fbpx
تقارير

ما علاقة فاجنر؟ رئيس تحرير ويكيبيديا يستقيل.. واطلاق نسخة صديقة لبوتين

                                                                                             

متابعة: أشرف التهامي

عندما سيطر مرتزقة “فاجنر” على عاصمة إحدى المقاطعات الروسية وبدأت بالزحف باتجاه موسكو في أواخر شهر يونيو الماضي، كان من الصعب الوصول إلى معلومات موثقة عن الحدث، بما أن الآلة الإعلامية لبوتين تجاهلت عصيان مجموعة فاجنر إلى حد بعيد في البداية، في حين سارعت الرقابة التابعة للحكومة الروسية إلى حظر الوصول إلى أخبار جوجل من خلال أكبر مزودات للإنترنت في البلد، إلى جانب إخفاء نتائج البحث عن أمور معينة، مثل أي معلومات تتصل بزعيم المتمردين، ييفجيني بريجوزين، وذلك على محرك البحث الروسي يانديكس.

كان الاستثناء الوحيد من كل ذلك هو موسوعة ويكيبيديا التي نشرت مقالة مفصلة باللغة الروسية عن الانتفاضة شملت نقل أخبار جديدة ساعة وقوعها، كما استشهدت هذه المقالة الطويلة المؤلفة من آلاف الكلمات والتي تحمل العنوان: “عصيان مجموعة فاجنر” بمصادر تراوحت ما بين وسائل إخبارية إعلامية يصفها الكرملين بالعميلة للأجنبي، وذلك لعدم وقوفها ضد الصحف الأمريكية وانحيازها للإعلام الرسمي الروسي، فحصدت أكثر من 270 ألف مشاهدة في اليوم الأول لنشرها.

تعتبر ويكيبيديا أحد أشهر المواقع في روسيا، إذ يزورها شهرياً نحو 95 مليون زائر، بينهم عشرة آلاف محرر ناشط فيها نشروا ما يقارب من مليوني مقالة باللغة الروسية، بيد أن حضورها الذي استمر في روسيا خلال حقبة بوتين أمر مستغرب قليلاً، بما أن الكرملين اتخذ خطوات عدائية للسيطرة على ما يقال ويكتب عن الحكومة وسياساتها، في توجه لم يزد إلا تسارعاً منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ أتت الرقابة في زمن الحرب بقوانين جديدة ضد ما يفترض أنه تضليل إعلامي، مع حظر للمواقع الإخبارية الإلكترونية، والمنظمات المدنية، بل حتى للتنظيمات البيئية.

وفي الوقت الذي بقيت فيه ويكبيديا موجودة في روسيا حتى اليوم، ظهرت مؤشرات تفيد بتغير الأمور ضدها، إذ منذ شهر مارس من عام 2022 وحتى شهر يونيو من هذا العام، والحكومة الروسية تفرض عليها عقوبات، فقد وصلت قيمة الغرامات المفروضة عليها لنحو 23 مليار روبل (ما يعادل 255 مليون دولار)، وذلك بحسب ما أوردته مؤسسة ويكيبيديا في سان فرانسيسكو والتي تستضيف الخوادم التي تشغل ويكيبيديا الروسية ولهذا فهي المسؤولة بحكم القانون عما ينشر فيها.

يخبرنا جاكوب روجرز، وهو محام يمثل المؤسسة أمام المحاكم الروسية، بأن ويكيبيديا لن تقبل بأي طلب من قبل الحكومة الروسية لإزالة أي محتوى، وهي الآن تطعن بالغرامات أمام المحكمة، وأضاف: “نعتقد بأن ويكيبيديا مليئة بمعلومات جيدة بأكملها، وبأن لديها مصادر موثوقة تمثل وجهات نظر مختلفة عن تلك الموضوعات، وبأن المستخدمين يبلون بلاء حسناً عبر الاطلاع على النسخة المكتوبة منها لكونها تمثل وجهة نظر محايدة”.

نذير شؤم

أعرب بوتين وبكل وضوح ومنذ أمد طويل عن امتعاضه من ويكيبيديا، وتعهد في عام 2019 بدعم أي بديل عنها يمكن أن يتحول إلى مصدر موثوق للمعلومات التي تقدم بطريقة جيدة وعصرية بحسب تعبيره. وخلال شهر إبريل الفائت، أعلن فاليري فادييف، رئيس مجلس حقوق الإنسان، والناطق الرسمي الذي يدعمه الكرملين فيما يتصل بالقضايا التي تتعلق بالمجتمع المدني، بأن تغطية ويكيبيديا للحرب على أوكرانيا بررت أمر الاستعاضة عنها بنسخة محلية أكثر تعاوناً، وخلال الشهر ذاته، أعلن مقصود شاداييف، وزير التنمية الرقمية في روسيا، خلال مؤتمر صحفي، بأن الحكومة الروسية لم تخطط لهذا الأمر، لكنها بالكاد منحت الثقة لهذه الموسوعة، وقال: “لم نحجب ويكيبيديا بعد، ولا توجد خطط نحو هذا التوجه حالياً” بحسب ما نقله وكالة الأنباء الروسية إنترفاكس.

وفي مؤشر اعتبره كثيرون نذير شؤم، ظهرت نسخة شبيهة بويكيبيديا الروسية على شبكة الانترنت في 27 من يونيو الماضي (إذ تبيح رخصة ويكيبيديا للمستخدمين التوسع في الخدمة ونسخ المصدر وإطلاق نسخة بديلة في ظل ظروف معينة). وهكذا، حُذفت مقالات حول موضوعات حظرتها روسيا، كتلك التي تتحدث عن انتهاكات لحقوق الإنسان في بوتشا عند بداية الحرب على أوكرانيا وظهرت مقالة حول مجموعة فاجنر، من دون أن تأتي على ذكر العصيان. كما حُذفت مقالة تتحدث عن ظهور أنشودة بذيئة مناهضة لبوتين راجت بين صفوف عشاق كرة القدم في أوكرانيا.

رويكي… بديل ويكيبيديا

أطلق على الموقع الجديد اسم رويكي، وهو اختصار شائع لويكيبيديا روسيا، وهي موقعة باسم فلاديمير ميدييكو، الذي شغل منصب رئيس التحرير في ويكيبيديا الروسية لفترة طويلة، ولذلك صُعق زملاؤه عندما استقال من عمله الذي زاوله منذ عام 2003، وما أذهلهم أكثر السبب الذي دفعه للاستقالة، وهو إنشاء ويكيبيديا منافسة تنصاع لأوامر الكرملين.

ميدييكو في موسكو

ومن جهته، أعلن ميدييكو أنه لا يعمل لدى الحكومة الروسية، وقال بإنه حاول إصلاح ويكيبيديا من الداخل لفترة امتدت لأكثر من عقد من الزمان قبل أن ينشق عنها، ثم استقال بعدما عثر على مستثمرين يشاطرونه العقلية والأفكار نفسها، بيد أنه رفض التصريح عن أسمائهم. يتسم الموقع الجديد بتراجع حرية جميع الناس بالوصول إليه مقارنة بويكيبيديا الأصلية. إذ في نسختها التجريبية، لا يوجد خيار التحرير من قبل أعضاء لا ينتمون لفريق رويكي، على الرغم من أن خطة ميدييكو تقوم على السماح لمشاركات المتطوعين بالظهور مع أغلب المقالات، إلى جانب وجود لجان من الخبراء تقوم بفحص المادة والتدقيق فيها، إذ علق على هذا بقوله: “لا يهتم الخبراء بالمشاركة في ويكيبيديا لأنهم لا يرغبون بالجدال مع الناس الذين لا يتمتعون بتعليم جيد لكنهم يشاطرونهم الحقوق نفسها”.

 ميدييكو رئيس تحرير القسم الروسي في ويكيبيديا

تتبع رويكي للقوانين الروسية وتحتفظ بحيادتيها بحسب رأي ميدييكو الذي قال: “ستكون هنالك شروط صارمة بالنسبة لجودة المصادر والصياغة التي لا مجال للجدال عليها، وذلك فيما يتعلق بالأحداث الحالية”. بيد أن مقالة رويكي حول الغزو الروسي لأوكرانيا لم تصف الحرب بالغزو، بل تحدثت بكل بساطة عن عمليات عسكرية بدأت في أوكرانيا في 24 من شباط 2022، سبقتها أزمة في العلاقات بين البلدين.

وفي الوقت الذي يخبرنا فيه ميدييكو بأنه يعارض فكرة حظر ويكيبيديا، يرى بعض المتشددين لدى الحكومة في مشروعه طريقة لتحقيق ذلك، إذ كتب ألكساندر خينشتين، رئيس اللجنة الرقمية في البرلمان الروسي عبر حسابه على تيليجرام بعد يوم من ظهور رويكي: “كما سبق وكررت، لا يمكن حجب ويكيبيديا إلا في حال ظهور شبيه محلي لها، والآن لم يعد لهذه المشكلة أي وجود”.

بيد أن مستخدمي ويكيبيديا من الروس يخشون من الوصول إلى النتيجة عينها، إذ يقول ستانيسلاف كوزلوفيسكي، الذي حل محل ميدييكو في منصبه: “بوسعهم حجبنا إن أرادوا”، وذكر بأن نظام بوتين استهدف ما يقل عن مئتي مقالة، وهذه نسبة ضئيلة، كما قال بإنه من الصعب إرضاء رقابة الحكومة بشكل كامل، وعلق بقوله: “نحاول أن نحافظ على الحيادية، ولهذا نراجع الموضوعات الحساسة، ونحد من استعانتنا بمصادر روسية أو أوكرانية بالنسبة للأحداث الحالية، غير أن ذلك لم يوقف الانتقادات الموجهة لنا. إذ في روسيا، يظن المسؤولون بأن من كتب مقالاتنا أوكرانيون، في حين يعتقد الأوكرانيون بأن مقالاتنا كُتبت في الكرملين”.

تجارب حجب سابقة

بيد أن روسيا ليست الدولة الوحيدة التي ألقت فيها ويكيبيديا نفسها في خضم نزاع مع المسؤولين لدى الحكومة، فقد أغلقت تركيا هذا الموقع لأكثر من عامين بعد رفضه حذف مادة تصف الدولة بأنها ممولة للإرهاب نظراً لدعمها لميليشيات مقاتلة في سوريا، وأعلنت الحكومة التركية بأن تلك الاتهامات ما هي إلا جزء من حملة لتشويه سمعتها وهذه الحملة تهدد الأمن والنظام العام في البلد. ثم أعادت محكمة تركية ويكيبيديا إلى تركيا في عام 2020، بحجة أن الحظر ينتهك الحق الدستوري للبلاد الذي يكفل حرية التعبير.

أغلقت باكستان أيضاً ويكيبيديا خلال إحدى عطل نهاية الأسبوع في شهر شباط الماضي بعد نشرها لما اعتبرته باكستان محتوى مسيئاً للدين، وفي أيار الماضي، أبلغت الهند مؤسسة ويكيبيديا بأنها ستحظر النسخة الإنكليزية منها داخل الهند في حال عدم اتباعها للقانون الهندي الذي ينص على وجوب ظهور جميع الخرائط تبعاً للحدود الوطنية المحددة للهند، ويشمل ذلك المناطق المتنازع عليها مثل كشمير، وهذا ما أثار جدلاً كبيراً ضمن المؤسسة حول فكرة الانصياع لهذا القانون.

غير أن أفضل ما تدافع به ويكيبيديا عن نفسها إزاء كل ذلك هو شعبيتها الكبيرة، إذ عندما شرعت الصين بحجب الموقع، لتكون الدولة العظمى الوحيدة التي تحظره، خففت من حدة هذه الضربة في البداية عبر إنشاء بديل صديق للحكومة الصينية، ألا وهو موسوعة بايدو بيكي التعاونية، إذ سمح هذا الموقع الجديد للمستخدمين المسجلين بإنشاء المحتوى الخاص بهم، مع مراعاتهم لقوانين الرقابة في الصين، وهذا ما وفر للمستخدمين خدمة بدت مشابهة لخدمة ويكيبيديا، ولكن خطرها على الحكومة أضعف وأقل بكثير.

يخطط ميدييكو أيضاً لتقليد بعض الصيغ الجماهيرية التي تعتمدها ويكيبيديا، إذ ذكر بأن رويكي ستبحث عن محررين لم تعد ويكيبيديا تروق لهم، إما بسبب الجدل حول أمور سياسية أو لأسباب أخرى.

غير أن إنشاءه للموقع جعل منه منشقاً في عيون زملائه السابقين، إذ عندما أعلن ميدييكو عن مخططاته، سارع محررون في ويكيبيديا لحذف حسابه الذي استعان به في تحرير أكثر من 25 ألف مادة ولكتابة المئات من المقالات. ولكن إن حلت رويكي محل ويكيبيديا في روسيا، عندها سيتعين على المحررين الذين عملوا معه في الموقع الأصلي أن يحددوا مشاعرهم تجاهه، مع تحديدهم لطريقة التعامل معه ومع المنصة الجديدة. ولكن عندما سئل عن ذلك نيكولاي بوليكين، وهو مساهم في ويكيبيديا الروسية يقوم بتحميل صور الكنائس والقلاع التاريخية الملتقطة عبر الطائرات المسيرة، هز كتفيه تعبيراً عن لا مبالاته إثر تطرقنا للحديث عن الساعات الطويلة التي كرّسها لإنشاء المحتوى لصالح ويكيبيديا، والتي انتهت بها الأمور لتظهر على موقع يمكن أن يحل محلها، وهذا ما دفعه للتصريح من كازاخستان التي انتقل إليها إبان البدء بعملية التعبئة لصالح الجيش الروسي من أجل القتال في أوكرانيا: “لن أمنع أحداً من استخدام عملي لأن هذا يخالف حرية انتقال المعلومات والمعرفة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى