Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

شحاتة زكريا يكتب: رسالة من القاهرة إلى العالم: لا تُطفئوا نور العدالة

من القاهرة خرجت الرسالة واضحة وصادقة بلا ضجيج ولا ادعاء تحمل في طياتها ما لم تجرؤ قوى كبرى على قوله: كفى ظلما كفى دمارا كفى عبثا بمصائر الشعوب.

كانت الرسالة مصرية في جوهرها وإنسانية في مضمونها تقول للعالم بصوتٍ لا يعرف المواربة: لا تُطفئوا نور العدالة فإن إطفاءه هو بداية الظلام الشامل للجميع.

لقد أثبتت مصر مجددا أن صوت العقل مهما بدا وحيدا وسط ضجيج المدافع والمصالح يظل هو الأصدق والأبقى. لم ترفع شعارا ولم تلوّح بورقة ضغط بل تمسكت بموقف ثابت يستند إلى قيم لا تتبدل وإلى فهم عميق لمعنى الدولة ومسؤوليتها في زمن فقد فيه كثيرون بوصلتهم الأخلاقية والسياسية.

منذ اشتعلت النار في غزة لم تتبدل أولويات القاهرة.. وقف نزيف الدم، حماية الأبرياء، وصون حق الفلسطينيين في أرضهم ودولتهم.

وبينما راحت أطرافٌ كثيرة تخلط بين الحسابات والمساومات اختارت مصر طريقا أصعب وأشرف.. طريق العدالة والضمير الإنساني. لم تسعَ إلى مكسبٍ سياسي ولم تتاجر بمآسي الناس بل جعلت من آلام غزة مسؤولية في عنقها ومن معاناة الشعب الفلسطيني واجبا إنسانيا لا يقبل المساومة.

في عزّ العواصف كانت القاهرة تُدير الأزمة بعقل الدولة لا بانفعال الشارع وبمنطق القيادة لا بنزق الشعارات. كانت تُمسك بخيوط دقيقة من التوازن بين واجبها العربي ومسؤوليتها تجاه أمنها القومي، وبين موقفها الأخلاقي الذي لا يقبل الظلم لأي إنسان. وفي كل ذلك ظلت مصر ثابتة على مبدأ واحد: العدالة ليست وجهة نظر وأن القانون الدولي لا يُطبق انتقائيا.

حين دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته لم يكن يتحدث فقط عن غزة بل عن مستقبل النظام العالمي نفسه، عن معنى أن تكون هناك قيم تُحترم ومواثيق تُنفّذ وعدالة لا تُفرّق بين الضحية والجلاد. كانت كلماته تُعيد للعالم تذكيرا مؤلما بحقيقة حاول كثيرون تجاهلها، أن غياب العدالة في مكان يعني غياب الأمن في كل مكان.

لقد تصدّت مصر لمحاولات شيطنة موقفها وصمدت أمام ضغوط غير مسبوقة رفضت الانجرار إلى صراع لا يخدم سوى أجندات خفية وواجهت حملات التضليل بابتسامة الواثق وإصرار العارف بما يفعل. لم تتحدث كثيرا لكنها فعلت كثيرا. فتحت معابرها للجرحى وشاركت خبزها مع من فقدوا المأوى وبقيت تعمل ليلا ونهارا من أجل هدنة تُنقذ الأرواح وتعيد للعالم شيئا من إنسانيته.

هكذا تكتب القاهرة فصولها الجديدة من الدبلوماسية النبيلة، دبلوماسية الفعل لا القول والعقل لا الانفعال. دبلوماسية تدرك أن الكرامة الوطنية لا تتجزأ وأن من يحمي حق شعبه لا يمكن أن يقبل الظلم لشعب آخر. فمصر التي صانت نفسها من نار الفوضى كانت تدرك أن إخماد الحريق في الجوار هو دفاع عن بيتها أيضا وأن السلام الحقيقي لا يُبنى على حساب الضمير.

اليوم يقف العالم على مفترق طرق. فإما أن ينتصر للعدالة أو يظل أسيرا لمنطق القوة والغطرسة. والعالم الذي صمت طويلا على المذابح عليه أن يُراجع نفسه لأن الظلم إذا استمر لن يترك أحدا بمنأى عن عواقبه.

أما القاهرة فقد اختارت أن تكون في صف النور في صف الضمير الإنساني في صف الحق الذي لا يموت مهما طال ليله.

الذين ظنوا أن مصر ستتخلى عن دورها فوجئوا بأنها ما زالت البوصلة التي تُعيد الاتجاهات إلى صوابها. والذين حاولوا أن يُحمّلوها ما لا تحتمل اكتشفوا أن في القاهرة من الحكمة ما يجعلها أكبر من كل الابتزازات. تلك الحكمة التي ورثتها مصر من تاريخها الطويل من نيلها الذي لا يعرف الانقطاع ومن شعبها الذي لا يقبل أن يرى الظلم صامتا عليه.

لقد أثبت الرئيس عبد الفتاح السيسي أن الزعامة ليست في كثرة الشعارات بل في القدرة على اتخاذ القرار الصعب في اللحظة الأصعب. وقف أمام العالم بشجاعة القائد المؤمن الذي لا يساوم على مبادئه ولا يُغامر بمستقبل وطنه. اختار أن تكون مصر جسرا للسلام لا ساحة للحرب ومأوى للإنسانية لا معبرا للفوضى فاستحق احترام العالم كله.

إن القاهرة لا تُرسل رسائلها عبثا ولا تتحدث بلغة العواطف بل بمنطق الدولة العريقة التي تعرف قدرها وقدر الآخرين. رسالتها إلى العالم اليوم أن العدالة ليست ترفا سياسيا ، بل شرط بقاء للإنسانية. وأن الأمن لا يتحقق بالصواريخ والطائرات بل بالحق والإنصاف. وأن كل تسوية لا تقوم على العدالة ستظل قنبلة مؤجلة ستنفجر في وجه الجميع.

في زمنٍ تتلاشى فيه القيم تبقى مصر شاهدة على أن الضمير الإنساني لم يمت بعد وأن نور العدالة مهما حاولوا إطفاءه سيظل يتوهّج من ضفاف النيل يُنير الطريق لكل من ضلّ عن الإنسانية.

من القاهرة إذن تخرج الرسالة إلى العالم مرة أخرى:

لا تُطفئوا نور العدالة لأن إطفاءه جريمة في حق أنفسكم قبل أن تكون في حق الآخرين.

احفظوا ما تبقى من ضمير العالم ، قبل أن يُطفئ الحقد آخر شمعة في هذا الكون.

فمصر ستبقى كما كانت دائما صوت الحكمة في زمن الجنون وميزان العدالة حين تختل الموازين والنور الذي لا ينطفئ مهما طال الليل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى