كوريا الجنوبية تبتكر روبوت سائل يتسلل عبر الشقوق مثل الماء

في إنجاز علمي يبدو وكأنه مقتطع من فيلم خيالي، نجح باحثون في جامعة سيول الوطنية في تطوير أول روبوت سائل بالكامل في العالم، قادر على التدفق كالماء، والانقسام ثم الاتحاد، وحتى نقل الأدوية داخل الجسم البشري بدقة غير مسبوقة. لكن هذا الابتكار الثوري لم يظهر من العدم، بل كان تتويجاً لمسيرة علمية طويلة بدأت بأبحاث الروبوتات اللينة ووصلت إلى عصر المواد الذكية.
تعود جذور هذا الابتكار إلى ثمانينيات القرن الماضي، عندما بدأ العلماء تجاربهم على ما يُعرف بـ”الروبوتات اللينة” المصنوعة من مواد مرنة مثل الهيدروجيل والسيليكون. هذه الروبوتات، المستوحاة من كائنات طبيعية مثل الأخطبوط، تميزت بقدرتها على الانثناء والالتفاف حول العوائق، لكنها ظلت محدودة بسبب اعتمادها الجزئي على هياكل صلبة لتحقيق الحركة.
مع مطلع الألفية، ظهرت فئة جديدة من “المواد متغيرة الطور” مثل سبائك الغاليوم التي تذوب عند درجة حرارة منخفضة (حوالي 30°م). في نفس الفترة، تقدمت أبحاث الجسيمات النانوية المغناطيسية، التي مكنت العلماء من التحكم في السوائل عن بعد باستخدام المجالات المغناطيسية – تقنية استُخدمت أولاً في الجراحات الدقيقة لنقل الأدوية. الابتكار الحقيقي لروبوت جامعة سيئول جاء من دمج هذه التقنيات:
يُعد هذا الاختراع نقطة تحول لأنه يختلف عن كل ما سبقه بثلاث خصائص فريدة:
- القدرة على اختراق المسارات الضيقة في الجسم (مثل الأوعية الدموية الدقيقة)
- المرونة غير المحدودة في تغيير الشكل والحجم
- إمكانية التحكم الدقيق عبر الحقول المغناطيسية
يقول البروفيسور كيم سونج-هيون، أحد المشاركين في البحث: “هذا ليس مجرد روبوت، بل هو أداة طبية ذكية ستغير مفهومنا للجراحات الدقيقة”. وقد وصفه الخبراء بأنه “ثورة تكنولوجية لعام 2025”.
يتم التحكم بالروبوت باستخدام الموجات فوق الصوتية، مما يمنحه مرونة عالية في الحركة والقدرة على تحمل ضغط كبير، فضلاً عن استعادته شكله الأصلي حتى بعد التشوه. ومن المثير للاهتمام أن هذا الروبوت يشبه إلى حد كبير الروبوت “T-1000” المصغر من أفلام الخيال العلمي، حيث يمكنه الانقسام إلى جزئين منفصلين ثم العودة والاتحاد مرة أخرى بشكل كامل.
اعتمد الباحثون في تصميم الروبوت على سبيكة معدنية تتكون من الغاليوم ممزوجة بجزيئات نانوية مغناطيسية. وتتميز هذه المادة بأنها تبقى في حالة سائلة عند درجة حرارة الغرفة، ولكن عند تعريضها لمجال كهرومغناطيسي، فإنها تستطيع اتخاذ أشكال مختلفة، بدءًا من الخيوط الرفيعة وحتى الهياكل المعقدة. وعلى عكس الروبوتات “اللينة” السابقة، فإن هذا الروبوت لا يحتوي على أي قشرة من السيليكون، لأنه سائل بالكامل يشبه الزئبق، لكنه قابل للتحكم بدقة عالية.
وصفت الدكتورة “كيم سو يون”، قائدة المشروع البحثي، هذا الابتكار بقولها: “هذه ليست مجرد مادة عادية، بل هي سائل ذكي قادر على التكيف مع البيئة المحيطة. تسمح الخوارزميات التي طورناها للروبوت بالاستجابة في الزمن الحقيقي، والانقسام إلى أجزاء، والالتفاف حول العوائق، بل وحتى محاكاة نسيج الأجسام التي حوله”.
يفتح هذا الابتكار الباب أمام تطبيقات طبية واعدة، خصوصًا في مجال توصيل الأدوية بدقة إلى الأنسجة المصابة، مما قد يُحدث تحولًا جذريًا في أساليب العلاج مستقبلًا.