Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
سلايدرمقالات

أمجد الفقي يكتب:  هنا القاهرة عاصمة القرار 

 مخطئ من يظن أن مصر 

” مفعولٍ بها “، فسماع صخب منافسيها لا يجب أن يفهم أبدا على أنه ضعف منها.

لقد مر علينا  الكثير و الكثير مما سمعناه من هذا الصخب الأجوف الذي لم يكن يعبر إلا عن صرخات الألم حين وضعت القاهرة أصابعها على مواجع المشروع الإقليمي الطموح!!

و لذلك فإن الصمت المصري هو  تكتيكٌ فريد لا يعبر عن فراغ في القرار ؛ بل يعبر عن خطاها المُتقدِّمة التي هي أسبق من آلاف الخطى و أمضى من سيوف الغدر .

و على هذا الميزان فلنقرأ قمة شرم الشيخ بسؤال استفتاحي هام..

هل هذه القمة بمثابة سلام مشروط أم استسلام مُقنّع؟ 

بالتأكيد، هناك صفقاتٌ في الغرف المغلقة ، لكن ماذا تريد واشنطن من مصر، وكيف تصوغ القاهرةُ ردَّها؟

حين تكتب القاهرةُ الصفحة الأخيرة فهي تقدّم الرواية التي بين أيدينا  بأن مصرَ هي عاصمةٌ للقرار في الشرق الأوسط.

بدى المشهد مهيباً و اليوم مشهوداً في شرم الشيخ حيث توافدت الزعامات و اصطفّت العواصم خلف مصر و رئيسها، تتلقّى درسًا تاريخياً في قيم السلام و حدود الحق و هيمنة القدرات،

صورةٌ قد تُرى بروتوكولية، لكنها في لُبّها رسالة بعلم الوصول بأن.. 

“هنا القيادة منبع  التأثير، هنا القاهرة “

من منا لم يشهد أبشع ما اتهمت به مصر من تهم التفريط و التبعية و  الخيانة و انحسار التأثير طيلة الأعوام الماضية؟

لكن اليوم نفذ القرار المصري بصوت جلي أجش واصفاً نجاعة القدرة و الضغط المصري الذي حطم كل الروايات التي زعمت بأن مصر باتت بلا وزن.

و الآن دعني أروي لك كيف حيكت كواليس النهاية التي رسمت لمصر و مشهد الإنتصار المصري و الغياب القسري لأطراف المؤامرة الذي قد وشى باتفاق خفيّ للتهجير و إستخدامه كأداة لكسر السيادة المصرية.

ولا أخفيكم سرا أن تفاهماً سِرّياً بين دوائر السياسية في واشنطن قد جمع بايدن و ترامب على كلمة سواء وهو انهاء حرب غزة  عبر مصر، ليس عبر سلامٍ شامل، بل عبر مخطط التهجير ليُصيب هيبة الدولة المصرية في مقتل. 

لكن القاهرة قلبت الطاولة على الجميع و أبطلت المخطط من دون أن تقدم جزية مالية ، أو تسيل الدم  المصري الطاهر أو تتنازل عن ذرة من تراب أراضيها المقدسة، بينما تورّطت الأطرافٌ الإقليمية الفاعلة و اسرائيل و دول الطموح العربي الشريد في حساباتٍ مكلفة.

و عندئذ تكلم الغياب و تسآءل لماذا لم يحضر بعضُ العرب؟

الغياب الخليجي/ العربي لم يكن تفصيلًا ديكوريًا، بل كان حلقة من الحلقات الجهنمية لمشاريع بديلة طمحت إلى وراثة الدور المصري 

في المنطقة.

الكواليس تَسوق لنا إشارات خفية إلى تواصلاتٍ خلفية مع دوائر أمريكية لتمويل تصوّرات “ريفييرا الشرق” في غزة، و كذلك تفصح عن  أدوارٍ لمؤسساتٍ وشخصياتٍ دولية قد صمّمت خرائط استثمار و سياسة بمبالغ فلكية.

 إلى أن ساق  العدو الصهيوني بحماقة “يشكر عليها ” ضربته للدوحة ، فتعالى الهمس في الخليج:

أين ضمانات  السلام  الإبراهيمي و كيف يضمن الخليج بعد هذه الضربة أنه لن يُمس؟

ثم توالت بعد ذلك خطواتٌ تُعيد إدماج القاهرة في مشهدهم من خلال القمةٌ العربية/ الإسلامية بالدوحة لردع إسرائيل لكن من دون تسليمٍ القيادةٍ لمصر ، و ما تلاها من ترتيباتٌ سعودية/ باكستانية على مائدة الصين.

إلا أن الخيط الناظم في هذا الرداء الذي لا يستر عورة الأطماع هو إبقاء مصر مستقرة لا متصدّرة ، تعيش في عنق الزجاجة؛ بحيث لا تقع داخلها ولا تخرج منها إلى فضاء الزعامة.

تلك الضربة الحمقاء و تبعاتها قد استلزمت مراجعة أمريكية و خلقت مأزقاً لإسرائيل.

فترامب قد  راجع حساباته الدقيقة و اقتنع برؤية القاهرة في إنهاءُ حرب غزة عبر مصر كوسيط أوحد يمتلك هذه المفاتيح.

ومن هنا تسارعت مراجعة العلاقات الأمريكية مع مصر.

أمّا نتنياهو، فكان حضورُه للقمة فخًّا لو كان قد حضر ؛ لأن جدول القمة حمل:

اعترافًا بدولة فلسطين .

و طرحَ شرق أوسط منزوعا من السلاح النووي.

و ترتيباتِ إعمار تتشكّل في القاهرة.

و الحصيلة التي كانت متوقّعة لحضوره كانت ستسرِّع من نهايته السياسية، لذلك قرر الغياب مع من غابوا.

و برغم ذلك فإنّ الإعلام العبري قد ضجَّ لأن القاهرة باتت تراقب كافة ترتيبات الملف حتى داخل سجون إسرائيل بما يعُدّ وجعًا صريحًا للمؤسسة الإسرائيلية.

و بهذا المشهد المهيب تكون مصر قد كرست لدرس من دروس التاريخ و هو أن “الزعامة ليست بالمال”.

فزعامة مصر قرارٌ مستقل، ليست شيكات على بياض قد رُصدت في منافسات لافتة على استضافة ترامب و استمالته ( بالطائرات، و القواعد، و الصفقات الترليونية ) جُل هدفها تمرير جولته الخليجية على حساب تغريب القاهرة. 

و فرضت شرم الشيخ  معادلةً أخرى:

العالم جاء إلى مصر من دون فاتورةٍ مصرية، فتجلى أمام العالم أجمع أن الثِّقَل لا يُشترى و لا يُستعار.

إذن فماذا تريد واشنطن من مصر؟

واشنطن تريد قائمة من خمسة  مطالب  نُسِبت إلى فريق ترامب الذي قيل إنه حضر بوفدٍ تفاوضي لحزمة من المطالب إلى القاهرة:

أولها: فكّ التشابك مع موسكو وبكين و تجميد مسار بريكس وتقليص التعاون الصناعي و التجاري ، وإعادة أولوية

 الاستيراد من الولايات المتحدة.

ثانيها: إسناد أفريقيا من خلال تقليصُ العبء الأمريكي القاري، وتمكينُ مصر من دور “الضامن” و المشغِّل للقارة الأفريقية سياسيًا ثم أمنيًا.

ثالثها: وساطةٌ بالوكالة على أن تتولّى القاهرة إدارة قنوات الوساطة بين واشنطن وكلٍّ من روسيا والصين وبعض الأوروبيين، مع الحفاظ على قاعدة احتفاظ أمريكا بحق الرفض او التنصّل.

رابعها: تحويل الاتفاقات الإبراهيمية إلى حلفٍ عسكري يضم إسرائيل ودولًا عربية، مع انضمامٍ مصريٍّ عاجل وهم في ذلك واهمون.

خامسها: العودة إلى التعاملات الدولارية حصريًا و ايقاف ترتيبات المقايضة بالعملات المحلية مع روسيا والصين والهند و الدول الأفريقية و تركيا بل و حتى الشراكات الخليجية التي بدأت تمضي في ذات الطريق .

و علاوة على ذلك ، طُلب أن تكون القمة للشرق الأوسط بأسره لا لقطاع غزة فقط، وأن تُعقد جلسةٌ مغلقة بين الرئيس المصري وترامب مع قادة أوروبيين لعرض مراحل سلام إقليمي تشمل سوريا و لبنان و اليمن و إيران، على أن تكون مصر المنسّق العام و هو الهدف الأمريكي الأشمل لتفريغ الساحتين المشرقية و الأوروبية من التوتر للتفرّغ إلى الصين وحرب الرسوم التي تصاعدت في اليوم التالي لقمة السلام إلى 100% تلتها ردود أفعال صينية عقابية تجاه شركات أمريكية.

إلا أن خطوطُ القاهرة الحمراء عزيزي القارئ لم تمحى و لن تمس

فالموقف المصري واضح و هو:

رفض الوصاية على القرار الخارجي والاقتصادي ؛ فلا قطيعة مفروضة مع روسيا والصين، ولا اصطفافًا قسريًا خلف امريكا.

رفض دور الشرطيّ الافريقي  لمصالح الآخرين في أفريقيا؛ 

ذلك لأن القاهرة تعلم كلفته على المدى الطويل بما يمس صورتها و رصيدها  التاريخي في دعم حركات التحرر الافريقي و مد يد العون للقارة من أجل التنمية و الاستدامة.

رفض قاطع لحلف عسكري مع إسرائيل ؛ إذ تصطدم الفكرة بعقيدة الجيش المصري و عقيدة المقاتل المصري.

و عليه فإنه برغم خطوط القاهرة الحمراء الملتهبة عليك أن تثق في قيادة مصر و لا تتوقّع صدامًا مباشرًا مع واشنطن، بل مباحثاتٍ مُطوّلة تحفظ صيغة التعاون مع أمريكا على نمط الولاية الأولى لترامب.

كما لا يفوتني الإشارة إلى المرحلة القادمة و التي تأتي على رأس منتدى شرم الشيخ وإدارةُ الإعمار على الطريقة المصرية:

 فقد أقرّت أوروبا إنشاء منتدى شرم الشيخ للطاقة والسلام تحت إدارةٍ ورعاية مصرية لمتابعة إعمار غزة وتنمية شرق المتوسط. 

و القاهرة طلبت إحترام السيادة بلا قيود، فوافقت واشنطن والأوروبيون، ووقّعت العواصم المتقدمة وثيقة تعهد بذلك ، وحتى إسرائيل وافقت عمليًا 

“رغم غياب نتنياهو” فيما اعتُبر تقليلًا بروتوكوليًا من شأنه و مسمارا اخيرا في نعشه المتآكل.

كما يجري التحضير حاليا لاستقبال قوات أوروبية و معها قوات تركية داخل غزة ضمن آليات التنفيذ.

و بذلك تكون القاهرة قد أسقطت المشاريع البديلة و حلت بثقلها التاريخي أصلا لا يستبدل.

اخيرا عزيز القارئ 

لم تكن القمة مشهداً بروتوكولياً، بل إعلان لميلاد شرق أوسط جديد ببصمة مصرية خالصة.

و بذلك انطفأ مشروع إسرائيل الكبرى ، وتمددات تركيا وإيران و كسر الطموح الخليجي، و اعتلت القاهرة عرشها التاريخي، لتعلن أنه لا ملفَّ يُغلقُ بلا توقيعٍ أو مباركةٍ منها.

 أما بخصوص أزمتها الاقتصادية فهي قيد التعافي بعد اسقاط أخطر مسبباتها من جراء الضغوط الاقتصادية التي مورست عليه لتنفيذ مخطط التهجير، فمن قاطعها بالأمس يقف عند عتباتها اليوم ؛ ومن موَّل هجومه الإعلامي عليها قد ارتبك فوق منبره؛ و من أشاح بوجهه عنها يتوسل لها لتطل عليه.

حاشية واجبة 

هذه القراءةٌ التحليلية  تحذّر من الانخداع بالصخب، وتدعو إلى تماسك الجبهة الداخلية بوصفها رأس مال القرار السيادي المستقل. 

بمنطق بسيط ومُختَبر. 

و هو أن الثِّقَلُ يصنع الصمتَ المعبِّر، و الصمتُ المعبِّر يصنع النهايات.

وحين تكون اللحظة فارقةً في كتابة التاريخ ، فإن الورقة التي تُسجِّل السطر الأخير  تُكتب في القاهرة.

فلتبقَ ثقيلةً بثِقَلها ، تمسك مقبض الميزان في منتصف العالم ، وتدير إيقاع المنطقة بلا ضجيجٍ زائد ولا تنازلٍ عن الحق. 

هنا المعادلة التي لا طرفٌ فيها.. فالقاهرة هي المعادلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى