مقالات

هشام النجار يكتب: المفكر علي الشرفاء الحمادي.. وبعث إسلامي جديد

رغم المآسي والمحن والهزائم والنكبات والألم فهذا أوان اقتناص لحظة تنويرية، ولو لم يُجبِر المسلمون والعرب أنفسَهم على التجديد والعثور على مركز ونقطة وزمن الإنطلاق الصحيح ليخرجوا من زمن انكشافهم وترديهم ونكساتهم وليبدأوا عصر استعادة الهيبة والحقوق والكرامة ويحموا إسلامهم وأوطانهم، سيستمر التدهور وستُدمر وتزول المزيد من مدنهم وحواضرهم ودولهم وستظل ثرواتهم والمزيد منها منهوبة وشعوبهم مذلولة مهانة نازحة لاجئة مشردة.
من يفكر في حلول خارج سياق العثور على لحظة الانطلاق للتجديد وتصحيح المسيرة يحرث في البحر.
ولمن لا يزال يعول على ردود الأفعال وطلب النجدة من محكمة العدل والجنائية الدولية والأمم المتحدة والتنديد بالظلم ومواصلة المطالبة بالعدالة للجميع وسيادة القانون، فهؤلاء إما عاجزون عن فعل شيء ويتعللون بحالة عبثية، أو لا يدرون كيف تُدار منظومة (العدالة الدولية) منذ آلاف السنين، ويكفي التذكير بالعبارة التي وردت في مجادلة ( ثراسيماخوس) مع سقراط عندما دخل معه في مشاجرة من آلاف السنين (العدالة عملية احتيال ومجموعة معقدة من القواعد يستحضرها الأقوياء للسيطرة على الضعفاء).
لا مفر من العثور على نسخة الإسلام المنتصر الحضاري ومن العثور على لحظة الانطلاق ولحظة التجديد المفقودة.
لأن الإسلام أولًا والدين عمومًا هو مصدر رئيسي من مصادر القوة، كما أنه يتحول إلى عامل ضعف إذا تم اللجوء إلى نسخة مزورة ومزيفة منه وقد كان وحدث بالفعل.
ثانيًا: لأن من تقدموا بمشاريع تصدي وتحدي لقوى الاستكبار العالمي وتسببوا في النكبة الحديثة والهزيمة المنكرة دولًا وجماعات سواء سنية أو شيعية زعموا أنهم يمثلون الإسلام، فهل كان هو الإسلام الحضاري الحقيقي المنطلق من اللحظة التنويرية المقصودة المفقودة، أم مجرد نسخة مزيفة مزورة منه مأخوذة من لحظات ولقطات مصنوعة خصيصًا للفتنة والتردي والانهزام؟
أزعم أنه لم يُطرح مشروع ديني سياسي وفكري خلال القرن الماضي عثر على اللحظة المفقودة، نعم هناك بعض أسماء حاولت وحامت حول اللحظة واقتربت بشكل كبير، لكن لم يكن هذا المشروع المتكامل المتماسك الذي نصبوا إليه.
غير ذلك فالكل تخبط؛ فمنهم من قال نعمر المساجد وقام بنشر أساطير وأحاديث موضوعة في فضائل العبادات ليحث الناس على الرجوع إلى الدين وهؤلاء حالهم كحال رجل جلس يقرأ تعاويذ أمام جبال الهَملايا لتتحرك من مكانها أمامه.
ومنهم من قال بالخطب والبيانات الرنانة والشعبوية، وهذا وذاك لا يقلان سذاجة عن المتسكعين المسلحين الذين شغلوا الساحة طوال قرن وقالوا إن استعادة الإسلام وصولته ستتحقق باغتيال زعيم سياسي أو الانقلاب عليه والإطاحة بعرش من العروش.
لا يفهم هؤلاء جميعًا أن الكون الذي خلقه الله خاضع لقوانين ونواميس وسنن محكمة وأن النموذج الذي طرحوه منطلق من لحظات تقود تلقائيا للفرقة والضياع والهزيمة وغالبا وهذا ثبت بالدليل والبرهان تحركهم القوى المعادية التي تمعن في إيذاء العرب والإسلام وأوطانه.
لا يفهمون أيضًا أن المسألة ليست مسألة إخضاع شخص أو حاكم أو الهيمنة على حكم دولة، إنما المسألة مسألة إخضاع القوى العالمية المستكبرة المتجبرة التي قهرت المسلمين والعرب وشوهت مفاهيم الإسلام وساعدهم في ذلك أناس يزعمون أنهم مسلمون ودول تدعي أنها إسلامية.
إذن نحن (الأمة العربية والعالم الإسلامي) بحاجة للعثور على اللحظة المفقودة في تاريخنا لننطلق منها، لنستعيد الهيبة والحقوق والمجد والمكانة ونخرج من زمن النكبات والنكسات الذي تسببت فيها قوى وجماعات طرحت نسخًا مزيفة مزورة من الإسلام، ولكي نحقق بعث إسلامي حقيقي جديد.
قبل أن يحدد اللحظة التجديدية المفقودة تكلم المفكر العربي علي الشرفاء الحمادي في كتابه (المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي) عن اللحظات الأخرى التي انطلق منها هذا العبث الذي نعيشه الآن، ونتج عنها النكبات والنكسات التي حلت بالمسلمين والعرب اليوم.
قال الشرفاء إن المسلمين السنة صنعوا لهم روايات متناقضة مع آيات القرآن الكريم، وصنع المسلمين الشيعة لهم روايات خاصة بهم، فنتج عن ذلك ركام من الفرق والمذاهب الممزقة المتصارعة المتناحرة التي تخدم مخططات الأعداء، ولم يكن هذا مجرد خطأ أو جريمة غير مقصودة، إنما عمل مدبر ومؤامرة كبرى قادها اليهود والمجوس الذين نجحوا في صرف المسلمين عن القرآن بالروايات المكذوبة والمسمومة لكي يُنفذ المخطط الشرير للإنتقام من العرب حملة الرسالة الإسلامية.
قال الشرفاء أنه تم استدراج الطائفتين (السنة والشيعة) إلى نفق مظلم استنفدوا دماءهم وطاقاتهم واقتصاداتهم وكل منهم لجأ لأعداء الإسلام ليستمد منه الدعم والمساعدة ضد إخوانهم من المسلمين رغم تحذير القرآن (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء)، وكان هذا نتيجة اعتمادهم على روايات ضالة وإيمانهم بمرجعيات متضادة بدون تمحيص وتدقيق بعيدًا عن شريعة الله.
وقال إن الإسرائيليات ساهمت بدور كبير في إحداث خلل خطير بكثير من الروايات التي أدت لتفرق المسلمين واقتتالهم، فكل الأحاديث حملت في طياتها ومراميها مضمون يؤدي لنشر الفتنة وتضليل المسلمين عن مقاصد دين الإسلام.
إذن تنازع العرب والمسلمون وتقاتلوا وتصارعوا واتخذوا اليهود والنصارى أولياء وخالفوا أمر الله في (واعتصموا) ولأنهم لم يلتزموا بأمر الله بالوحدة التي تتحقق فقط بالتمسك بالخطاب الإلهي (القرآن الحكيم) اشتعلت الفتنة بينهم واستمر القتال والصراع أربعة عشر قرنًا وتوعدهم ربنا بقوله (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون).
إنها آية مرعبة (لست منهم في شيء) يعني (لا تمت لهم بصلة) وهذا تحذير للمسلمين، مفاده أن الرسول جاءهم بدعوة التوحيد يدعوهم للتمسك بكتاب الله الذي يوحدهم ويحميهم من الفرقة والتنازع، ولأنهم لم يتبعوا الآيات التي تأمرهم بالوحدة وتفرقوا شيعًا وفرقًا وأحزابًا، فلم يعد الرسول منهم لأنهم اتبعوا روايات البشر المزورة وشياطينهم، فلم يعد المسلمون يتبعون الرسول بتفرقهم وتشرذمهم.
بالإضافة للفرق والمذاهب والشيعة والسنة المتصارعين أنتج الخطاب الديني المستند للروايات الإسرائيلية المدسوسة المكذوبة على الرسول جماعات تكفيرية زادت من تمزق وتفرق المسلمين.
صار هناك آلاف الجماعات والتنظيمات التكفيرية التي ضربت في عمق الدول والمؤسسات وارتكبت الفظائع ودخلوا في تحالفات وانضووا في مشاريع تفكيكية مع القوى الدولية ومع اليهود والنصارى ضد العرب فتعقدت الأمور، وتمكن الأعداء بشكل أكبر من التحكم في قرار وثروات ومقدرات المسلمين والعرب، هذا غير تشويه الإسلام وتنفير وإبعاد الناس عنه.
وفق المفكر العربي علي الشرفاء فهذه هي لحظات الانطلاق الخطأ في تاريخنا، والتي كانت توقيتاتها محسوبة ومدروسة بناء على مخططات ومؤامرات لتمزيق العرب والمسلمين وتفريقهم ونزع مصادر قوتهم، فأين إذن لحظة التجديد المفقودة؟ أين النقطة الزمنية التي نرجع إليها وننطلق منها بالإسلام من جديد نحو بعث إسلامي حقيقي لأول مرة في تاريخنا؟
قال الشرفاء: (آن الأوان لتصحيح المسيرة باتجاه الشريعة القرآنية والاتفاق على إمام واحد للمسلمين هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعدم الإلتفات للروايات المنقولة كافة من المنتمين للسنة أو المنتمين للشيعة، فكل الروايات دون استثناء استحدثت لهدم رسالة الإسلام وخلق الفتنة بين المسلمين جميعًا، والماضي يقر بذلك والحاضر نعيشه بكل مآسيه).
وبعدما أثبت علي الشرفاء بالأدلة انتفاء صحة الروايات المدسوسة والمكذوبة لتعارضها مع آيات القرآن الحكيم، وهذا يؤكد انتفاء قيمتها ومضامينها وتزويرها وافتراء الرواة على رسول الله، حدد اللحظة المفقودة، لحظة الإنطلاق لتجديد وبعث حقيقي للإسلام يحقق وحدة المسلمين ومجدهم ويعيد لهم حقوقهم.
قال الشرفاء للمسلمين والعرب تعالوا نتصور أنفسنا في حضرة الرسول عليه السلام وهو يبلغنا رسالة الله في كتابه المبين ويتلو علينا القرآن نتعلم منه منهج الخطاب الإلهي الذي يأمرنا باتباع القرآن وعدم الاعتماد على استنتاجات بشرية منسوبة للصحابة ومن جاء بعدهم من الذين نصبوا أنفسهم أهل معرفة وعلماء وشيوخ الإسلام.
هذه هي اللحظة إذن؛ قبل أي شيء حصل بعد وفاة النبي عليه السلام (قبل الروايات، قبل الصراعات، قبل السنة والشيعة، قبل الميليشيات والجماعات، قبل الذين نصبوا أنفسهم شيوخ الإسلام وأمراء الجماعات).
هذه هي اللحظة؛ نجلس نتلقى عن الرسول تعاليم القرآن (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)، (إتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلًا ما تذكرون)، (كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين).
تلك هي اللحظة؛ حيث لا وجود لشيوخ للإسلام ولا أئمة ولا كهنة ولا أحبار، بل عباد لله مخلصين له الدين يتبعون رسولًا كريمًا، كما أمر الله ولا اجتهادات بشرية أو خطابات دينية متعددة بل خطابًا إلهيًا واحدًا ورسولًا وإمامًا واحدًا، يعلمنا (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) و(أن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم)، و(لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله).
هذه هي لحظة التجديد المفقودة كما حددها المجدد الأستاذ علي الشرفاء الحمادي، فلا يوجد نص في القرآن بإتباع أي من المذاهب التي ما أنزل الله بها من سلطان شيعية وسنية ولا جماعات مهما ادعت إنها تأخذ من الإسلام -لأنها في الحقيقة تزيفه وتزوره وهي وبال وكارثة عليه وعلى أهله-.
أما الخطاب الإلهي في القرآن الحكيم فيدعو الناس كافة إلى الإسلام أن نكون مسلمين (هو سماكم المسلمين) لا سنة لا شيعة ولا حزب الله ولا إخوان ولا داعش ولا قاعدة.
إنه خطاب يدعو لوحدة الصف والإعتصام بحبل الله ويحذر من تفرق المسلمين إلى فرق وطوائف وشيع مختلفة، بل الإلتزام بالعنوان والتسمية (المسلمون) وبالمضمون ومقتضيات ومتطلبات الوحدة.
وبالتمسك بالتسمية الواحدة وبالمضمون وبأوامر القرآن تزول أسباب الفرقة والتحزب لأن الانتماء سيكون فقط للإسلام تأكيدًا لقول الله تعالى (ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى