الأخبار

أحمد صبري شلبي يكتب: المواطن الكومبو

توقعات الآخرين المبالغ فيها ظاهرة تستدعي وقفة تأمل وتحليل معمق، فهي تعكس اضطرابا جوهريًا في تفاعلاتنا الإنسانية. حتى بلغ الأمر حدًا يجعل البعض منا يختزل الآخر إلى مجرد “مواطن كومبو” – ويكأنه طلب شراء وجبة سريعة تتيح له انتقاء أدق التفاصيل وفقًا للأهواء وتقلبات المزاج.
هكذا وُلدت ظاهرة ما يمكن تسميتها مجازا بـ “المواطن الكومبو” الذي يُتوقع منه أن يكون نسخة مثالية على مقاس ورغبات الآخرين، فإن لم يكن كذلك، ناله سيل من الانتقادات والاتهامات وكأنه ارتكب جريمة كبرى… فقط لأنه لم يَفِ بالتوقعات ولم يحقق الأحلام.

ظاهرة “المواطن الكومبو”.. حين يُطلب من الإنسان أن يكون على “مقاس” الآخرين!

“المواطن الكومبو”: أسير رغبات الآخرين

من هو “المواطن الكومبو”؟ إنه الشخص الذي يُفترض به أن يتطابق تمامًا مع رغبات وتوقعات المحيطين به. يُنتظر منه أن يسلك ويتحدث ويعيش وفق ما يرتضيه له الآخرون، لا وفق ما يمليه عليه ضميره وقناعته. وكأن لسان حال البعض يقول بوضوح: “أريدك كما أشتهي… لا كما أنت بطبيعتك”. يصبح الإنسان أشبه بوجبة سريعة في مطعم للوجبات الجاهزة، متوقع أن يكون نسخة طبق الأصل من التصور الخاص عن الإنسان المثالي.

وكأن لسان حال البعض يقول لك: “أريدك كما أريد.. لا كما أنت”.

خطر كامن: طمس الفردية وقمع التنوع

يكمن الخطر الحقيقي وراء هذه الظاهرة في كونها تقوض الفردية وتقلل من قيمة التنوع والاختلاف الذي يثري نسيجنا الاجتماعي. فحين يصر الآخرون على أن تكون نسخة “بمقاسهم” تمامًا، فإنهم يسلبونك حقك الأصيل في أن تكون ذاتك الحقيقية، بتقلباتك ونقاط قوتك وضعفك، بأحلامك وتناقضاتك الإنسانية. والأدهى من ذلك، أنه إذا لم تستجب لهذه التوقعات الضمنية أو “خذلتهم” فيها، تبدأ سلسلة من الانتقادات اللاذعة والتجريح، وكأنك اقترفت جرمًا لا يُغتفر لمجرد أنك لم تكن النسخة التي يفضلونها.

هل جئنا إلى الدنيا لنحقق توقعات غيرنا؟

من أبرز الأخطاء التي نقع فيها دون وعي كافٍ، هو السماح لأنفسنا – بدافع الحب أو السعي للقبول – بأن نتحول إلى أدوات لتنفيذ طموحات وتوقعات الآخرين. يصبح وجودنا في هذه الحياة مرتبطًا بإرضاء من حولنا وتحقيق ما عجزوا هم عن بلوغه. لكن الحقيقة البديهية هي أن لكل فرد منا مسيرته الفريدة، وأحلامه الخاصة، وتجربته الحياتية التي لا تتكرر. لم نأتِ إلى هذا العالم لنعيش بالوكالة عن أحد، ولا لنكون الصورة المثالية التي يرسمها الآخرون في مخيلاتهم. لم نُخلق لنكون تجسيدًا لتوقعات الغير، بل نسعى جاهدين نحو اكتشاف حقيقتنا الداخلية، وأن نحيا الحياة بالطريقة التي نفهمها ونؤمن بها نحن، لا كما يُملى علينا فهمها.

يتجلى هذا الأمر في تفاصيل حياتنا اليومية أكثر مما نتصور: صديق يتوقع منك تأييده المطلق في كل آرائه، وإذا خالفته الرأي، اتهمك بالخيانة. أو زميل ينتظر منك تبني وجهة نظره دون نقاش، وإذا تجادلت معه، اعتبرك خصمًا لدودًا. وحتى في العلاقات العاطفية والأسرية، يوجد من يرغب في الحصول على شريك حياة “كومبو” متكامل الأوصاف: رومانسيًا وقتما يشاء، قويًا عند الحاجة، صامتًا في لحظات غضبه، وثَرثارًا عندما يسوده الصمت.

كيف تحمي نفسك من أن تكون “مواطن كومبو”؟

ليس المطلوب أن تتحول إلى شخص صدامي أو رافض لكل شيء، ولكن أن تتعلم كيف ترسم حدودك بلباقة. إليك بعض الخطوات التي تساعدك على الحفاظ على نفسك من هذا الفخ، بأدب وشياكة:

فكن كما أنت، لا كما يريد الآخرون.

  1. تعلم قول “لا” بلطف: يمكنك أن ترفض ما لا يناسبك دون أن تجرح أحدًا. جملة مثل “أفهم وجهة نظرك، لكن دي مش طريقتي” كافية لتوصيل الرسالة دون صدام.
  2. كن واضحًا من البداية: وضوحك في مواقفك واختياراتك من البداية يجعل الآخرين يعرفون من أنت، فلا يتوقعون منك ما ليس فيك.
  3. استمع ولكن لا تتنازل عن نفسك: الإصغاء لا يعني الموافقة. تقدر تسمع وتحترم رأي الطرف الآخر من غير ما تسيب قناعاتك.
  4. استخدم الدعابة أحيانًا: أسلوب خفيف ساخر ممكن يكون وسيلة قوية لتوصيل رفضك أو تحفظك من غير توتر أو حساسيات.
  5. حافظ على احترامك لذاتك: كل مرة تقول فيها “أنا آسف، مش هقدر أكون الشخص اللي متوقعه”، هي خطوة نحو بناء نسخة صادقة منك.
    في الختام
    لسنا “كومبو” يطلبه الآخرون على أهوائهم. نحن بشر، نبحث عمن يفهمنا لا من يفصّلنا. ومن حق كل إنسان أن يعيش حقيقته، لا أن يتحول إلى منتج يرضي طلبات غيره

نقطة ومن أول السطر: اللي عايز “كومبو”… يروح ماكدونالدز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى