المخطط الصهيوني لتقسيم سوريا

تُعد سوريا – بالعودة للتاريخ، الدولة الأقل استقراراً والأكثر اضطراباً في الشرق الأوسط، ويُظهر تاريخها أنه حتى تولي أسرة “الأسد” العلوية السلطة في عام 1970م، حيث شهدت ما لا يقل عن 17 انقلابًا عسكريًا خلال الفترة من 1949م – 1970م، ورغم ذلك كانت تنجو كل مرة رغم كل الصعاب وعكس كل التقديرات.
كما تعتبر سوريا نقطة محورية في التوترات الدولية والإقليمية، حتى قال عنها الصحفي “باتريك سيل” كاتب سيرة “حافظ الأسد” الذاتية: “أن من يريد السيطرة على الشرق الأوسط من الناحية الدولية ومن يريد قيادة العالم العربي عليه أن يسيطر عليها، بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي”. وهي مركز محور المقاومة ضد إسرائيل في المنطقة، إلا أن دورها لم يكُن فاعلًا خلال حرب طوفان الأقصى 7- أكتوبر، رغم ربط البعض بين أحداث عام ونصف من حرب إسرائيل على غزة وحزب الله في جنوب لبنان وبين السقوط المفاجئ لنظام “بشار الأسد”، ورغبة اإسرائيلية- غربية في تفتيت الوطن العربي واستبداله بالشرق الأوسط الجديد.
مخططات صهيونية- إسرائيلية ترتدي أثوابًا غربية
نشر الكاتب الإسرائيلي “يارون كوهين” عام 2016م مقالًا إشكاليًا أثار حالة من الجدل في المجتمع الإسرائيلي؛ لأنه يُعتبر بمثابة إزاحة الستار عن كواليس ما يحدث في المنطقة العربية، عرض فيه السيناريو الذي تم التخطيط له بعناية وبدأ تنفيذه فيما يعرف بأحداث الربيع العربي عام 2011م . ورغم أنه لم يأتِ بجديد إلا أن ربطه الأحداث بما جاء في وثائق أصبحت في طي النسيان بالنسبة “للعامة” هو ما منحه هذه الأهمية؛ حيث تناول فيه موقع مفهوم “المؤامرة” من علاقات “إسرائيل” بما حدث ويحدث في دول المنطقة، في حدود المسموح له ككاتب يهودي- إسرائيلي ومنحه عنونًا شائكًا: “المؤامرة تحتفل: هكذا أنشأت إسرائيل داعش للسيطرة على العالم…”. ويتناول الكاتب ظهور فكرة التنظيمات (المتأسلمة) في مراسلات دبلومسية أمريكية في بدايات عام 2006م، في حديث عن مرحلة ما بعد غزو “العراق” عام 2003م. وفكرة إقامة هذه التنظيمات مناطق حكم ذاتي ما قد يؤدي وفقًا- للتقديرات في حينها إلى الحرب الأهلية، التي ستمتد بدون شك إلى سوريا ومن ثمّ تؤدي إلى تمرد ضد نظام “الأسد” ثم إلى حرب داخلية في سوريا؛ و هو المطلوب لأن الحرب بين التقسيمات (العرقية) و(الطائفية) في كل من سوريا والعراق ستخدم المصلحة الإسرائيلية- الأمريكية في المنطقة.
ويتوافق ذلك مع ما جاء في الاستراتيجية التي وضعها وجمعها “معهد الدراسات الاستراتيجية والسياسية المتقدمة” الأمريكي في القدس عام 1996م، والتي اشتُهرت “باستراتيجية نتنياهو”، وتتضمن إعادة تشكيل الشرق الأوسط، عن طريق استخدام الأقليات ودعم انفصالها في أقاليم صغيرة، وضم المناطق السُنية في منطقة حكم واحد، ثم تشكيل تحالف قوي مع الأردن وتركيا ضد إيران وسوريا.
وقد وضعت هذه الاستراتيجية على خلفية المقال الذي نشره “عوديد ينون” وكان أحد مسؤولي الخارجية الإسرائيلية عام 1982م- في مجلة “كيفونيم خداشيم- اتجاهات جديدة” للدراسات اليهودية والصهيونية والسياسة، بعنوان “استراتيجية إسرائيل في الثمانينات” (المشهورة بوثيقة كيفونيم)؛ على خلفية التغييرات العالمية والإقليمية آنذاك، وكيف سيُقبل العالم على حقبة جديدة تُصبح فيها إسرائيل الملاذ الآمن لكل اليهود والأقليات (في وجهة نظر الكاتب)، ورسم فيه الخطوط العريضة لتغيير الشرق الأوسط من خلال تفتيت وحدة الدول العربية من الداخل؛ لخلق الظروف المواتية لإسرائيل للتوسع، وذكر في الوثيقة السيطرة على النفط الذي يبدأ بالعلاقات مع الأقليات مثل الدروز والأكراد، كما تنبأت (أو خططت) بالحرب في سوريا والعراق نتيجة الصراع بين الهويات الدينية والقومية .
ثم أتبعها “عوديد ينون” بمقال عن الحرب النفسية على الدول العربية وآلياتها عام 1983م، يقترح خلالها خطة للحرب النفسية على جميع الدول العربية والسلطة الوطنية الفلسطينية، دون تردد ودون أي تحفظات مالية أو أخلاقية كما جاء بها! ونذكر منها ما جاء عن “سوريا” حيث لا يتسع المجال للتفصيل؛ حيث أكد على ضرورة التركيز على إشعال التوترات الطائفية وعدم المساواة بين الطوائف على مستوى الإعلام، ونشر حقائق قاسية حول نظام الحكم وموقفه من المواطنين السوريين والتركيز على النزعة العسكرية السورية في التعامل معهم ضدهم، وإشعال الصراعات بين الجيش والأحزاب والطوائف، وإبعاد الشعب عن الولاء المفرط للوطن بأي ثمن”.
وقد تبنت الإدارة الأمريكية هذه الخطة في معهد “الإستراتيجية الأمريكية” بعد هجمات 11 سبتمبر2001م، وقررت أن الشرق الأوسط لابد أن يتشكل لصالح المصالح الأميركية. لترتدي الخطة الإسرائيلية ثوبًا أمريكيًا بمرور الوقت، وتخرج إلى حيز التنفيذ من قبل القوى الغربية تحت ذريعة “إعادة ترتيب” الشرق الأوسط، وتصبح التنظيمات المتأسلمة والطوائف والأقليات أدوات في تحقيق الحلم الصهيو-إسرائيلي بكامل السيطرة على “الأرض الموعودة” أو كما تُعرف يهوديًا بإسرائيل الكبرى، وفقًا لمعتقدهم الديني وزعمهم الصهيوني.
ولا شك أن ما سبق قد وضع على خلفية مؤامرة حقيقية ونوايا ورغبات فعلية في تقسيم وتغيير خارطة “المصالح” في الشرق الأوسط، منذ اتفاقية “سايكس- بيكو” التي لم تحرز أهدافها بالشكل الذي كان يتمناه واضعوها ودولهم الكبرى آنذاك، ما جعلهم يقررون تغيير “الآلية” فقط وثبات الرغبة في السيطرة على مقدرات المنطقة؛ فدفعوا بخارطة المنطقة إلى المستشرق اليهودي- البريطاني- الأمريكي، الأستاذ في دراسات الشرق الأوسط، المتخصص في التاريخ الإسلامي، “برنارد لويس” ليضع خريطة تفتيت الدول العربية والإسلامية الأشهر على الإطلاق.