الجارديان: من الاغتصاب الجماعي إلى التجنيد القسري.. أزمة عصابات الشباب في جنوب السودان

متابعة : رحمه حمدى
تناولت صحيفة الجارديان البريطانية قضية فيديو انتشر على الإنترنت في يونيو الماضي يوثق عملية اغتصاب جماعي وقعت في جنوب السودان. قام الجناة بتصوير الحادث ونشره على منصات التواصل الاجتماعي، حيث يظهر في التسجيل مجموعة من الشباب في حالة سكر واضحة وهم يتناوبون على الاعتداء الجنسي على فتاة تبلغ من العمر ستة عشر عاماً داخل غرفة مظلمة بحي الشركات في العاصمة جوبا. كشفت التحقيقات لاحقاً أن الضحية تنتمي إلى عصابة منافسة، وأن عملية الاغتصاب وتصويرها جاءت بدوافع انتقامية.
أثارت الحادثة موجة عارمة من الغضب الشعبي، حيث طالب البعض بمحاسبة الجناة، بينما دعا آخرون إلى إعدامهم. ردت السلطات بحملة أمنية واسعة النطاق ضد العصابات في المدينة، وأعلنت خلال أسابيع عن اعتقال أكثر من ستمائة شاب، تم لاحقاً إطلاق سراح أكثر من نصفهم دون توجيه أي تهم لهم. يرى بيتر أمولي وألاك أكوي، وهما من الأعضاء السابقين في العصابات واللذان يشاركان الآن في جهود منع العنف بين الشباب، أن هذا النهج الأمني يمثل استجابة مألوفة لكنها غير مجدية لمعالجة جذور المشكلة.
أعرب أمولي البالغ من العمر خمسة وثلاثين عاماً عن قناعته بأن الحل لا يكمن في استخدام القوة، بل في التعامل مع المشكلة من خلال بث روح المحبة وتذكير الشباب بقيمهم الدينية. من جانبه، عبّر أكوي البالغ من العمر أربعة وعشرين عاماً والذي أسس أكاديمية لكرة القدم في حي الشركات، عن خيبة أمله من الهجوم، مشيراً إلى أن بعض المشاركين فيه كانوا من الشباب الذين يعمل معهم، لكنهم لم يستجيبوا لنصائحه. أكد أكوي على أهمية الاستمرار في الجهود رغم الصعوبات.
تعود ظاهرة عصابات الشوارع في جنوب السودان إلى فترة ما بعد الاستقلال عام 2011 والحرب الأهلية التي استمرت خمس سنوات. انتشرت جرائم السرقة التي يقوم بها مراهقون يستخدمون دراجات نارية صغيرة في مختلف أنحاء البلاد، خاصة في جوبا، وأصبحت اشتباكات الشوارع بين العصابات المتنافرة باستخدام السكاكين والسواطير مشهداً مألوفاً.
في سياق متصل، أشارت عائلات إلى أن حملة الشرطة شملت اعتقال شباب دون خلفية إجرامية، مع صعوبات في تحديد أماكن احتجاز أبنائهم. ترددت أنباء عن تجنيد قسري لبعض المعتقلين في صفوف الجيش الحكومي الذي يواجه قوات المتمردين في مناطق مختلفة من البلاد.
تصاعدت حدة القتال بشكل ملحوظ منذ مارس في منطقة أعالي النيل الشمالية الشرقية، مما أدى إلى وضع النائب الأول للرئيس رياك مشار قيد الإقامة الجبرية في جوبا. كان مشار إلى جانب الرئيس سلفا كير من الموقعين الرئيسيين على اتفاق السلام عام 2018 الذي حذرت الأمم المتحدة من احتمالية انهياره.
في جلسة برلمانية عقدت في الثامن والعشرين من يوليو، أعرب النائب صامويل بوهاري لوتي عن قلقه من تجاوز حملة القمع العصابات ووصولها إلى شباب أبرياء، مشيراً إلى حالات اختفاء وظهور بعضهم لاحقاً كجنود في مناطق القتال.
من جهته، كشف إدموند ياكاني المدير التنفيذي لمنظمة تمكين المجتمع عن تلقيه اتصالات من عائلات تبحث عن أبنائها المفقودين، مع معلومات عن وفاة بعض الأطفال في ثكنات عسكرية. في الأول من أغسطس، نشرت قوات المعارضة فيديو يظهر مراهقين يروون كيف تم نقلهم من جوبا إلى مناطق القتال بعد اعتقالهم، ودعت المنظمات الدولية للتدخل.
في سياق متصل، أصبح منزل أمولي نقطة تجمع للمراهقين والعاملين الاجتماعيين من منظمة جريدو المدعومة من اليونيسف. يجلس تحت شجرة مانجو اثنا عشر فتى تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والعشرين، جميعهم انضموا للعصابات بسبب ظروف اقتصادية صعبة. يشرح أمولي صعوبة الخروج من العصابة، حيث يتطلب ذلك دفع مبالغ لزعمائها.
أشارت ساكايا بيتر العاملة في جريدو إلى أن معظم هؤلاء الشباب ينتمون لعائلات تعاني من آثار الحرب والصدمات النفسية، حيث يفقد الكثيرون آباءهم إما بالوفاة أو الالتحاق بالجيش. يعتمد المركز في عمله على استقطاب أطفال الشوارع وأعضاء العصابات السابقين لمساعدة الشباب، مع التركيز على بناء روابط عاطفية تسهل عملية التغيير.
يعبر الشباب في المركز عن قلقهم من المستقبل، حيث قال أحدهم إنه تعب من أعمال العصابات. من جانبه، يروي أكوي (المعروف باسم كوكو) تجربته مع العصابة التي انضم إليها في الثالثة عشرة من عمره، وكيف تمكن من الخروج منها عام 2018 بإنشاء أكاديمية لكرة القدم. يدرب أكوي الآن أكثر من تسعمائة طفل، ويؤمن بأن كرة القدم توفر لهؤلاء الشباب الشعور بالانتماء الذي يبحثون عنه.