصدي لعملية طوفان الأقصى واعادة الرهائن المختطفين.

النزوح الخارجي والداخلي

نشأت ظاهرة النزوح الداخلي للمستوطنين الهاربين من مناطق غلاف غزة، وما ينجم عنها من آثار اقتصادية واجتماعية ونفسية في شريحة واسعة من المستوطنين.

نشر معهد البحوث الاقتصادية (ERI) في تل أبيب دراسة في يوليو الماضي حذرت من أن ثقة الشباب في الحكومة الإسرائيلية ومؤسسات الدولة قد تضاءلت بشدة في الأشهر الأخيرة.

وأظهر التقرير أن حوالي 56% من الشباب الإسرائيلي قالوا إنهم يدرسون عمليا خيار الهجرة.

كما أفادت مصادر اخرى أن نحو 500 طبيب هاجروا من إسرائيل بشكل دائم بسبب خطة نتنياهو المثيرة للجدل لتعديل القوانين القضائية.

وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، أن 47 % من الإسرائيليين المغادرين بلادهم أو الذين سافروا للعمل في الخارج قرروا عدم العودة إليها أبدا.

هذا بالإضافة الى أعلان الجيش الإسرائيلي أن 500 ألف نزحوا داخل إسرائيل، وهم مستوطنون مهاجرون في الأصل، فيما أخليت مدينة سديروت بالكامل، وهي تضم نحو 20 ألف مستوطن، كما يتم إخلاء المستوطنات القريبة من الحدود الشمالية مع لبنان.

كما أوضحت دراسة أجرتها دائرة التنظيم والعلاقات مع الإسرائيليين في الشتات، أن هناك نحو مليون إسرائيلي يعيشون خارج بلادهم، ونصفهم لا يريد العودة إليها أبدا، خاصة وأنهم يشعرون أن وضعهم الاقتصادي قد تحسن في الدولة التي يعيشون فيها في الوقت الحالي، ونسبة قليلة منهم، تقدر بـ 10% فقط أشاروا إلى أن وضعهم الاقتصادي تدهور عندما انتقلوا إلى الخارج.

ولفتت الدراسة الإسرائيلية التي نقلتها الصحيفة العبرية إلى أن هناك أسبابا أخرى للهجرة العكسية، من بينها مرافقة الزوج بنسبة تقدر بنحو 29 % ، كما أن نحو 25 % قد غادر إسرائيل للدراسة في الخارج، فضلا عن سبب آخر للهجرة وهو الابتعاد عن الأسرة أو العائلة ككل.

وذلك بالتزامن مع توقعات ارتفاع معدلات البطالة نتيجة توقف المنشآت الصناعية والسياحية والخدمية وخروج بعضها عن العمل جزئيًا أو كليا، بجانب زيادة معدلات الجريمة والانتحار والإحباط واليأس بسبب الفشل الأمني والعسكري الإسرائيلي في إدارة الأزمة الراهنة.

الوضع في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو، يواجه هجرة عكسية واسعة لنحو مليون يهودي، منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ما يهدد “وجود إسرائيل”، على حسب تحذير مؤسسها.

في الوقت الذي تسعى إسرائيل جاهدة لتهجير 2.3 مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى صحراء سيناء المصرية، تواجه بالمقابل تهديدا وجوديا لكيانها بفعل تسارع الهجرة اليهودية العكسية من أراضي فلسطين التاريخية، منذ إطلاق حركة حماس عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول.

فالحرب الإسرائيلية على غزة تخفي بين طياتها “حربا ديمغرافية” حول من يكون له التفوق البشري والعددي خاصة في ظل الحروب التي لا تتوقف إلا لتشتعل بين الطرفين.

ففي ظل النقص العددي ليهود إسرائيل، تضطر تل أبيب للاعتماد على جنود الاحتياط بنسبة 65 بالمئة، إلا أن ذلك يكلفها على الصعيد الاقتصادي أموالا طائلة، ما يجعلها تفضل الحروب القصيرة، حتى تستطيع تسريحهم للعودة إلى مهنهم المدنية، وتحريك عجلة الاقتصاد ثانية.

كما أسهمت عملية “طوفان الأقصى” في ارتفاع عدد المهاجرين اليهود بشكل عكسي من إسرائيل، فحسب إحصاءات رسمية غادر الآلاف منذ أكتوبر الماضي بعد إخلاء مستوطنات غلاف غزة، وفي ظل استمرار استهداف تل أبيب والمدن الإسرائيلية في الأراضي المحتلة بصواريخ المقاومة الفلسطينية.

تأثير الهجرة العكسية عل إسرائيل

تؤثر الهجرة العكسية على قطاعين رئيسيين في إسرائيل، الاقتصادي والذي يتمثل في نقص العمالة، والثاني متعلق بالقطاع العسكري الذي يعاني من رفض الالتحاق بالجيش، لأسباب مختلفة.

كما حرمت الحرب على غزة إسرائيل من استخدام الأيدي العاملة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفاقمت أزمة الحاجة إلى عمالة في مختلف الأنشطة الصناعية والزراعية والخدمات.

وفي ظل النقص العددي ليهود إسرائيل، تضطر تل أبيب للاعتماد على جنود الاحتياط بنسبة 65 %، حيث استدعى الجيش الإسرائيلي 360 ألفا من جنود الاحتياط من إجمالي 465 ألفا إلا أن ذلك يكلفها أموالا طائلة، ما يجعلها تفضل الحروب القصيرة، حتى تستطيع تسريحهم للعودة إلى مهنهم المدنية، وتحريك عجلة الاقتصاد.

هذا الوضع دفع إسرائيل لتسريح جزء من الاحتياط لتخفيف الضغط على بعض القطاعات الاقتصادية، وأيضا تعويض العمالة الفلسطينية بأيدي عاملة من الهند وسيريلانكا والصين بمرتبات أعلى ومزايا أفضل، وهو ما سيرفع من تكاليف المرتبات وأسعار السلع الإسرائيلية ما يجعلها أقل تنافسية مع نظيراتها الأجنبية.

وبالنسبة للقطاع العسكري، فالهجرة العكسية مرتبطة في جزء منها برفض التجنيد، أو التهرب من الخدمة العسكرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى