
متابعة: رحمه حمدى
ناقش مجلس الدفاع في باريس برئاسة إيمانويل ماكرون اليوم تقريرًا رسميًا يُحذّر من تنامي نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في الضواحي الفرنسية، ويعتبر أن الحركة تشكّل “تهديدًا للتماسك الوطني”، ويدفع نحو ضرورة اتخاذ إجراءات للحد من انتشار ما يُعرف بـ”الإسلام السياسي” وتأثيره على المجتمع الفرنسي. التقرير الذي نشره موقع “لوفيجارو” الفرنسي بشكل – حصري – بتألف من أكثر من 73 صفحة، والتي وثقتها أجهزة الاستخبارات، والتي قدمتها إلى برونو ريتيللو، ووصتفه”لوفيجارو”، بأنه صورة صارخة لبلد مهدد من الداخل. وتعتبر النسخة التي رفعت عنها السرية، والتي نشرتها الصحيفة، مثيرة للدهشة.
أُنجز التقرير بتكليف من وزير العدل جيرالد دارمانان قبل نحو عامين، عُرض الأربعاء على مجلس الدفاع والأمن الوطني، بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعدد من الوزراء.
ويستند التقرير إلى معلومات جمعتها أجهزة الاستخبارات على مدى سنوات، بما في ذلك معطيات حول طرق دخول الجماعة إلى البلاد وتطور وجودها في الفضاءين الاجتماعي والسياسي.
تحذير من تآكل قيم فرنسا العلمانية
التقرير، المصنّف سريًا، يرى أن جماعة الإخوان المسلمين لا تمثل تهديدًا عنيفًا مباشرًا، بل خطرًا طويل الأمد يتمثل في “التآكل التدريجي للقيم العلمانية” داخل المجتمعات المحلية، ما قد ينعكس على التماسك الوطني ومؤسسات الجمهورية.
وقد ورد في الوثيقة: “إنّ حقيقة هذا التهديد، حتى وإن لم يكن عنيفًا، تُشكّل خطرًا على نسيج المجتمع وعلى نطاق أوسع، على التماسك الوطني.”
ويزعم التقرير أن المشروع الذي تعمل عليه الجماعة “يهدف إلى إدخال تغييرات تدريجية على القواعد المحلية والوطنية”، وخاصة تلك المرتبطة بمفاهيم العلمانية والمساواة بين الجنسين.
وتُشير الوثيقة إلى ما سمته ظاهرة “الإسلاموية البلدية” التي تزداد حضورًا في بعض البلديات، وتؤثر في السياسات المحلية، وسط تزايد ما وصفه التقرير بـ”البيئات الإسلامية”
وبحسب الإحصاءات التي تضمّنها التقرير، يوجد في فرنسا “139 دار عبادة” تعتبر قريبة من اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا والمرتبط بالجماعة، من أصل نحو “2800” دار عبادة إسلامية مسجّلة رسميًا، أي ما يعادل نحو “7%”.
ويذكر التقرير أن تنظيم الإخوان المسلمين فقد الكثير من نفوذه في العالم العربي، فبدأ يركّز نشاطه على أوروبا. ويقترح معدّو الوثيقة إطلاق “حملة توعية وطنية” متزامنة مع تعزيز الخطاب العلماني
اتهامات بالتأثير الممنهج والتمويل المشبوه
في هذا السياق، قال دارمانان إن الجماعة تنظم جهودًا ممنهجة للتأثير على المسؤولين المحليين، بما في ذلك المجالس البلدية، من أجل الدفع باتجاه قرارات تعكس مرجعيات قانونية دينية لا تتوافق مع قوانين الجمهورية.
وقال: “إنها جماعة من الإخوان المسلمين جاءت لمهاجمة المجتمع الإسلامي الحقيقي.” وحذّر أيضًا من تعقيدات مالية وصفها بـ”الخطيرة”، تسمح للجماعة بتوسيع أنشطتها، إلى جانب التأثير على مؤسسات إعلامية وخيرية ورياضية ومجتمعية.
وأضاف: “هذا التقرير يكشف عن تهديد أولي يُدين إنشاء منظمة قوية إلى حدّ كبير في فرنسا وأوروبا.” مشيرًا إلى أن “عددًا من الشخصيات في الدولة والمجتمعات المحلية والعالم الاقتصادي هم اليوم تحت تأثير الإخوان المسلمين، ويجب مواجهة هذا الواقع.”
دعوات للحظر وتخوفات من غزو ناعم
عبّر وزير الداخلية الفرنسي والزعيم المنتخب لحزب الجمهوريين، برونو روتايو، عن قلقه مما وصفه بـ”تدخل جماعة الإخوان المسلمين” في المجتمع الفرنسي، مشيرًا إلى أن التقرير يُظهر “تهديدًا واضحًا للغاية للجمهورية والتماسك الوطني.”حسب قوله. ولفت روتايو إلى أن ما أسماه “الإسلاموية الخجولة” تنتشر عبر الجمعيات الرياضية والثقافية والاجتماعية، معتبرًا أن الهدف من هذا النشاط هو “دفع المجتمع الفرنسي باتجاه الشريعة الإسلامية”، وهو ما يتعارض “تمامًا مع مبادئ الجمهورية.”كما قال.
أما رئيس حزب التجمع الوطني (يمين متطرف)، جوردان بارديلا، فقد طالب بـ”حظر جماعة الإخوان المسلمين وحلّها واعتبارها منظمة إرهابية.” وأكد أنه في حال تسلّم حزبه زمام السلطة، فإنه يعتزم “اعتماد ما تطبّقه دول عدة، بما فيها بعض الدول العربية ودول الخليج.” مذكّرًا بأن الجماعة مُصنفة كمنظمة إرهابية في الأردن والنمسا.
وأضاف: “نأمل في تطبيق هذا القرار فور تولينا الحكم، كما يجب إغلاق المساجد التي تقع تحت نفوذ الجماعة.”
الأمن أولاً
وفي السياق ذاته، تعمل باريس على تعزيز التعاون الأمني مع شركاء أوروبيين مثل بلجيكا وسويسرا، لضبط التمويل والمراقبة المشتركة للجمعيات المشبوهة. التقرير الفرنسي عن “خطر الإخوان” يُظهر تحوُّلًا في سياسة باريس تجاه الإسلام السياسي، ووراءه عدة أهداف مثل تكتيك لليمين المتطرف (مثل حزب “التجمع الوطني”) لاستغلال ملف الإسلام في الانتخابات المقبلة. ومحاولة حكومة ماكرون استباق النقاش وتوجيهه بعيدًا عن انتقادات اليمين المتطرف لأدائها الأمني.
القانون الفرنسي يتيح للحكومة التحرك ضد الجمعيات المتورطة في خطاب متطرف، إلا أن الإجراءات الدائمة تحتاج لتشريعات جديدة تُقرّ في الجمعية الوطنية الفرنسية، وهو ما قد يثير جدلًا سياسيًا داخل البلاد، خاصة من المعارضة التي تخشى أن تطال هذه الإجراءات الجالية المسلمة بشكل عام. مما سيتيح فرصة شرعنة تشديد القوانين ضد الجمعيات الإسلامية تحت ذريعة وزيادة الرقابة على التمويل الإسلامي .