الأخبارتقارير

لماذا فشلت “مؤسسة غزة الإنسانية” في توزيع المساعدات بقطاع غزة؟

إعداد: رحمه حمدى

أُنشئت “مؤسسة غزة الإنسانية” في فبراير 2025، في جنيف بسويسرا، بدعم أمريكي-إسرائيلي، بعد اتهامات إسرائيلية للأمم المتحدة بـ”التواطؤ مع حماس”. واتهامات لنتنياهو بسبب دعم الفكرة كجزء من خطته لـإضعاف دور الأمم المتحدة في غزة، وتوجيه المساعدات عبر قنوات تخضع لرقابة إسرائيلية، ولا تملك مكاتب أو ممثلين معروفين في هذه المدينة التي تستضيف مقار منظمات إنسانية دولية.

وأعلن مديرها التنفيذي جيك وود استقالته يوم الأحد بعدما أدرك أن المنظمة لا تستطيع إنجاز مهمتها “مع الالتزام بالمبادئ الإنسانية والحياد وعدم التحيز والاستقلالية”.

في 24 مايو، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤولين إسرائيليين لم تكشف عن هويتهم، أن خطة مساعدات جديدة لغزة مدعومة من الولايات المتحدة “أعدها الإسرائيليون وطوَّروها إلى حد كبير كوسيلة لإضعاف حماس”.ويتساءل منتقدو “مؤسسة غزة الإنسانية” عن الجهة التي تحدد مواقع التوزيع في غزة، في ظل خطة تهجير أهل القطاع.

وفي أول اختبار، اتهم المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، المؤسسة بـ”الاستيلاء على عدد من شاحنات المساعدات التابعة لإحدى المنظمات الإنسانية الدولية العامة في القطاع”.

الأهداف الحقيقية للمؤسسة

تهدف إلى استخدام المؤسسة كأداة لـ”غزو القطاع” وتهجير الفلسطينيين من شمال غزة، عبر تقييد المساعدات في الجنوب فقط . صرّح نتنياهو سابقًا بأنه سيتم “تهجير جميع سكان غزة إلى الجنوب”، وهو ما يتوافق مع مواقع توزيع المؤسسة الحصرية في الجنوب والوسط .
وأشارت تقارير إسرائيلية إلى أن تمويل المؤسسة قد يأتي من وزارة الدفاع الإسرائيلية أو الموساد، وهي جهات تخضع لسيطرة نتنياهو بشكل غير مباشر. واتهم المعارض الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان الحكومة (برئاسة نتنياهو) بتمويل المؤسسة سرًا من أموال دافعي الضرائب الإسرائيليين .

السيطرة العسكرية والأجندة السياسية

المؤسسة تعمل بتنسيق وثيق مع الجيش الإسرائيلي وشركات أمنية خاصة، مما حوّل العمل الإنساني إلى أداة لتحقيق أهداف أمنية، مثل جمع بيانات الفلسطينيين عبر تقنيات التعرف على الوجوه وربط توزيع المساعدات بفحص الهوية لاستبعاد المشتبه بانتمائهم لحماس .
كما أنها جزء من خطة إسرائيلية-أمريكية لتقويض دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) واستبدالها بآلية تخضع للسيطرة الإسرائيلية .

انعدام الشرعية والثقة

رفضت الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية التعاون مع المؤسسة، واعتبرت آليتها مخالفة للمبادئ الإنسانية، مثل الحياد والاستقلالية، خاصة بعد استقالة مديرها التنفيذي بسبب “عدم القدرة على الالتزام بهذه المبادئ” . واُتهمت المؤسسة باستخدام المساعدات “كسلاح حرب” و”أداة ابتزاز سياسي”، مما دفع الفلسطينيين لرفضها شعبيًا .
وأشارت منظمات غير حكومية، إلى أن “المساعدات المستخدمة للتستر على العنف المستمر ليست مساعدات؛ بل هي غطاء إنساني لإخفاء استراتيجية عسكرية للسيطرة ونزع الملكية”.

سوء التخطيط والكفاءة

المؤسسة تعاقدت مع شركات أمريكية متخصصة في الشؤون العسكرية والاستخبارات بدلًا من المنظمات الإغاثية، مما أدى إلى فشل لوجستي، مثل اختيار مواقع توزيع غير مناسبة وتجاهل احتياجات كبار السن وذوي الإعاقة .
بالإضافة إلى اقتصار التوزيع على 8000 طرد غذائي صغير لا تكفي حتى 5% من الاحتياجات اليومية، مما أشعل الفوضى والتدافع .

التدخل الإسرائيلي المباشر

في حادثة رفح، أطلق الجيش الإسرائيلي النار على مدنيين أثناء تدافعهم للحصول على المساعدات، مما أسفر عن إصابات ووفيات وأجبر المؤسسة على إيقاف التوزيع .
كما منعت إسرائيل إدخال شاحنات المساعدات منذ مارس 2025، مما قلص الكميات المتاحة وأجبر المؤسسة على العمل بموارد شحيحة .

الانقسام الفلسطيني والاتهامات المتبادلة

المؤسسة ألقت باللوم على حماس لإنشائها “حواجز تعيق التوزيع”، بينما حماس اتهمت إسرائيل بـ”التجويع المتعمد” واستخدام المساعدات كغطاء لتهجير السكان . وتفاقم الأزمة الاجتماعية بسبب سياسة التوزيع الانتقائية التي زادت من الانقسامات الداخلية بين الفلسطينيين، خاصة مع تفضيل مناطق على أخرى .

فشل المؤسسة نتج عن مزيج من العوامل السياسية
والعسكرية والإدارية، بدءًا من تحويل المساعدات إلى أداة حرب، وصولًا إلى سوء التخطيط وغياب الشفافية. هذه الأسباب تعكس تحديًا أوسع في توظيف العمل الإنساني لخدمة أجندات غير إنسانية فمن مَن يُدير خيوط اللعبة الحقيقية وراء هذه “المنظومة الإنسانية” التي تُصرّ على العمل خارج الآليات الدولية المعتمدة؟ولماذا تتدفق الأموال الغامضة نحو مؤسسةٍ ترفض الكشف عن حساباتها، بينما تختفي المواد الغذائية في متاهات التوزيع “الانتقائي”؟
أيّ أيدي خفية تُحرّك مشهداً تُوزّع فيه الحقوق الأساسية كـ”منحة” قابلة للسحب، لا كـ”واجب” إنساني؟

الغريب أن أنظمة التتبع العالمية تعجز عن تحديد مسار تلك الشاحنات بدقة… والأغرب أن تقارير التدقيق المالي تتبخر كلما اقتربنا من الحقيقة. هل نُصدّق أن كل هذا “فشلاً لوجستياً”؟ أم أن هناك من يصنع الفشل عمداً؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى