
إعداد: بسنت عماد
أثار الكشف عن دعم إسرائيلي مباشر لميليشيات مسلحة في جنوب قطاع غزة موجة واسعة من الجدل داخل إسرائيل وخارجها، بعد أن أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في سابقة سياسية لافتة، أن حكومته تدعم “جماعات محلية معارضة لحركة حماس” باعتبارها وسيلة لـ”إنقاذ أرواح جنود إسرائيليين”.
الاتهامات جاءت أولاً على لسان زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” أفيجدور ليبرمان، الذي اتهم الحكومة صراحة بـ”تسليح ميليشيات إجرامية في غزة”، قبل أن تؤكد صحيفة وول ستريت جورنال وجود خطة إسرائيلية رسمية لتسليح مجموعات فلسطينية صغيرة، أبرزها ميليشيا بقيادة ياسر أبو شباب، تنشط في مناطق واقعة تحت السيطرة الإسرائيلية جنوب القطاع.
من هو ياسر أبو شباب؟
ياسر أبو شباب، من مواليد 19 ديسمبر 1993، ينتمي إلى قبيلة الترابين البدوية المعروفة جنوب قطاع غزة.
أمضى سنوات في سجون حماس بتهم تتعلق بالسرقة وتجارة المخدرات والتعامل مع جهات أجنبية، قبل أن يُطلق سراحه عقب غارات إسرائيلية دمرت مقار أمنية للحركة في أعقاب هجمات 7 أكتوبر 2023.
خلال الأشهر الماضية، ظهر اسم أبو شباب على الساحة من خلال قيادته لمجموعة مسلحة عرفت في البداية باسم “جهاز مكافحة الإرهاب”، قبل أن تُعيد تسمية نفسها إلى “القوات الشعبية” في مايو 2025، في محاولة لمنح نشاطها طابعاً وطنياً وثورياً.
وتضم الجماعة بين 100 إلى 300 عنصر، يتلقون تدريباً ودعماً لوجستياً من الجيش الإسرائيلي، ويتحركون ضمن مناطق خاضعة لسيطرة الاحتلال، خاصة في محيط معبر كرم أبو سالم، حيث يتولون تأمين قوافل المساعدات الإنسانية – أو نهبها.
نهب للمساعدات غزة
وثّقت تقارير أممية، اطلعت عليها واشنطن بوست، تورط ميليشيا أبو شباب في “نهب واسع ومنهجي” لشحنات المساعدات التي دخلت من معبر كرم أبو سالم، وسط تقاعس واضح من الجيش الإحتلال الإسرائيلي عن منعها.
وتشير مذكرة داخلية صادرة عن برنامج الغذاء العالمي إلى أن الجماعة فرضت إتاوات على قوافل الإغاثة الدولية، تحت غطاء “التأمين”، وقامت بتحويل جزء كبير من المساعدات إلى الأسواق السوداء شرق رفح وخان يونس.
وأفادت مصادر فلسطينية محلية أن عدداً من أفراد الجماعة سبق أن قاتلوا في صفوف تنظيم داعش في سيناء، قبل أن يعودوا إلى غزة على مرأى ومسمع الاحتلال.
تبرؤ قبلي وغضب شعبي
في 30 مايو.. أصدرت عائلة أبو شباب، وهي إحدى العائلات الكبيرة في قبيلة الترابين، بياناً رسمياً تبرأت فيه من ياسر أبو شباب، بعد تأكدها من تورطه في “نشاطات مشبوهة تخدم العدو الإسرائيلي”، وأعلنت “هدر دمه” وفق التقاليد القبلية.
وجاء في البيان: “ياسر خرج عن الصف الوطني والديني والقبلي، وممارساته الأخيرة في رفح لا تمثلنا، وهو بات مشروع فتنة ودمار في المجتمع”.
محلياً، تصاعد الغضب داخل مناطق نفوذ حماس، خاصة بعد تداول مقاطع فيديو لعناصر مسلحة من جماعة أبو شباب يتجولون في شوارع رفح بأسلحة إسرائيلية من طراز “M-16” و”كلاشينكوف”، ما اعتبره السكان “مظهراً من مظاهر احتلال داخلي مغلف بوجوه محلية”.
هزة سياسية داخل إسرائيل
في الجانب الإسرائيلي، لم تمر هذه السياسة دون معارضة، فقد وصف نائب رئيس الأركان السابق، يائير جالان، عبر حسابه على منصة “إكس”، قرار نتنياهو بأنه “مغامرة غير محسوبة”، محذراً من “خلق وحش جديد قد ينقلب على الجميع، كما حدث سابقاً مع حماس نفسها”.
وفي حين يبرر نتنياهو هذه السياسة بأنها جزء من استراتيجية “شق الصف الداخلي لحماس”، تؤكد مصادر في الشاباك أن الجماعة بقيادة أبو شباب ليست تحت سيطرة حقيقية، بل تضم عناصر مشكوك في ولائهم، وبعضهم متورط سابقاً في نشاطات جهادية.
هل تحكم ميليشيا ابو الشباب غزة بدلاً من حماس ؟
رغم الدور الذي تؤديه ميليشيا أبو شباب حالياً كـ”قوة ميدانية بديلة” لحركة حماس، تشير تقديرات أمنية إلى أن عمر هذا التحالف محدود، وصعب استبدالها بحماس خاصة بعد الغضب الشعبي الذي تواجه تلك الميليشيا، وأن إسرائيل قد تتجه لاحقاً لتصفية هذه العناصر حال إنتهاء فائدتها التكتيكية.
في الوقت نفسه، تحذر منظمات دولية من أن دعم مجموعات مسلحة خارج إطار القانون في قطاع محاصر، قد يُفضي إلى فوضى داخلية مدمرة، تتجاوز في آثارها حركة حماس.
ختاماً، هناك سؤال مصيري يطرح نفسه على الساحة!
هل تكرر إسرائيل اليوم نفس الخطأ الذي ارتكبته سابقاً حين دعمت حماس في بداياتها كأداة لمواجهة فتح، قبل أن تتحول إلى عدو شرس؟
وهل يعيد التاريخ نفسه الآن عبر صناعة جماعات مسلحة جديدة، كميليشيا أبو شباب، قد تنقلب في يومٍ ما لتسفك الدماء الفلسطينية تحت مسمى المقاومة؟
المشهد القائم في غزة ينذر بانفجار داخلي قد يحوّل القطاع إلى جحيم يتجاوز حتى كوابيس الحرب الحالية.