تقاريرسلايدرمعرفة

الهرم الأسود.. بين أوهام الإنترنت وحقائق علم المصريات

إعداد: بسنت عماد

منذ آلاف السنين وما زالت الحضارة المصرية القديمة تبهر العالم وتثير فضوله، لتصبح معينًا لا ينضب للقصص والفرضيات التي تتداولها الصحف الأجنبية وتغزو منصات التواصل الاجتماعي.

فمع كل كشف أثري جديد أو لغز لم يُفك بعد، تتجدد الدهشة وتتعالى التكهنات، وكأن هذه الحضارة ما زالت تنبض بالحياة وتحتفظ بأسرارها.

لقد وقف العالم وما زال يقف مبهورًا أمام عظمة إنجازات المصري القديم، الذي سبق عصره بفكر مبدع وعبقرية فريدة.

ومن أكثر الفرضيات المثيرة للجدل ما يُعرف بـ”الهرم الرابع الأسود”، حيث يعتقد بعض الباحثين أنه كان قائمًا بجوار أهرامات الجيزة الثلاثة قبل أن يختفي في ظروف غامضة، في حين يرى علماء المصريات أن القصة لا تعدو كونها التباسًا تاريخيًا وأخطاءً في الترجمة والتفسير.

أسطورة الهرم المفقود

يتزعم هذه الفرضية الباحث الإنجليزي ماثيو سيبسون، الذي ادعى عبر قناته على “يوتيوب” أنه توصل إلى أدلة تثبت وجود هرم رابع بجوار خوفو وخفرع ومنكاورع.

وبحسب روايته، فإن هذا الهرم كان أصغر من هرم خفرع بنحو 100 قدم، ويختلف في تصميمه إذ كان يتوّج بمكعب ضخم، يعتقد سيبسون أنه كان تمثالاً لشخص ما.

سيبسون بنى فرضيته على مزيج من الوثائق القديمة ورسومات تاريخية ودراسة تضاريس هضبة الجيزة، مدعياً أن الهرم المفقود كان قائماً إلى الغرب من الأهرامات الثلاثة، لكنه هُدم لاحقاً على أيدي سكان القاهرة لاستخدام أحجاره في البناء خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

رسومات نوردن.. مصدر الجدل

المرجع الأساسي لسيبسون هو كتاب المستكشف الدنماركي فريدريك لودفيج نوردن، الذي زار مصر عام 1737 بدعوة من ملك الدنمارك.

نوردن وثّق رحلته في كتابه الشهير “رحلة إلى مصر والنوبة”، متضمناً رسومات دقيقة للمعابد والمقابر والأهرامات وأيضاً للخرائط الجغرافية.

في بعض هذه الرسومات، ظهرت أربعة أهرامات في هضبة الجيزة، الأمر الذي اعتبره سيبسون دليلاً قاطعاً على وجود هرم رابع.

وزاد من الجدل ما ورد في الترجمة الإنجليزية لكتاب نوردن بأن أحد هذه الأهرامات “أسود اللون”، وهو ما أعطى زخماً لفكرة “الهرم الأسود”.

الترويج الإعلامي

صحيفة Express البريطانية التقطت خيط النظرية، ونشرت تقريراً يروّج لفرضية سيبسون، ما منحها شهرة واسعة خاصة على منصات الإنترنت، حيث تحظى هذه القصص الغامضة بجاذبية كبيرة لدى الجمهور الغربي المهتم بقدماء المصريين .

ولم يقتصر الأمر على سيبسون، إذ انتشرت حسابات ومقالات لعدد من الهواة على شبكات التواصل الاجتماعي يروجون لفكرة أن الهرم الرابع لم يُفكك، بل ما زال مطموراً تحت رمال الجيزة.

فجوة الحجم

من أبرز ما يستند إليه مؤيدو الفرضية هو وجود فارق كبير في الحجم بين هرم خفرع وهرم منكاورع، معتبرين أن الهرم المفقود كان سيكمل التدرج الطبيعي في أحجام الأهرامات.

وبحسب تصورهم، فإن الهرم المزعوم كان ثالثاً من حيث الضخامة بعد خوفو وخفرع، وقبل منكاورع.

رد علماء المصريات

لكن علماء المصريات يرون أن هذه الفرضيات لا أساس لها.. فبالنسبة للرسوم التي نشرها نوردن، يؤكد الخبراء أنها تعود إلى أحد أهرامات الملكات الصغيرة المجاورة للأهرامات الكبرى.

فقد كان اثنان من هذه الأهرامات مغطى بالرمال، بينما ظهر واحد فقط بوضوح، ما جعل نوردن يرسم أربعة أهرامات.

أما وصف “الهرم الأسود”، فيرجع – وفق المتخصصين – إلى خطأ في الترجمة.

فالنسخة الفرنسية الأصلية لكتاب نوردن تشير إلى أن أحد الأهرامات كان “أغمق” لوناً من الآخرين، وهو وصف دقيق لهرم منكاورع المبني من الجرانيت الداكن، لكن المترجم إلى الإنجليزية حوّل كلمة “أغمق” إلى “أسود”، فانتشرت المعلومة الخاطئة.

الحقيقة الأثرية

تؤكد البعثات الأثرية الدولية أن موقع أهرامات الجيزة من أكثر المواقع دراسة في العالم، حيث خضع لعقود من الحفريات والبحوث الدقيقة، ولم يتم العثور على أي أثر لهرم رابع.

كما أن المؤرخين القدماء مثل هيرودوت وغيرهم ممن وثقوا الأهرامات المصرية لم يشيروا إلى وجود هرم إضافي.

وبالتالي، فإن ما يعرف بـ”الهرم الرابع الأسود” لا يعدو كونه أسطورة معاصرة غذّاها الخيال الشعبي وأخطاء الترجمة، بينما تبقى الحقيقة واضحة: أهرامات الجيزة ثلاثة، تحفة معمارية خالدة، لا تحتاج إلى إضافات أسطورية لتؤكد عظمتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى