
اعداد: بسنت عماد
في تصعيد ميداني يُنذر بمخاطر إقليمية متزايدة، أعلنت وزارة الداخلية التايلاندية، اليوم الجمعة، أن أكثر من 100 ألف شخص فرّوا من منازلهم في أربع مقاطعات حدودية بسبب تجدد الاشتباكات المسلحة مع كمبوديا، في أخطر مواجهة بين البلدين منذ سنوات.
يأتي هذا التطور وسط تصعيد دموي أدى إلى مقتل 14 شخصاً، بينهم 13 مدنياً وجندي واحد، بحسب ما أعلنت وزارة الصحة التايلاندية، فيما أكدت مصادر رسمية نقل النازحين إلى نحو 300 ملجأ مؤقت في المناطق القريبة من الحدود.
الاشتباكات المسلحة على طول الحدود المتنازع عليها بين البلدين دفعت رئيس الوزراء الكمبودي هون مانيت إلى طلب اجتماع طارئ في مجلس الأمن الدولي، المقرر عقده لاحقاً اليوم، في محاولة لاحتواء العنف المتصاعد، بحسب ما نقلت شبكة Channel News Asia.
خلفيات الصراع: نزاع قديم يتجدد
الخلاف بين تايلاند وكمبوديا ليس وليد اللحظة، بل يعود إلى نزاع طويل الأمد على السيادة في مناطق حدودية، أبرزها المنطقة المحيطة بمعبد بريا فيهير التاريخي، الذي أدرجته اليونسكو كموقع تراث عالمي في عام 2008.
رغم صدور حكم من محكمة العدل الدولية عام 1962 لصالح كمبوديا بمنحها السيادة على المعبد، لا تزال تايلاند تطالب بجزء من الأراضي المحيطة به، ما أدى إلى عدة مواجهات دموية في السنوات الماضية، أشهرها في عامي 2011 و2013، والتي راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى، وتسببت في موجات نزوح.
لكن الاشتباكات الأخيرة تأتي في سياق إقليمي حساس، حيث تواجه كل من بانكوك وبنوم بنه ضغوطاً سياسية واقتصادية داخلية، بالإضافة إلى تصاعد التوترات الحدودية في مناطق أخرى من جنوب شرق آسيا.
تعبئة وتوترات على الأرض
وفق مصادر أمنية تايلاندية، فإن الاشتباكات اندلعت هذا الأسبوع بعد تحركات عسكرية كمبودية في مناطق متنازع عليها، قابلتها القوات التايلاندية بردٍّ سريع، مما أدى إلى تبادل كثيف لإطلاق النار.
وقالت تقارير محلية إن بعض القرى الحدودية تحوّلت إلى “مناطق أشباح” بعد أن تم إجلاء السكان منها، بينما تزايد القلق من احتمال امتداد القتال إلى مناطق مدنية أكثر عمقاً في الداخل.
من جانبها، اتهمت الحكومة الكمبودية تايلاند بارتكاب انتهاكات للسيادة الوطنية، فيما اتهمت بانكوك بنوم بنه بـ”الاستفزاز المتعمد”.
تحركات دبلوماسية دولية وإقليمية
في أعقاب طلب كمبوديا التدخل الدولي، أعلنت الأمم المتحدة أن مجلس الأمن الدولي سيعقد جلسة طارئة مساء اليوم “الجمعة”، وسط تحذيرات من تفاقم الوضع الإنساني على الحدود.
كما دعت منظمة “آسيان” إلى ضبط النفس، فيما تحدثت تقارير عن وساطة محتملة تقوم بها فيتنام أو إندونيسيا بصفتها دولاً محورية في المنطقة.
الهند تراقب عن كثب
رغم عدم وجود صلة مباشرة بالاشتباك الحدودي بين تايلاند وكمبوديا، تراقب الهند تطورات الموقف عن كثب، نظراً لموقعها الاستراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وعلاقاتها المتنامية مع دول جنوب شرق آسيا في إطار مبادرة “Act East”.
وفي ظل تزايد النزاعات الحدودية في آسيا، خاصة بين الهند والصين، تُبدي نيودلهي اهتماماً خاصاً باستقرار المنطقة.
كما تتخوّف من أن يؤدي تصاعد النزاع إلى تعطيل سلاسل الإمداد الإقليمية، خاصةً أن الهند تعتمد على عدة ممرات لوجستية تمر عبر هذه الدول.
احتمالات التصعيد أو التهدئة
بينما تتجه الأنظار إلى مجلس الأمن، يرى مراقبون أن احتمال التهدئة لا يزال قائماً، لكن استمرار النزوح وسقوط مزيد من الضحايا قد يدفع الطرفين إلى توسيع رقعة المواجهة، ما يهدد باندلاع أزمة إقليمية.
ختاماً.. يُنذر التصعيد بين تايلاند وكمبوديا بعواقب إنسانية وأمنية خطيرة، ما لم تُثمر التحركات الدولية عن تهدئة عاجلة تعيد الاستقرار وتمنع اتساع رقعة النزاع.