
اعداد: بسنت عماد
بعد أكثر من أربعة عقود خلف القضبان، طوت فرنسا اليوم واحدًا من أطول ملفات الاعتقال السياسي في تاريخها، بإعلان محكمة الاستئناف في باريس قرارها بالإفراج عن الناشط اللبناني جورج إبراهيم عبد الله، أحد أبرز رموز النضال اليساري والداعم الصريح للقضية الفلسطينية.
القرار، الذي طال انتظاره، يمهّد لترحيله إلى لبنان نهاية يوليو الجاري، بعدما تحوّل عبد الله خلال سنوات أسره إلى أيقونة للمقاومة في وجه الاستعمار والإمبريالية، بحسب تعبيره.

من هو جورج عبد الله؟
جورج إبراهيم عبد الله، من مواليد بلدة القبيات في شمال لبنان عام 1951، ينتمي إلى عائلة مسيحية مارونية.
أكمل دراسته الجامعية في فرنسا، حيث تخصص في الفلسفة والعلوم السياسية، وهناك بدأت ملامح التزامه الفكري تتشكل على وقع نضالات الحركة الطلابية اليسارية ودعمه العلني للقضية الفلسطينية.
في أواخر السبعينيات، برز اسمه كأحد قياديي “الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية”، وهي تنظيم ماركسي-لينيني تبنّى العمل المسلح ضد أهداف غربية وإسرائيلية، واعتبر نفسه امتدادًا للكفاح الفلسطيني المسلح.

الاعتقال والمحاكمة
في عام 1984، ألقت السلطات الفرنسية القبض على عبد الله بتهمة حيازة وثائق مزورة، لكن لاحقًا وُجهت إليه تهم التواطؤ في اغتيال دبلوماسيين، أحدهما أمريكي والآخر إسرائيلي، في باريس. ورغم عدم إدانته بتنفيذ العمليات بشكل مباشر، اعتبرته المحكمة “مسؤولًا معنويًا” عنها، وصدر بحقه حكم بالسجن المؤبد عام 1987.
منذ اعتقاله، تحول جورج عبد الله إلى رمز داخل الأوساط اليسارية والمنظمات المتضامنة مع فلسطين، بينما أُدرج اسمه في قوائم “الإرهاب الدولي” من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل.
ولم يتزحزح عبد الله عن مواقفه طيلة عقود السجن، رافضًا تقديم أي اعتذار أو التماس للرأفة، متمسكًا بوصف نفسه “أسيرًا في معركة تحرر ضد الاستعمار والإمبريالية”.
الإفراج بعد عقود من الرفض
رغم أن عبد الله أصبح مؤهلاً للإفراج المشروط منذ عام 1999، إلا أن تدخلات وضغوطًا متكررة، لا سيما من واشنطن، حالت دون إطلاق سراحه، في ظل اتهامه بالمشاركة في عمليات استهدفت دبلوماسيين أمريكيين. واليوم، وبعد أكثر من 40 عامًا، قضت محكمة الاستئناف بأن استمرار احتجازه لم يعد مبررًا قانونيًا، مشيرة إلى أن “المدة التي قضاها باتت غير متناسبة مع طبيعة التهم، وأنه لا يشكل خطرًا على النظام العام”.

العودة إلى لبنان
بحسب القرار القضائي، سيتم تنفيذ الإفراج الفعلي في 25 يوليو الجاري، مع ترحيل عبد الله فورًا إلى بلده الأم. وقد أعرب في مناسبات عدة عن رغبته في قضاء ما تبقى من حياته في قريته شمال لبنان، حيث تنتظره عائلته ورفاقه.
ردود فعل عائلة جورج بعد إطلاق سراحه
في أول تعليق من العائلة، قال روبير عبد الله، شقيقه، إنهم فوجئوا بالقرار، مضيفًا: “لأول مرة، تتحرر السلطات الفرنسية من الضغوط الأمريكية والإسرائيلية”.
دعم يساري في فرنسا
في فرنسا، لقي القرار ترحيبًا من قوى يسارية، حيث عبّرت مايتيلد بانو، رئيسة الكتلة النيابية لحزب “فرنسا الأبية”، عن ارتياحها، مشيدة بنضال الداعمين للإفراج عن عبد الله. كما قال فابيان روسيل، الأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي: “أربعون عامًا في أروقة الجحيم.. وأخيرًا الحرية. إنها ثمرة نضال بلا هوادة”.