الأخبارتقارير

بموافقة “الشرع”.. إقامة أول قاعدة عسكرية أمريكية في سوريا

إعداد: رحمه حمدى

أعلنت الولايات المتحدة عن نيتها سحب جزء من قواتها العسكرية من سوريا، مع تأكيد نيتها إضفاء الطابع الرسمي على بقاء قواتها في البلاد. ومن المتوقع أن يصل وفد عسكري أمريكي رفيع المستوى إلى دمشق في الأيام القادمة لتوقيع اتفاقية مع الحكومة السورية تنظم وضع القواعد العسكرية الأمريكية على الأراضي السورية.

تحول جذري في السياسة الأمريكية تجاه سوريا

يمثل هذا التطور نقلة نوعية في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه سوريا، حيث تنتقل من وجود عسكري غير معترف به إلى شراكة رسمية وقانونية مع الحكومة السورية. وبحسب مصدر أمني سوري نقلته صحيفة “إندبندنت عربية”، فإن الاتفاقية ستشرعن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا بموافقة رسمية من دمشق.

تفاصيل الانسحاب والحفاظ على القواعد

أوضح المصدر أن القوات الأمريكية ستنسحب من جميع قواعدها في شمال شرق سوريا، بما في ذلك قواعد دير الزور والرقة والحسكة. ومع ذلك، ستستمر الولايات المتحدة في الحفاظ على وجودها العسكري في قاعدة التنف الواقعة قرب الحدود الثلاثية بين سوريا والأردن والعراق، وذلك بشكل رسمي وبموجب الاتفاقية الجديدة.

أول اتفاقية من نوعها منذ عقود

ستكون هذه الاتفاقية الأولى من نوعها منذ عشرات السنين، مما قد يمهد الطريق لعهد جديد من التعاون بين واشنطن ودمشق. وفي سياق متصل، أفادت قناة “فوكس نيوز” بأن الولايات المتحدة قامت بسحب ما يقارب 500 جندي من سوريا في الأسابيع الأخيرة، كما أغلقت قاعدتين عسكريتين في محافظة دير الزور وسلمت قاعدة ثالثة إلى قوات سوريا الديمقراطية.

صرح النائب الجمهوري مارلين ستوتزمان لصحيفة “إندبندنت عربية” بأن الولايات المتحدة تقوم بالفعل بتقليص عدد قواتها في سوريا، مؤكدًا أنه بعد النجاح في تحقيق الأهداف العسكرية ضد تنظيم داعش، أصبح من الممكن تقليص الوجود العسكري الأمريكي بشكل كبير.

وأشار ستوتزمان إلى إمكانية أن تصبح الحكومة السورية الجديدة حليفة لواشنطن، لافتًا إلى أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد التقى بالرئيس السوري وأعلن عن رفع جزئي للعقوبات المفروضة على سوريا.

وكان السفير الأميركي في أنقرة والمبعوث الخاص إلى سوريا توماس باراك، في مقابلة جديدة مع قناة NTV التركية، 2 يونيو 2025، أن الجيش الأميركي سيقلص وجوده في سوريا بشكل كبير.
وأضاف أن التخفيض “يحدث”،لإعادة ترتيب أمني جديدفي سوريا. “إنها مسألة تكامل، حيث يتحلى الجميع بالعقلانية”.

وأوضح الصحفي من هضبة الجولان، عطا فرحات، لقناة “i24” أن “الحديث يدور حول وفد أمريكي سيزور سوريا في الأيام المقبلة، وسيوقع بشكل رسمي مع الحكومة السورية على اتفاقية لإقامة قاعدة عسكرية دائمة على الأراضي السورية”، مشيرًا إلى أن “هذا الأمر يحدث لأول مرة في تاريخ سوريا، حيث ستكون هناك قاعدة عسكرية رسمية بموافقة الحكومة السورية”.

وأضاف فرحات: “جاءت بعض التسريبات لتشير إلى أن القاعدة ستكون في منطقة التنف، نظرًا لأن التنف تعتبر موقعًا استراتيجيًا أساسيًا بالفعل على الحدود السورية العراقية، في قلب الصحراء السورية”، موضحًا أن “هذه القاعدة ستكون دائمة في ذلك الموقع، وستكون قاعدة كبيرة الحجم، كما يُتوقع أن تقدم الولايات المتحدة طلبًا آخر لإنشاء قاعدة إضافية على الساحل السوري، والتي ستكون أصغر حجمًا”.

كما ذكر أن “هذه القواعد ستكون بمثابة تعزيز للوجود العسكري الأمريكي في سوريا، بعد أن تقلص عدد الجنود الأمريكيين من ألفي مقاتل إلى حوالي 500 مقاتل”، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن “الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استثنى سوريا من قائمة حظر السفر إلى الولايات المتحدة، بعد أن كانت مدرجةً ضمن القائمة بشكل دائم في السابق”.

تصريحات وزارة الخارجية الأمريكية

من جانبه، أكد المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، مايكل ميتشل، أن بلاده تسعى لفتح صفحة جديدة في علاقاتها مع سوريا، تقوم على التعاون والشراكة. وأقر بأن عملية الانسحاب الجزئي قد بدأت بالفعل، لكنه استدرك بالقول إن الانسحاب الكامل لا يزال مبكرًا بسبب المخاوف المستمرة من عودة تنظيم داعش أو ظهور قوى أخرى تهدد الاستقرار.

الأهداف الاستراتيجية للوجود الأمريكي في قاعدة التنف

يشير المحللون إلى أن استمرار الوجود الأمريكي في قاعدة التنف يخدم هدفين رئيسيين: الأول هو مواصلة العمليات العسكرية ضد أي ظهور محتمل لتنظيم داعش، والثاني هو مراقبة تحركات الميليشيات الموالية لإيران لمنع إنشاء خطوط إمداد برية للأسلحة قد تشكل تهديدًا للأمن الإقليمي.

إذا تم التوقيع على هذه الاتفاقية، فلن تقتصر آثارها على إعادة تشكيل الوجود العسكري الأمريكي في سوريا فحسب، بل قد تعكس أيضًا تحولًا أوسع في طبيعة العلاقة بين البلدين، من الخصومة إلى الشراكة في مجالات مكافحة الإرهاب وإعادة الإعمار وتعزيز الاستقرار.

عوامل تأثير الانسحاب الأمريكي

يعتقد مراقبون أن قرار سحب القوات الأمريكية من بعض المناطق في سوريا يأتي نتيجة عدة عوامل، منها تحقيق الأهداف العسكرية الأساسية، والتغير في أولويات البنتاغون خلال إدارة ترامب، وظهور حكومة سورية جديدة تبدي انفتاحًا أكبر على الحوار والتعاون مع الغرب.

الفرق بين الوضع القديم والوضع الجديد للقواعد الأمريكية في سوريا يتمثل في النقاط التالية:

الوضع القديم:

  • الوجود العسكري الأمريكي غير معترف به من الحكومة السورية، ويعتبر “احتلالًا” أو “توغلًا غير قانوني” من وجهة نظر دمشق.
  • القوات الأمريكية تعتمد على تحالفات مع فصائل مثل “قوات سوريا الديمقراطية (قسد)” دون موافقة دمشق.
  • انتشار القوات في عدة مناطق (شمال شرق سوريا: دير الزور، الرقة، الحسكة).
  • وجود غير مستقر بسبب الاشتباكات مع القوات السورية أو الميليشيات الموالية لإيران
  • التركيز على محاربة داعش وقسد مما سبب توتر مع تركيا (بسبب دعم أمريكا لقسد، التي تعتبرها أنقرة “إرهابية”).

الوضع الجديد:

  • الوجود الأمريكي سيصبح شرعيًا بموجب اتفاقية رسمية مع الحكومة السورية، مما يمنحه غطاءً قانونيًا دوليًا.
  • القواعد الأمريكية ستكون بموافقة دمشق، مما قد يقلل الاحتجاجات الدولية أو انتهاك السيادة السورية.
  • انسحاب كامل من شمال شرق سوريا، والاحتفاظ بقاعدة واحدة رئيسية في التنف (قرب الحدود العراقية-الأردنية).
  • وجود دائم ومستقر في قاعدة التنف، مع احتمال إنشاء قاعدة ثانية أصغر على الساحل السوري.
  • مواجهة النفوذ الإيراني (خاصة الميليشيات في البوكمال والحدود العراقية).
  • مراقبة الحدود السورية-العراقية لمنع تهريب الأسلحة.
  • وجود مؤقت غير محدد المدة.
  • وجود طويل الأمد تحت مظلة اتفاقية رسمية.
  • اعتراف أمريكي بالحكومة السورية، سيسبب صراع غير مباشر مع إيران وروسيا في سوريا، قد يزيد الصراع مع إيران بسبب تركيز أمريكا على مواجهة نفوذها في التنف والحدود العراقية.

ويبقى السؤال: هل ستقبل روسيا وإيران بهذا التحول؟ خاصة أن قاعدة التنف ستستخدم لمراقبة الميليشيات الموالية لإيران!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى