
إعداد: بسنت عماد
في أعقاب التوترات في العلاقة الأمريكية الاوكرانية، خاصة بعد اللقاء الذي جمع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فبراير الماضي، في البيت الأبيض، حيث شهد اللقاء مشادة كلامية حادة بين الطرفين.
وقعت الولايات المتحدة اتفاقاً تاريخياً مع أوكرانيا بشأن استغلال الموارد الطبيعية، بعد مفاوضات مكثفة، وذلك في العاصمة الأمريكية واشنطن، يوم الأربعاء الماضي.

وتقول الإدارة الأمريكية ان الإتفاق يهدف إلى التعويض عن “المساعدات المالية والمادية الكبيرة” التي قدمتها لأوكرانيا للدفاع عن أراضيها منذ اندلاع الحرب مع روسيا، والذي بلغت 500 مليار دولار خلال فترة الحرب.
حيث صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بذلك في وقت سابق.. وقال: ”لن يستغل أحد الولايات المتحدة بعد الآن”.
لكن السؤال، هل ستكون الاتفاقية كافية لمنح ترامب السيطرة الكاملة على المعادن وتحقيق الاستفادة الكاملة منها بالصورة المتوقعة؟
أشار ترامب إلى أنه “أبلغ زيلينسكي بضرورة الحصول على ما يعادل شيئاً ما مقابل الأموال التي أنفقها البيت الأبيض على المساعدات لأوكرانيا”.
ليتم عرض مسودة سابقة للاتفاق بين واشنطن وكييف بشأن الموارد الطبيعية الأوكرانية، الأمر الذي رفضه زيلينسكي في البداية، قائلاً: ”ستضطرّ عشرة أجيال من الأوكرانيين إلى دفع ثمن هذا الإتفاق ”.
وكان من المقرر أن يوقع نسخة أخرى من الإتفاق في 28 فبراير في البيت الأبيض، لكنّ المشادّة الكلامية غير المسبوقة التي حدثت بينهما في وجود جي دي فانس نائب الرئيس الأمريكي أمام الكاميرات، أدت إلى مغادرته بشكل مهين وإلغاء التوقيع.

ملخص بنود اتفاقية المعادن
تُبرم الاتفاقية بين حكومتي الولايات المتحدة وأوكرانيا لإنشاء صندوق استثماري لإعادة إعمار أوكرانيا، موقعة في 30 أبريل من قبل وزير الخزانة الأمريكي ”سكوت بيسنت” ووزيرة الاقتصاد الأوكرانية ”يوليا سفيريدينكو”.
تهدف الاتفاقية إلى تعزيز الشراكة الاستراتيجية لدعم إعادة إعمار أوكرانيا بعد الغزو الروسي في 2022، مع التركيز على الاستثمار في التعدين، الطاقة، والتكنولوجيا.

البنود الرئيسية:
إنشاء الصندوق: يُنشأ صندوق استثمار محدود بين مؤسسة التمويل الأمريكية ووكالة أوكرانية لدعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مع إمكانية تعديل الاتفاقية.
التزامات أوكرانيا: تتعهد أوكرانيا بتشريعات تتماشى مع الاتفاقية، مع تفوقها على القوانين المحلية في حال التعارض.
التأكيد على حرية تحويل العملة “الهريفنيا إلى دولار” دون قيود، مع استثناءات محدودة بعد التشاور.

يغطي الاتفاق 57 نوعاً من الموارد المعدنية، من بينها النفط والغاز والتيتانيوم والليثيوم والمعادن الأرضية النادرة.
ويقر بالدعم المالي الأمريكي لأوكرانيا منذ 2022، دون الإشارة إلى أنه يجب سداد أي دين مقابل هذه المساعدات.
كما يُحسب أي دعم عسكري جديد كجزء من مساهمات الولايات المتحدة في الصندوق.
وأكدت أوكرانيا أن الأرباح الناتجة عن الصندوق ستُعاد استثمارها داخل البلاد.

ويشدد الاتفاق أيضاً على عدم تعارض أحكامه مع سعي كييف للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، على أن يُعرض لاحقاً على البرلمان الأوكراني للمصادقة.
أهداف الاتفاقية:
ـ تعزيز التحول الهيكلي والتكنولوجي لأوكرانيا وفقاً للقيم الديمقراطية وسيادة القانون.
ـ تشجيع الاستثمار في 31 قطاعاً اقتصادياً حيوياً.
الضرائب والتعريفات:
ـ يُعفى دخل الشراكة من الضرائب والرسوم في أوكرانيا، ولا يخضع لضريبة الدخل الفيدرالية الأمريكية إلا في حالات محددة.
ـ لا تُفرض تعريفات جمركية على السلع المكتسبة بحقوق الشراء.
المساهمات:
تتضمن مساهمات الشريك الأوكراني إيرادات متفق عليها تُحول إلى صندوق خاص، بينما تحسب المساعدات العسكرية الأمريكية كزيادة في مساهمة الشريك الأمريكي.

حقوق الشراء والاستثمار:
تلزم أوكرانيا الجهات الحكومية بتضمين شروط في التراخيص التي تتيح للشريك الأمريكي التفاوض على حقوق الشراء بشروط تجارية، مع قيود على تقديم شروط أفضل لأطراف ثالثة.
تسوية المنازعات:
تُحل الخلافات بالتشاور المتبادل.
التعديل:
يُمكن تعديل الاتفاقية بموافقة كتابية من الطرفين.
الهدف من الاتفاقية
الاتفاقية تُرسي إطاراً للتعاون الاقتصادي والاستثماري لدعم إعادة إعمار أوكرانيا، مع ضمانات قانونية ومالية لتسهيل الاستثمارات الأمريكية والدولية، مع احترام سيادة أوكرانيا والتزاماتها تجاه الاتحاد الأوروبي.
سر اهتمام ترامب بمعادن أوكرانيا
تلعب العناصر الأرضية النادرة دوراً حاسماً في الصناعات الدفاعية والتكنولوجية المتقدمة، وتعد محور اهتمام خاص لدى ترامب الذي يسعى لضمان إمدادات هذه المعادن الاستراتيجية لبلاده.
وتطمح الولايات المتحدة لإيجاد بدائل موثوقة لهذه المعادن الحيوية التي تهيمن عليها الصين.

أوكرانيا من أكبر 10 موردين للمعادن النادرة
أوكرانيا من بين أكبر 10 من موردي الموارد المعدنية في العالم، حيث تمتلك نحو 5% من إجمالي الموارد المعدنية في العالم، وذلك بفضل تنوع تضاريسها الجيولوجية.
تحتوي أوكرانيا على ما يقرب من 20 ألف موقع للاحتياطيات المعدنية تغطي 116 نوع من المعادن.
وقبل الحرب مع روسيا، كان الإنتاج يستخرج من 3055 من هذه المواقع بنسبة 15 % فقط، بما في ذلك 147 للمعادن الفلزية و4676 لغير الفلزية، بحسب بيانات المنتدى الاقتصادي العالمي.
ولدى أوكرانيا أكبر احتياطيات التيتانيوم في أوروبا بنسبة 7 % من الاحتياطيات العالمية.
المعادن الموجودة في أوكرانيا
وفقاً للبيانات الأوكرانية، تمتلك أوكرانيا احتياطيات لـ 22 من أصل 34 معدناً صنفها الاتحاد الأوروبي بالغة الأهمية.
تشمل هذه الاحتياطيات المعادن الصناعية، ومواد البناء، والسبائك الحديدية، والمعادن النفيسة، والمعادن غير الحديدية، بالإضافة إلى بعض العناصر الأرضية النادرة.
ويشير معهد الجيولوجيا الأوكراني إلى أن أوكرانيا تمتلك عناصر أرضية نادرة مثل اللانثانوم والسيريوم، المستخدمين في تصنيع أجهزة التلفزيون والإضاءة، والنيوديميوم، الضروري لتوربينات الرياح وبطاريات السيارات الكهربائية، بالإضافة إلى الإربيوم والإيتريوم، اللذين يمتد استخدامهما من الطاقة النووية إلى تقنيات الليزر.

كما تُظهر أبحاث ممولة من الاتحاد الأوروبي أن أوكرانيا تمتلك أيضاً احتياطيات من عنصر السكانديوم.
وأفاد المنتدى الاقتصادي العالمي بأن أوكرانيا تعد أيضاً مورداً محتملاً رئيسياً لمجموعة من المعادن المهمة مثل الليثيوم، والغرافيت، والفلوريت، والنيكل.
قالت هيئة الجيولوجيا الحكومية في أوكرانيا إن البلاد تمتلك أحد أكبر احتياطيات أوروبا المؤكدة، التي تقدر بنحو 500 ألف طن متري من الليثيوم، الذي يعد عنصراً أساسياً للبطاريات والسيراميك والزجاج.
كما تملك أوكرانيا احتياطيات من التيتانيوم، معظمها موجود في مناطقها الشمالية الغربية والوسطى، في حين يوجد الليثيوم في الوسط والشرق والجنوب الشرقي.
وتمثل احتياطيات أوكرانيا من الجرافيت، المستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية والمفاعلات النووية، نحو 20% من الموارد العالمية، وتوجد هذه الاحتياطيات في وسط البلاد وغربها.
أما الفحم، فرغم وفرة احتياطياته، فإن معظمه يقع حالياً تحت السيطرة الروسية في الوقت الحالي.

وتحتل أيضاً المرتبة الخامسة عالمياً في إنتاج الغاليوم المستخدم في أشباه الموصلات والصمامات الثنائية الباعثة للضوء.
كما كانت مصدراً رئيسياً لغاز النيون العالي النقاء، والمستعمل في صناعة الرقائق الإلكترونية.
وتتوفر في أوكرانيا أيضاً رواسب مؤكدة من معادن استراتيجية أخرى، مثل الزركونيوم والأباتيت المستعملين في التطبيقات النووية والطبية.
والبريليوم المستخدم في صناعات الطاقة النووية والفضاء والصناعات العسكرية والإلكترونية، واليورانيوم اللازم للقطاعين النووي والعسكري.
وتشتهر البلاد باحتياطياتها الضخمة العالية الجودة من خام الحديد والمنغنيز، الضروريين لإنتاج الصلب الأخضر، حيث وفرت في عام 2021 نحو 43 في المائة من واردات الاتحاد الأوروبي من ألواح الصلب.

وتمتد ثروات أوكرانيا المعدنية لتشمل احتياطيات كبيرة من المعادن غير الحديدية، وتحتل مراتب متقدمة في أوروبا من حيث حجم الرواسب، فهي في المرحلة الرابعة في النحاس، والخامسة في الرصاص، والسادسة في الزنك، والتاسعة في الفضة.
وتتوفر كذلك رواسب النيكل والكوبالت في منطقتي كيروفوهراد ودنيبروبتروفسك الآمنتين نسبياً، فيما تشكل احتياطيات الغرافيت في البلاد 20 في المائة من الموارد العالمية.
وتصنف أوكرانيا ضمن أكبر 10 منتجين عالمياً لعدد من المعادن الأخرى، مثل البروم والمغنيسيوم المعدني والمنغنيز والخث وحديد الزهر والكاولين.

الموارد التي سيطرت عليها روسيا
تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في أضرار واسعة النطاق في جميع أنحاء أوكرانيا، وتسيطر روسيا في الوقت الحالي على نحو خمس أراضيها.
يتركز الجزء الأكبر من احتياطيات الفحم في أوكرانيا، التي كانت تغذي صناعة الصلب قبل الحرب، في شرق البلاد وهي المنطقة التي فقدتها خلال الحرب.
وتشير تقديرات مؤسسات الفكر الأوكرانية “نحن نبني أوكرانيا”، والمعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية، نقلاً عن بيانات حتى النصف الأول من عام 2024، إلى أن نحو 40 % من الموارد المعدنية الأوكرانية تقع في الوقت الحالي تحت السيطرة الروسية.
وخلال الشهور القليلة الماضية، أغلقت أوكرانيا منجم الفحم الوحيد خارج مدينة بوكروفسك، التي تحاول قوات موسكو السيطرة عليها.
وقد سيطرت روسيا على الأقل على اثنين من مناجم الليثيوم في أوكرانيا خلال الحرب، أحدهما في إقليم دونيتسك والآخر في منطقة زابوريجيا في الجنوب الشرقي. ولا تزال كييف تسيطر على مناجم الليثيوم في منطقة كيروفوغراد الوسطى.

من المستفيد من الاتفاقية؟
أولا: الولايات المتحدة الأمريكية لن تستفيد كثيراً من المعادن النادرة الأوكرانية، حيث إن معظم احتياطيات هذه المعادن تقع في مناطق متنازع عليها، أو تحت السيطرة الروسية.
ولهذا السبب لن تخاطر الشركات الأجنبية، بالاستثمار في هذه المناطق المضطربة.
وضع الرئيس ترامب آلية لتحصيل ثمن الدعم المقدم لأوكرانيا خلال حكم بايدن، مما قد يعكس توجهاً استراتيجياً في السياسة الأمريكية.
منح الاتفاق الرئيس ترامب مسؤولية شخصية عن مصير البلاد، مع معالجة مخاوفه من أن الولايات المتحدة منحت كييف تفويضا مطلقا لمحاولة التصدي لروسيا، وفق تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”.

ثانيا: أوكرانيا.. قد تستفيد من إنشاء صندوق يستخدم في إعادة إعمارها في مرحلة ما بعد الحرب، على الرغم من أن الآلية المتعلقة بذلك لا تزال غير واضحة تمامًا حتى الان.
تأثير الإتفاقية على الحرب الروسية الأوكرانية
– لا توجد لأوكرانيا اي ضمانات لصد الهجوم الروسي عليها، رغم طلب كييف بذلك.
ـ تلتزم إدارة ترامب بعملية سلام تتمحور حول أوكرانيا حرة وذات سيادة ومزدهرة على المدى الطويل”.
ـ لن يُسمح لأي دولة أو شخص قام بتمويل أو توريد آلة الحرب الروسية بالاستفادة من إعادة إعمار أوكرانيا”.