سلايدرمقالات

دكتور هشام البحيري يكتب: قفزات عريضة وفرص كبيرة

ينادي الاقتصاديون والإداريون – دائماً – بضرورة تبني فكرة القفزات العريضة عند الرغبة في تحقيق النمو الاقتصادي لأي دولة، وعند الرغبة في إحداث تطوير شامل في كافة مناحي المؤسسات. ولا شك في أن فكرة القفزات العريضة ليست جديدة على عالم الأعمال والاقتصاد، وخاصة إذا رجعنا بالذاكرة إلى الحالة الاقتصادية لدولة “الهند” منذ خمسين عاماً.
ففي ذلك الوقت، لم تكن لدى الهند الموارد الاقتصادية الكافية أو البنية التحتية المناسبة لمد خطوط الهاتف التي تخدم كافة المنازل والشركات، فبقيت البلاد دون هواتف أرضية لعقود طويلة، لكن مع النمو الاقتصادي للهند؛ برزت في الأفق تقنيات الهاتف المحمول، والتي تبنتها حكومة الهند على الفور – وهذه قفزة عريضة! فمن كان يتخيل أن ” الهند” الخالية من الهواتف الأرضية ستعج بأزيز ” الهواتف المحمولة “!
    لقد وفرت هذه القفزة على الهند استثمار المليارات في إقامة الشبكة الأرضية، ولا سيما أن الشبكة الأرضية باتت من الآثار في الكثير من الدول المتقدمة ومنها أمريكا بالطبع.
فمن المذهل حقاً أن تتكبد دولة متقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية عناء تبني تقنيات الهاتف المحمول الحديثة، مع الإبقاء – في الوقت ذاته – على شبكة الهواتف الأرضية العتيقة؛ وهو أمر مهدر للتكاليف على مستوى الحكومة والمؤسسات والعائلات والأفراد أيضاً.
أليست الهند الفقيرة أكثر ذكاءً من الولايات المتحدة الأمريكية الأكثر غنى وتطوراً؟! سؤال يستحق الإجابة!
    ويمكن تطبيق فكرة القفزة العريضة على العديد من المجالات مثل التحول من ” اللاكهرباء ” إلى استخدام الطاقة الشمسية كمصدر لتوليد الكهرباء دفعة واحدة، مما يعفي الدول من تكاليف وصعوبات استخدام الوقود الحراري أو النووي!
    والسؤال الآن: كيف تحقق الدول الفقيرة والمتوسطة فرصاً كبيرة وقفزات عريضة؟
      سوف يتم هذا من خلال استثمار المزيد من الموارد؛ وتبني أفضل الممارسات في المجالات التالية:
• برامج تطوير الجودة؛
• إدارة المعلومات؛
• تطوير آليات البحث عن البيانات والمعلومات؛
• تفعيل أساليب ومناهج البحث العلمي قبيل اتخاذ القرارات.
• وضع بطاقات الموازاة لقياس مستوى الأداء والإدارة؛
• تطبيق نماذج وأساليب جديدة في تأهيل وتدريب وتطوير وتمتين قدرات العاملين بدءاً من صغار الموظفين وانتهاءً بكبار التنفيذيين.
       وإذا كانت المؤسسات في الدول النامية – وبعض الحكومات – لا تمتلك الموارد الاقتصادية أو الخبرات الكافية لتحقيق مثل هذه القفزات والتي هي جوهر ثورة التنفيذ، إلا أن قادة تلك المؤسسات يستطيعون تحقيق نقلة نوعية من “اللانظام” إلى ” الإدارة الاستراتيجية ” والتنفيذ الرشيد من خلال سياسات الإقناع السلس وتبسيط الخطط والمبادئ والمفاهيم والاستراتيجيات لأتباعهم حتى تتحقق الموازاة بين رؤاهم ورؤى أتباعهم.
    ومن المعلوم أن تطبيق هذا الأمر في العديد من الدول النامية، سيواجه بالكثير والكثير من المعوقات والتي يجب تخطيها لإنجاح الهدف المنشود بتحقيق قفزات عريضة واستغلال الفرص الكبيرة، ومن الأمانة أن نذكر بعضاً من هذه المعوقات:
1- عدم كفاية الخبراء؛
2- توافر العديد من الحواجز الاقتصادية (مثل القوانين والتشريعات الضريبية والمالية).
3- الطبيعة البشرية التي قد تحول دون ” تنفيذ” ما تم وضعه من ” خطط” بسبب الفجوة بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي.
4- مقاومة وانزعاج الكثير من الموظفين لفكرة ” التغيير”
     كل هذا يضع على عاتق واضعي مناهج التميز والنهوض بالأعمال أخذ الطبيعة البشرية ونقاط ضعفها في اعتبارهم، لأن هذا الضعف يحول دون تطبيق المفاهيم والاستراتيجيات الجديدة، ويتسبب في عدم جعل المعلومات من أكثر أساليب الحلول. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى نزوع البشر نحو رفض التغيير، إلا إذا كان من صنعهم، لذا ينبغي العمل على إشراك المنفذين للتغيير في صياغة التغيير، كما ينبغي أن يطبق التغيير بشكل تدريجي ومرحلي وعدم تبني فكرة التغيير الجذري والجبري.
               
الكاتب: أستاذ إدارة الأعمال – بجامعة القاهرة         

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى