fbpx
مقالات

اللواء جمال طه يكتب: الحرب المرتقبة بين إيران وإسرائيل

تناولنا تفاصيل المناقشات الدائرة بين واشنطن وتل أبيب المتعلقة باحتمال شن إسرائيل هجوما عسكريا كبيرا، ضد المنشآت النووية الإيرانية، وعملية تجهيز الساحة السياسية بالمنطقة لتنفيذه، وذلك على ضوء ما كشفته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من رصد جزيئات من اليورانيوم المخصب بنسبة 83.7%، أي أقل بقليل من نسبة 90% اللازمة لإنتاج قنبلة نووية، بمنشأة “فوردو” الإيرانية في يناير 2023، وان مخزون إيران من اليورانيوم المخصب، قد تجاوز السقف المسموح به وفق الاتفاق النووي لعام 2015 بـ 18 مرة.

الضعف الإسرائيلي

الموقع الإخباري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، نشر وثيقة أمريكية «سري للغاية» مسربة من البنتاجون، كشفت عن مناورة عسكرية أجرتها إسرائيل استعدادا لشن حرب على إيران في شهر فبراير، وتضمنت تقييما لوكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA بأن تل أبيب تعاني تراجعاً في قدراتها العسكرية، مما لا يمكنها من مواجهة مشروع تخصيب اليورانيوم، وشن حرب على إيران، كما نقلت عن مسؤول أمني سابق أن الجيش الإسرائيلي في وضعيته الحالية غير قادر على مواجهة حرب، على جبهة واحدة ضد إيران، أو أكثر في مواجهة أذرعتها العسكرية، وعقبت بأن إسرائيل «قد تنتظر وترى كيف سيكون رد فعل واشنطن والعالم إزاء النتائج التي توصلت إليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن برنامج إيران النووي، وما إذا كان المرشد الأعلى سيوافق على تخصيب اليورانيوم للمستوى المطلوب للأسلحة النووية من عدمه، وذلك قبل اتخاذ أي قرار».

التقرير السرى

المخابرات العسكرية الإسرائيلية أعدت تقريرا سريا آخر نشرت INDEPENDENT أجزاء منه في منتصف ابريل، رجحت فيه احتمال أن تجد إسرائيل نفسها في العام المقبل 2024 في حرب حقيقية، ذلك ان «إيران وحزب الله وحماس» وان كانوا غير معنيين بمواجهة مباشرة وشاملة، الا أنهم مستعدون للمخاطرة بنشاطات عدائية، لاعتقادهم بأن الأزمة الداخلية في إسرائيل قد أضعفتها وقللت من قدرتها على المناورة الاستراتيجية.

وأشار التقرير الى تغيير المحيط الاستراتيجي لإسرائيل، نتيجة تراجع الاهتمام الأميركي بالشرق الأوسط، والاضطرابات المتصاعدة على الساحة الفلسطينية، والأهم ثقة إيران في قدرتها على تحدي إسرائيل وإيذائها، وأنها أعطت الضوء الأخضر لـ «قوة القدس» التابعة للحرس الثوري، وللمخابرات الإيرانية و«حزب الله»، للرد على استهداف إسرائيل للمنشآت النووية واغتيال علماء ذرة وضباط في «حرس الثورة»، فضلا عن هجمات جوية ضد قوافل السلاح والمصالح الإيرانية في سوريا.

التسريب المتعمد

والحقيقة ان كل هذه الأخبار والمعلومات قد تم تسريبها عن عمد، بهدف الخداع الاستراتيجي لإيران، ودفعها لاستبعاد وقوع الهجوم عليها قبل العام المقبل، نتيجة لأسباب عديدة على رأسها الاضطرابات الداخلية في إسرائيل.. وهي أسباب تبرر في تقديرنا الهروب الى الأمام، بشن حرب كبرى تعيد تعبئة القوى الداخلية في إسرائيل خلف حكومة نتنياهو، وتحقق لإسرائيل إجهاض المحاولات الإيرانية لإنتاج سلاح نووي، يغير من علاقات توازن القوى في المنطقة لغير صالح إسرائيل، خاصة انها على ثقة من الدعم الأمريكي لتلك العملية، والذي أكده جيك سوليفان مستشار الأمن القومي عندما هدد إيران بأن بلاده لن تسمح بامتلاكها أسلحة نووية، وأنها ستقوم بكل الإجراءات اللازمة لمنعها، بما في ذلك الاعتراف بحرية إسرائيل في اتخاذ الإجراءات اللازمة.


المشكلة الرئيسية التي توقعتها إسرائيل هي رد الفعل الإيراني المتوقع في صورة ضربات صاروخية انتقامية ضد اسرائيل، في الوقت الذي تستقبل فيه رخات صاروخية فلسطينية من قطاع غزة، ما قد يشتت شبكات الدفاع الجوي والصاروخي، ولذلك كان لابد لها من اختبار مواقف الأذرع العسكرية لإيران في المنطقة.

موقف حزب الله

التقدير الإسرائيلي ان ظروف لبنان الداخلية ستفرض قيودا صارمة على رد فعل «حزب الله»، تجاه أي هجوم تتعرض له إيران، خاصة بعد تهديد إسرائيل بالرد على أي قصف، بتدمير البنية التحتية للدولة اللبنانية، والتسبب في دمار لا حدود له.. والتهديدات القادمة من الأراضي السورية أيضا قد تكون محدودة، لأن سوريا التي خرجت من الحرب، تحاول ان تلعق جراحها، وان تطبِّع علاقاتها مع الدول العربية، لذلك لن تسمح للمنظمات الموالية لإيران على أراضيها بإجهاض ذلك التوجه، خاصة في ظل ظروفها الاقتصادية الصعبة.

يتبقى لإسرائيل قطاع غزة، فكان لابد من اختبار ردود فعله تجاه العمل العسكري ضد إيران، واستنزاف مخزونه من الصواريخ بقدر الإمكان، حتى تطمئن لحدود رد فعل التنظيمات الفلسطينية، خاصة ان صواريخها محدودة التأثير للغاية، لكنها قد تسبب ازعاجا وارباكا إذا ما تزامنت مع قصف صاروخي إيراني، رغم ان هذا الأخير يسهل لشبكات الدفاع الجوي الإسرائيلية التعامل معه، لأن نوعية الصواريخ الباليستية الإيرانية بتكلفتها العالية لا يمكن اطلاقها بنظام الرخات مثل الصواريخ الفلسطينية.


الهروب لغزة

في مواجهة مظاهرات الاحتجاج ضد برنامج الإصلاحات القضائية، والضغوط الكبيرة الذي يتعرض لها على الساحة الداخلية، اختار نتنياهو توقيت الهروب الى الأمام، لذلك – وفقا لتقديرنا- فإن وفاة «خضر عدنان» القيادي المعتقل من تنظيم «الجهاد الإسلامي»، والمضرب عن الطعام في السجن، قد تم نتيجة إهمال متعمد من السلطات الإسرائيلية، لإثارة رد فعل التنظيم في ذلك الوقت.. الجهاد أطلقت بالفعل قرابة 100 صاروخ، لكن إسرائيل لم ترد لأسبوع كامل، ما عرضها لضغوط من المعارضة لسرعة الرد الحاسم على الصواريخ الفلسطينية، وتأمين سكان المناطق القريبة من قطاع غزة.. لكن إسرائيل كانت تتوقع أن قيادات الجهاد من الطبيعي ان يلتزموا الحذر خلال الأسبوع الأول، حتى يتبين طبيعة رد الفعل الإسرائيلي، وبالفعل سنحت الفرصة لتنفيذ عملية «الدرع والسهم» التي أسفرت عن مقتل 15 فلسطينيا بينهم ثلاثة من قادة «سرايا القدس» الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي» و4 نساء، و4 أطفال يوم 9 مايو.. وهنا ثارت التساؤلات حول مشاركة حماس من عدمه.

بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة وجه تهديداته الى قطاع غزة ولبنان وسوريا، من أي رد مؤكدا أن إسرائيل مستعدة للتصعيد دون سقف على كل الجبهات.. دقة اغتيال ثلاثة من أبرز قادة الجهاد في عملية واحدة، كان كفيلا بتريث حماس، وعدم اندفاعها في التورط مع إسرائيل من جديد، كما انها تتحسب لأن يؤدى تورطها الى رد فعل تصعيدي من جانب إسرائيل، مثل استدعاء أعداد أكبر من الاحتياط، ورفع درجة التأهب بين الكتائب العسكرية، واحتمالية التدخل بعملية تشمل القوات البرية داخل القطاع.. وهذا بالتأكيد سيؤدى الى وقف القرار الإسرائيلي بالسماح بدخول نحو17 ألف شخص من القطاع الى إسرائيل يوميًا.. سياسة العصا والجزرة أتت ثمارها مع حماس.

مسؤولية حماس

موقف حماس جاء متوافقا مع موقفها من عملية «الفجر الصادق» التي نفّذها الجيش الإسرائيلي في القطاع عام 2022، واستهدف خلالها حركة الجهاد، حيث لم تشارك حماس آنذاك في إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل.. الجنرال المتقاعد «جيورا إيلاند» الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، فسر ذلك بأن حماس ترى في نفسها «حكومة دولة غزة»، ومصلحتها الاقتصادية تفرض الحفاظ على الهدوء، وإنها لن تستجيب لرسائل التحريض التي تبثها الجهاد لحضها على المشاركة «باعتبارها زعيمة للفلسطينيين، ولا يمكنها أن تبقى في الخلف، في وقت تتسبب فيه المواجهة مع الجهاد في العديد من الضحايا في قطاع غزة»

وفى الحقيقة ان حماس شجعت الجهاد على إطلاق القذائف بعد المواجهات في المسجد الأقصى، ووفاة خضر عدنان المعتقل المضرب عن الطعام، لكنها اكتفت بإصدار بياناً مشتركاً، وإطلاق نار رمزي لقذائف في الجو، الهدف منها إطلاق صافرات الإنذار، دون تورط، ذلك أنها تعارض الجهاد ليس فقط أيديولوجيا، وانما تنأى بنفسها عن التورط في الخط العسكري المندفع للجهاد والموجّه من إيران لزياد النخالة، قائدها المتواجد بين لبنان وسوريا.

الخروج الآمن

نِتنياهو يُحاول الخُروج من أزماته الداخليّة، بالقفز الى الأمام، ممارسا لسياسته العنيفة في الاغتيالات وقتل المدنيين في قِطاع غزّة، والقفزة التالية من المنتظر ان تكون ضد الأهداف النووية الإيرانية، لينشغل الجميع في إسرائيل بمواجهة تلك التحديات الكبيرة، التي يتفق الرأي العام الإسرائيلي بمختلف انتماءاته على جدواها، مما يعيد الاستقرار الداخلي المفقود للسلطة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى