fbpx
تقارير

وثيقة مخابراتية سرية كشفته: الدور البريطانى في وقف تطوير قناة السويس لتحجيم مصر!

متابعة: فريد حمزة ووكالات

تصوروا أن مشروع تفريعة وتعميق قناة السويس، الذي اكتتب لتحقيقه المصريين، وافتتح في منتصف ٢٠١٥، كان برنامجا كاملا قدمته الدولة المصرية للبنك الدولي في سنة ١٩٦٥ للحصول على قرض بحوالي ٢٠٠ مليون جنيه إسترليني لتنفيذه، لكن بريطانيا وقفت ضده حتى منعته، وفق وثيقة مخابراتية سرية تم رفع الحظر عنها.

بسبب قوانين رفع السرية، ولأبعاد أخرى، تكشف المخابرات البريطانية وغيرها من الأجهزة الغربية، عن وثائق كانت سرية لأكثر من نصف قرن، ونحن في “الجمهورية الثانية” نبحث عن مثل هذه الوثائق الخطيرة لرفع الستار عن تفاصيل أحداث تاريخية مصرية، واستيعاب العبر منها، وغير ذلك.

هذه المرة، الوثيقة السرية التي رفعت المخابرات البريطانية السرية عنها تتعلق بقناة السويس، والأمر حاكم بالطبع في تحديات الماضي والحاضر..حيث إننا في أجواء ذكرى هزيمة ٦٧.

كشفت وثائق بريطانية أن لندن كانت وراء إجهاض سعي مصر إلى الحصول على قرض من البنك الدولي لتنفيذ أكبر مشروع لتطوير قناة السويس قبل 65 عاما.

دور الجيش البريطاني
وتشير الوثائق، إلى أنه كان للجيش البريطاني دور مؤثر في اتخاذ لندن قرار الاعتراض على التمويل الدولي للمشروع الذي جاء بعد عامين فقط من تأميم شركة قناة السويس.

في 26 ديسمبر عام 1956، أممت مصر شركة قناة السويس، لتسيطر القاهرة على الممر المائي لأول مرة في تاريخها. وتسبب القرار في أزمة السويس التي كان انسحاب الإمبراطورية البريطانية من الشرق الأوسط أحد أكبر نتائجها.

وفي شهر يونيو عام 1958، أى قبل هذه الأيام ب٦٥ عاما، وقبل هزيمة يوينو بعامين، شرعت مصر في التخطيط لمشروع طموح لتطوير القناة بهدف تعظيم الاستفادة من الممر الملاحي العالمي في تنفيذ مشروعات التنمية الوطنية.

“مشروع ناصر”
تألفت الخطة، التي أطلق عليها اسم “مشروع ناصر”، من ثلاث مراحل. هدفت المرحلة الأولى إلى زيادة عمق القناة كي تستوعب السفن ذات الغاطس الذي يصل إلى 37 قدما بدلا من 35 قدما.

وسعت المرحلة الثانية إلى تعميق الممر الملاحي إلى 40 قدما. أما المرحلة الثالثة فقد طمحت إما إلى توسيع القناة بقدر كبير، وإما إلى حفر قناة موازية كي يسهل مرور السفن في الاتجاهين في وقت واحد، وهو الأمر الذي كان من شأنه زيادة حركة المرور في القناة، وبالتالي زيادة الدخل من العملة الصعبة.

قرض ب٢٠٠ مليون جنيه إسترليني
بمجرد تأكيد السفارة البريطانية في القاهرة عزم الحكومة المصرية التقدم بطلب الحصول على قرض، تترواح قيمته بين 120 مليون و200 مليون جنيه استرليني، من البنك الدولي، طلبت الحكومة البريطانية من الجيش البريطاني تقييم المشروع من الناحية الاستراتيجية.

أحال وزير الدفاع الملف إلى لجنة رؤساء الأركان في القوات المسلحة، التي طلبت من هيئة التخطيط العسكري بها إعداد تقرير شامل بشأنه.

سبب الرفض البريطاني
وبعد دراسة المشروع، الذي طرحته مصر في أعقاب تسويتها خلافاتها المالية مع الغرب التي نتجت عن قرار تأميم شركة قناة السويس، انتهت هيئة التخطيط إلى توصية الحكومة برفضه والسعي إلى منع البنك الدولي من تمويله.

وفي تقرير بعنوان “الجوانب العسكرية لتطوير قناة السويس”، قال وزير الدفاع البريطاني، الذي رُفع إليه التقرير النهائي، إن “رؤوساء الأركان شددوا على أنه ليست هناك مزايا عسكرية في الاقتراح…. هناك اعتراضات عسكرية قوية للغاية عليه”.

قناة إضافية وعمق أكبر
بناء على معلوماتها، قالت هيئة التخطيط، في تقريرها، إنه “من المرجح أن يتيح المشروع (حفر) قناة إضافية، وعلى ما يبدو عمقا مسموحا به هو 37 قدما”.

وكان هذا يعني حاجة مصر إلى تمويل كبير، سوف تسهم فيه بريطانيا باعتبارها مساهما كبيرا في البنك الدولي.

وحذر التقرير البريطانى من أن هذا سيهدد حلف بغداد ويثير غضب دوله التي تعول عليها سياسة بريطانيا في الشرق الأوسط.

الرهان البريطاني
وكانت بريطانيا تراهن على الحلف، المكون من العراق وإيران وباكستان وتركيا، في مواجهة المد السوفيتي الشيوعي في المنطقة.

وجاء في التقرير أن: “استراتيجية المملكة المتحدة في الشرق الأوسط تقوم على أسس منها دعم حلف بغداد”.

وفي هذا الوقت لم تكن الولايات المتحدة تساهم بما يكفي في دعم دول الحلف، بينما بلغ الدعم البريطاني 500 ألف جنيه استرليني سنويا، إضافة إلى منحة سنوية قيمتها 30 ألف جنيه استرليني مخصصة لتمويل مشروعات تدريب لعسكريين من دول حلف بغداد في المملكة المتحدة.

ترضية صارخة لمصر
وحذرت هيئة التخطيط من أنه “نظرا لأن دول الحلف تعاني دائما نقصا في الأموال اللازمة للأغراض العسكرية والمدنية على السواء، وكذا هو الحال بالنسبة للدول الأخرى التي ترتبط بها الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط، فإننا نعتقد بأن قرضا لمصر يتراوح ما بين 120 و200 مليون جنيه إسترليني، وسيكون للولايات المتحدة أو المملكة المتحدة دور فيه، سوف يُعتبر من جانب حلفاء المملكة المتحدة وأصدقائها في الشرق الأوسط ترضية صارخة” لمصر.

وأكد أن هذا “سوف يقوض أهداف واستراتيجية المملكة المتحدة في الشرق الأوسط”.

القناة والأسلحة النووية
من الناحية العسكرية، قلل التقرير العسكري من أهمية القناة في ظل توفر الأسلحة النووية إن نشبت حرب عالمية.

وقال “مع وجود أسلحة نووية، تتوقف قناة السويس عن كونها ذات أهمية كبرى في التخطيط لحرب عالمية”.

وحتى في حالة اندلاع حرب محدودة، ووجدت بريطانيا نفسها طرفا فيها، فإن القناة لن تكون، وفق توقعات رؤساء الأركان، متاحة لاستخدام الجيش البريطاني.

القناة ستُمنع عنا
وأفاد التقرير إنه في حالة نشوب حرب كهذه، فإنها سوف تشمل بالتأكيد تقريبا دولتي الاتحاد العربي (المملكة العراقية والمملكة الأردنية الهاشمية) ، ولهذا “فإن قناة السويس سوف تُمنع عن المملكة المتحدة وحلفائها”، ولن يكون هناك “ضمان بشأن إمكانية استخدام القناة لإرسال تعزيزات”.

واستبعد “إمكانية منع المصريين من إغلاق القناة أمام حركة الشحن البريطانية في أي وقت يريدون”.

الاستراتيجية البريطانية لا تعتمد على القناة
وخلص التقرير، في توصياته النهائية، إلى أن استراتيجية المملكة المتحدة العسكرية “لم تعد تعتمد على استخدام قناة السويس، ولذا فإن التطوير المقترح ليس لديه جانب عسكري كبير، غير تأثيره على حلف بغداد”.

حلف بغداد والقناة
وأضاف: “سوف يتأثر حلف بغداد، واستراتيجية المملكة المتحدة وأهدافها في أنحاء الشرق الأوسط، تأثرا خطيرا بمشاركة المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة في القرض المقترح لمصر”.

الخارجية البريطانية رفضت أيضا
وبعد مشاورات مكثقة، انتهت وزارة الخارجية البريطانية إلى تقييم مماثل استدعى السعي إلى إقناع الولايات المتحدة ودول أخرى، مثل كندا واستراليا ونيوزيلندا، برفض طلب القرض المصري.

وفي برقية إلى ممثلي بريطانيا في الدول الأربع، قالت وزارة الخارجية إن “مثل هذا التطوير الضخم (لقناة السويس) سيكون له فائدة اقتصادية قليلة، أو هو عديم الفائدة، للمملكة المتحدة والدول الغربية الأخرى”.

” إعجاب بالمصريين”
وفي هذه البرقية، التي صنفت بأنها عاجلة وبالغة السرية، نبهت الخارجية إلى التوجس من أن المناخ داخل أروقة البنك الدولي ربما يميل إلى الاستجابة إلى الطلب المصري.

وأشار إلى أن الجنرال ريموند ألبرت ويلر، قائد سلاح المهندسين السابق بالجيش الأمريكي ومستشار البنك الدولي، يؤيد المشروع المصري بعد دراسة أجراها على نفقة البنك.

البرقية العاجلة
وقالت البرقية “نعتقد بأن الجنرال ويلر معجب بالتشغيل المصري للقناة، ومن المرجح أن يوصي بأن قرض البنك الدولي لتطويرها سيكون اقتراحا تجاريا جيدا، ويجب أن يُمنح للمصريين إذا طلبوه”.

وأشارت الخارجية البريطانية إلى أن البرامج العادية التي كانت مصر تنفذها لتطوير القناة تلبي احتياجات الغرب، ومن ثم ليست هناك حاجة لبرنامج تطوير أكبر.

وقالت إن “استكمال برنامج التطوير الثامن الذي تنفذه هيئة قناة السويس، ويشكل أساس برنامج التطوير المصري، من شأنه تلبية احتياجات الشحن الجاف (نقل السلع بكل أنواعها ماعدا السائل منها) ونقل الركاب”.

ضمن الإمكانيات
وأضافت أن تكلفة هذا التطوير “هو ضمن إمكاناتهم (المصريين) الحالية، بدون مساعدة من رأس المال الأجنبي”.

وتناول تقييم الخارجية البريطانية سياسة الغرب النفطية. وحذر من أن القرض الذي تطلبه مصر “سوف يكون مخالفا للسياسة الأنجلو- أمريكية المتفق عليها في بيرمودا الساعية إلى خفض الاعتماد الغربي على قناة السويس وأنابيب الإمداد التي تحمل نفط الشرق الأوسط”.

برنامج ناصر
وأقرت الخارجية بأن لموقف بريطانيا من المشروع المصري، الذي سماه البنك الدولي “برنامج ناصر”، بعدا سياسيا.

وقالت “سيكون لقرض البنك الدولي وأي معونة غربية كبيرة لمصر أضرار سياسية هائلة للغاية”.

واتفقت الخارجية مع تقييم هيئة التخطيط العسكري، قائلة في تقرير بشأنه إن الحكومة البريطانية “قررت ممارسة الضغوط في مسعى لمنع البنك الدولي من إقراض مصر مالا لتمويل تطوير قناة السويس”. ونبه إلى أن هذا التطوير “سيؤدي إلى زيادة العوائد، الأمر الذي يعزز الاقتصاد المصري”.

“لا مساعدة أمريكية مجانية”
وشددت الخارجية، هي الأخرى، على الأضرار المحتملة للقرض المطلوب.

مساعدة المصريين أمر كارثي
وقالت: “سيكون تأثيرها (المساندة المالية لمصر) كارثيا على دول مثل ليبيا والسودان ودول الاتحاد العربي التي سوف ترى الموارد الغربية، التي تود أن تخصص لها، تتاح لدعم قدرات ومكانة جار معاد (مصر)”.

وأبدت خشية من أنه لو مَوّل الغرب الخطة المصرية “فسوف نكون، في الواقع، في موقف يجعلنا حتى أكثر عرضة للابتزاز من جانب ناصر”.

معروف أن مصر افتتحت يوم 6 أغسطس 2015 مشروع توسعة قناة السويس الذي يعمق ويوسع المجرى المائي لقناة السويس بتوفير ممر مائي مواز لمرور السفن بطول 35 كيلومترا.

لذلك، طلبت الخارجية البريطانية إبلاغ الحكومات الأخرى بأن لندن انتهت إلى نتيجة هي “أنه يجب أن نعارض بقوة أي اقتراح بأن يكون البنك الدولي مهتما بمشروعات تهدف إلى تطوير القناة”.

وأرسلت الخارجية البريطانية برقية خاصة إلى جورج كرومر، مسؤول الملف الاقتصادي في السفارة البريطانية في واشنطن وممثل بريطانيا في المجلس التنفيذي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، تتضمن “تعليمات بأن يبلغ وجهات نظرنا للحكومة الأمريكية وبأن يضمن الدعم الأمريكي، لنا”.

مع ذلك، لم تبد لندن اعتراضا على إمكانية تقديم قدر ضئيل من الدعم لمصر في تسيير القناة.

بالطبع، لم تظهر إسرائيل في الصورة، لكن بالتأكيد كان لها دور.. ومن الممكن أن تكون قد عجلت بالحرب لذلك السبب بعد توريط ناصر في تحرش متعمد، وكثيرا من قوتنا العسكرية كانت منهكة في اليمن، وأوضاعنا الاقتصادية لم تكن في أفضل حال، وكان مرفوضا بشكل عام أن تقوم مصر بعد السد العالي وقناة السويس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى