“قوة الوعي”.. حين يصبح العقل هو بوابة الواقع

يُعد كتاب “قوة الوعي” (The Power of Awareness) للكاتب والمرشد الروحي نيفيل جودارد واحدًا من أبرز الكتب التي تناولت مفهوم الوعي كقوة خفية قادرة على تشكيل الواقع وتغيير مصير الإنسان. صدر الكتاب في منتصف القرن العشرين، لكنه ما زال حتى اليوم يُلهِم الباحثين عن طريق الوعي الذاتي والتجلي الروحي، بفضل لغته البسيطة وأفكاره العميقة التي تمزج بين الفلسفة والتصوف وقوانين العقل الباطن.
من هو نيفيل جودارد؟
ولد نيفيل جودارد في جزيرة بربادوس عام 1905، وانتقل إلى الولايات المتحدة في شبابه، حيث درس المسرح والفلسفة وتعمّق في الدراسات الروحية. عُرف نيفيل كأحد المفكرين الصوفيين الذين ركّزوا على قوة الخيال والوعي باعتبارهما أدوات الإنسان في خلق واقعه. تأثر بتعاليم الكتاب المقدس، لكنه قدّم تفسيرًا رمزيًا وروحيًا للنصوص، مؤكدًا أن كل ما يختبره الإنسان في حياته ما هو إلا انعكاس لحالته الداخلية ووعيه الذاتي.
“أنا هو”… مفتاح الهوية والخلق
يفتتح نيفيل كتابه بعبارة تحمل عمقًا فلسفيًا: “أنا هو”، معتبرًا أنها الاسم الحقيقي لله ولجوهر الإنسان. فحين يقول الفرد “أنا هو”، فإنه يحدّد هويته ويعلن عن طبيعته الخلّاقة. هذه العبارة البسيطة هي، في نظر نيفيل، البذرة الأولى التي تنبثق منها كل التجارب والأحداث.
ويشدّد الكاتب على أن تغيير مفهوم الإنسان عن ذاته هو الخطوة الأولى نحو تغيير حياته، لأن الوعي بالذات هو الذي يحدّد حدود الممكن والمستحيل.
الوعي.. الواقع الوحيد
يرى نيفيل أن العالم الخارجي ليس سوى مرآة للوعي الداخلي. يشبّه الوعي بجهاز عرض سينمائي يعرض على شاشة الواقع ما يحتويه من أفكار ومشاعر ومعتقدات. لذا فإن أي محاولة لتغيير الواقع دون تغيير الوعي هي، كما يقول، “محاولة لتعديل الصورة على الشاشة بدلاً من تبديل الشريط في جهاز العرض”.
هذه الفكرة تمثّل جوهر فلسفة نيفيل التي تتقاطع مع ما يُعرف بـ قانون الافتراض – وهو الإيمان العميق بأن ما تفترضه في داخلك قد تحقق بالفعل، لتبدأ طاقتك في تجسيده في الواقع المادي.
قوة الافتراض.. كيف تصنع مستقبلك؟
في فصول الكتاب، يتعمق نيفيل في شرح قوة الافتراض، مؤكدًا أن الإنسان يخلق مستقبله من خلال الحالة الذهنية التي يتبنّاها. فإذا افترضت أنك ناجح، محبوب، أو سعيد، واحتفظت بهذا الشعور بثقة وثبات، فإنك تدفع عقلك الباطن إلى العمل في انسجام مع هذا الافتراض حتى يصبح حقيقة.
ويقدّم نيفيل تمرينًا تخيليًا بسيطًا: عش في وعيك كأن حلمك تحقق بالفعل، تخيّل الحوارات والمواقف التي تدعم ذلك، وسترى كيف يبدأ واقعك في التبدّل تدريجيًا.
الرغبة كقوة إلهية
لا يرى نيفيل أن الرغبات أمر يجب التخلص منه، بل يعتبرها دافعًا إلهيًا نحو النمو والازدهار. فكل رغبة، في نظره، هي نداء من الله في داخل الإنسان، يحثه على توسيع وعيه وتجربة مستوى جديد من الوجود. لكن تحقيق الرغبات لا يتم عبر التعلّق بها، بل من خلال العيش في حالة الوعي التي تعبر عن تحقيقها.
الحقيقة التي تحرر الإنسان
يختم نيفيل كتابه بفكرة أن الحرية تنبع من تبني حقيقة جديدة عن الذات والعالم. فالحقيقة ليست مطلقة بل تتشكل تبعًا لإدراك الإنسان. عندما يقرر الفرد أن يرى نفسه بعيون جديدة، ويتبنّى وعيًا جديدًا، فإنه يحرر نفسه من قيود الماضي والمعتقدات المقيدة.
في “قوة الوعي”، يقدّم نيفيل جودارد دعوة للتحرر الداخلي عبر الوعي، مؤكدًا أن الإنسان ليس ضحية للظروف، بل صانعها. ومن خلال تغيير طريقة تفكيره وشعوره، يمكنه أن يعيد كتابة قصته من جديد.
الكتاب ليس مجرد نظرية في التنمية الذاتية، بل رحلة روحية نحو إدراك أن كل شيء يبدأ من الداخل — من “أنا هو”.



